دولة خليجية … تسعى لأن تكون اليمن ندا قويا للسعودية !
علي الشراعي …
كغيرها من دول الخليج العربي عانت ومازالت تعاني من سياسة التنمر السعودي عليها الطامعة في أراضيها وتقاسم ثرواتها والتحكم بمنافذها البحرية وبقرارها السياسي الخارجي.
لأسباب عديدة تحاول السعودية تحييد دور اليمن في حين تسعى بعض دول الخليج العربي ومنها دولة الكويت أن تقلل من الضغط السعودي عليها وذلك من خلال خطوات منها تقوية اليمن في إطار توازن القوى في المنطقة .
الذاكرة السوداء
في نهاية شهر اغسطس من عام 1920م التقي المندوب البريطاني السامي في العراق بيرسي كوكس في ميناء العقير مع عبدالعزيز ابن سعود للمباحثة حول النزاع النجدي الكويتي حيث ابدى ابن سعود رغبته لكوكس في ضم الكويت إلى ممتلكاته غير ان كوكس رفض اعطاء جواب قاطع في المسألة ) تحتفظ الذاكرة السياسية الكويتية بتاريخ اسود لعلاقة آل سعود مع الكويت منذ تأسيس دولتهم الأولى منتصف القرن الثامن عشر وغزوهم المتكرر للكويت وتهديدهم لها فمطامع آل سعود لم تتغير حتي بمرور الدولة السعودية الثانية والثالثة بالرغم من دعم الكويت لعبد العزيز ابن سعود سنة 1902م في استعاده ملك اسرته في الحجاز ودخول الرياض والقضاء على آل الرشيد لكن اطماع الرياض ظلت حتي الان في أراض وثروات الكويت ومنافذها البحرية وتقاسم حتي جمارك موانئها وحقل الدرة خير مثال وآبار الوفرة والخفجي !
فالسعودية القوة المهيمنة التي تبسط نفوذها من وسط شبة الجزيرة إلى محيطها الخارجي وتحاول ان تفرض تأثيرها على سائر دول المنطقة . فعندما يسري منطق التوازن ووجود القوة الموازية للقوة السعودية كما يحدث غالبا يساهم ذلك في منح دول الخليج العربي بعض النفوذ في تعاملها مع المملكة العربية السعودية الأكثر قوة وإن استخدام اليمن كطرف موازِ للقوة بدا بوضوح أكبر في العلاقات الثلاثية ( السعودية – الكويت اليمنية ) منذ استقلال دول الكويت الشقيقة مطلع الستينيات من القرن المنصرم حتي عام 1990م وهذا يساعد على فهم سبب إقدام الكويت على منح الجمهورية العربية اليمنية سابقا القدر من المساعدة خلال الحرب الأهلية اليمنية بعد قيام ثورة 26 سبتمبر1962م في شمال اليمن وأقدمت على ذلك على الرغم من معارضة السعوديين الذين كانوا يدعمون بقوة الملكيين في مواجهة الجمهوريين . كما يساعد ايضا على تفسير استمرار هذا الدعم خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي . وفي تلك المرحلة كان السعوديون يمارسون ضغوطا ملحوظة على الكويتيين للامتثال لهم واتباع خط أكثر محافظة في الداخل والخارج . كما إن الدعم الكويتي لم يقتصر على صنعاء بل وعدن ايضا خلال تلك الفترة حيث كانت الكويت تحرض باستمرار اليمن الجنوبي على السعودية وتستعمله في إزعاج النظام السعودي وذلك بهدف إبقاء السعودية منشغلة بالطرف الآخر في شبة الجزيرة العربية .
المواقف الكويتية
وهناك أمثلة اخرى عديدة على الجهود التي بذلتها الكويت لتأييد اليمن ودعمه بوصفه قوة موازية للسعودية . فلا يخفى ان التاريخ المعاصر خير شاهد على الدور الفعال للدبلوماسية الكويتية في اليمن لتتعدي الجانب الاقتصادي والاجتماعي والإنساني الى دور سياسا هاما في الوساطة بين شطري اليمن في اثناء حرب 1972م وكذا دورها في توحيد اليمن وكان لها شرف رعاية اول لقاء يمني وعقد أول اتفاقية للوحدة اليمنية قمة الكويت 28 مارس 1979م . كذلك دور الكويت في الوساطة بين جنوب اليمن سابقا وسلطنة عمان لإنهاء التوتر بين الطرفين والوصول إلى اعتراف متبادل بين الطرفين. فالكويت دعمت المسيرة الوحدوية اليمنية والتي كانت حلقة من سلسة طويلة من الجهود الكويتية المستمرة لتحقيق الاستقرار في جنوب الجزيرة العربية باعتباره جزءا اساسيا من استقرار المنطقة ويخلق توازن قوى في وجه الغطرسة والهيمنة السعودية .
سياسة التنمر
فلم تكن الكويت وحدها فقط تسعى لذلك بل دول الخليج العربي الأخرى والتي تسعى لتحقيق نفس الهدف . والخروج من فلك السياسة السعودية ومن الهيمنة والتنمر والسادية السعودية التقليدية التي كانت لها في دول مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه. فالدولة التي تحب أرض الغير لم تعد مثالا صالحا يحتذى به والخلافات الحدودية بين السعودية وجيرانها وطمعها في اراضيهم وبحارهم هي أحد اهم أسباب التوتر في الجزيرة العربية والداعية إلى ايجاد توازن قوى في المنطقة يردع ويوازي قوة الرياض . فكانت الوحدة اليمنية في عام 1990م بوابة انفراج لتوازن القوى في شبة الجزيرة العربية ومنذ البدء كانت السعودية ضد الوحدة اليمنية إلا انها قبلت بها على مضض نتيجة لتفكك الاتحاد السوفيتي وإفلاسه قبل انهيار الشيوعية وسقوط نظامها في موسكو بقدر ما كان قبولها نتيجة أيضا لرغبة الغرب في احتواء اليمن الجنوبي .
توازن القوى
فقد أصبحت اليمن الموحد ثاني اكبر دولة عربية في الجناح الاسيوي للوطن العربي من حيث المساحة بعد السعودية وهذه المساحة الجغرافية الشاسعة تتيح لليمