الهدنة بانتظار إعلان الفشل.. الإنحياز الأممي للتحالف يسد الطريق نحو السلام
مع انقضاء ثلثَي مدة الهُدنة في ظل استمرار إصرار تحالُفِ العدوان على تجاهل التزاماته الواضحة، أصبح الاتّفاقُ في حكم “الميت سريرياً” ولم يعد يحافظ عليه سوى حرص صنعاء على “إتمام الحجّـة” وإثبات التزامها وجديتها في التوجّـه نحو السلام، وهو حرص بات واضحًا أن تحالف العدوان يسيءُ تقديرَه بشكل فَجٍّ، مثلما يسيءُ تقديرَ العواقب التي سيتحملها نتيجة هذا السلوك، والتي لم يعد هناك شكٌّ أن صنعاء قد أعدتها مسبقًا لمثل هذه الحالة، خُصُوصاً وأن الأمم المتحدة التي يفترض بها أن ترعى الاتّفاق، قد تخلت بوضوح عن مسؤولياتها منذ وقت مبكر، وتماهت مع تحالف العدوان لتفريغ الهُدنة من مضمونها.
شهدت الأيّامُ القليلة الماضية -منذ انقضاء شهر رمضان المبارك- تصاعُداً كَبيراً في خروقات تحالف العدوان وأدواته على الميدان وُصُـولاً إلى شن غارات جوية، والقيام بأعمال عدائية جوية، الأمر الذي ردت عليه صنعاءُ بإسقاط طائرة مقاتلة بدون طيار من نوع (CH4) صينية الصنع، قامت بخرق الهُدنة في أجواء مديرية حرَض بمحافظة حجّـة.
ووجّهت هذه العمليةُ رسالةً واضحةً لتحالف العدوان بأن “التمادي في الأعمال العدوانية من شأنه تقويض الهُدنة المهدّدة أصلاً بعدم تنفيذ بنودها فيما يخص إعادة فتح مطار صنعاء الدولي وتسهيل وصول السفن القادمة نحو ميناء الحديدة” بحسب رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام.
وبعبارة أُخرى: ذكّرت صنعاء تحالف العدوان من خلال إسقاط الطائرة وبشكل عملي بأن محاولة استغلال الهُدنة كوسيلة لتقييد خيارات قوات الجيش واللجان الشعبيّة، لن تُجدِيَ نفعاً، وبالتالي فعلى دول العدوان وبالذات النظام السعوديّ إعادة النظر في حسابات “المراوغة” التي يعتمد عليها قبل انقضاءِ فترة الهُدنة؛ لأَنَّه سيصطدم مجدّدًا بعواقب استمراره في التعنت.
التصاعُدُ في الخروقات العسكرية من جانب تحالف العدوان، جاء في إطار رفضِه المُستمرِّ والفَج لتنفيذ بقية الالتزامات في اتّفاق الهُدنة، حَيثُ ما زال مطار صنعاء الدولي مغلقاً بشكل كامل، في ظل إصرار على محاولة فرض اشتراطات تعسفية تعرقل السفر من المطار وإليه، كما واصلت قوى العدوان احتجاز سفن الوقود ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة، وممارسة سياسة “التقطير” لإطالة أمد الأزمة.
وفي دليل إضافي على تمسك تحالف العدوان بخيار المراوغة، أعلن النظامُ السعوديُّ قبل أَيَّـام الإفراج عن 163 شخصاً وصفهم بـ “الأسرى” ضمن ما زعم أنه “مبادرة أُحادية” فقط لينكشف بالصوت والصورة وباعترافات وسائل إعلامه نفسها أن المفرَجَ عنهم (وهم 126 شخصاً فقط تم نقلهم إلى عدن!) كانوا عبارة عن معتقلين ومختطفين مدنيين بينهم أربعة صيادين تم اختطافهم بصورة وحشية من البحر الأحمر، ولم يكن هناك سوى خمسة فقط من أسرى الحرب، الأمر الذي كشف بوضوح أن تحالف العدوان يسعى لتضليل الرأي العام وصرف الأنظار عن رفضه المتواصل لتنفيذ التزامات الهُدنة، ولتكريس رواية مغلوطة مخادعة يحمل فيها صنعاء مسؤولية عدم نجاح التهدئة.
صنعاء: “غروندبرغ” نسخةٌ أُخرى من “ولد الشيخ”
خلال كُـلِّ ذلك، كان الموقفُ الأممي يكشفُ عن تواطؤ واضح مع تحالف العدوان، الأمر الذي جعل “فشلَ” الهُدنة يبدو حتمياً، فإلى جانب الاستمرار بالصمت إزاء الخروقات الميدانية واحتجاز سفن الوقود، واصل المبعوثُ الأممي هانس غروندبرغ محاولاته لتكريسِ ذرائع العدوّ لإغلاق مطار صنعاء من خلال التعاطي مع منع الرحلات وكأنها مشكلةٌ لم يتضمنها الاتّفاقُ ولم يتم بتُّها فيه.
وإلى جانب ذلك، سقط غروندبرغ في محاولةٍ أُخرى لتلميعِ صورة النظام السعوديّ من خلال الترحيب بـ “مبادرتها” المزيَّفة للإفراج عن الأسرى الذين تبين أنهم مُجَـرّد مختطفين مدنيين، والتعاطي معها كـ “خُطوةٍ إيجابية”.
وكان لصنعاءَ ردودٌ شديدة اللهجة على هذا السلوك الأممي الفاضح تجاه الهُدنة والتزاماتها، حَيثُ أكّـد رئيسُ الوفد الوطني محمد عبد السلام، أن “على الأمم المتحدة ومبعوثها عدمَ اللهاث وراء الدعاية السعوديّة السوداء وتبييضها وتجميلها لا سِـيَّـما في قضايا باتت واضحة ومدعاةً للسُّخرية، وعلى المبعوث القيام بدوره بمسؤولية وحيادية أما المواقف الرمادية ومجاراة المعتدي فلن تؤدي به إلا إلى ما أَدَّت بأسلافه”.
وفي السياق ذاته، أكّـد عضوُ الوفد الوطني، عبد الملك العجري: أن “الأمم المتحدة ومبعوثها لم تكتفِ بالفشل في اختبار الهُدنة ففي مسرحية المحتجزين المفرج عنهم تحولت لـ (شاهد ما شافش حاجة)”، وَأَضَـافَ أنه: “من المهم إلَّا يتصرف المبعوث كممثل لدول العدوان، فهذه المرحلة الحرجة لا تحتمل نسخة أُخرى من ولد الشيخ”.
هذه التصريحات حملت رسائلَ مهمة يجب أن تلتقطها الأمم المتحدة وتحالف العدوان على حَــدّ سواء، خُصُوصاً وأن الطرفين يعملان بوضوح -كالعادة- على خلق تصور مزيف يغطي على استمرار العدوان والحصار ويحاول تقييد خيارات صنعاء العسكرية لتجنيب التحالف عواقب تعنته المُستمرّ، ومفاد تلك الرسائل أنه من الغباء تجريب المجرب وانتظار نتائج مختلفة.
ومن هذا الجانب، قال نائبُ وزير الخارجية، حسين العزي في وقت سابق إن: “الأمم المتحدة تفتقرُ لأبسط شروط الوسيط المحايد وتبدو عاجزةً حتى عن تسمية الأشياء بمسمياتها، وعلى سبيل المثال فَـإنَّ مبعوثها ما يزال يسمي العدوان الذي تقوده السعوديّة (حرباً أهلية) مع أن الجميع يعرف أن السعوديّة دولة معروفة وليست محافظة يمنية أَو قرية نائية يصعب تذكرها”.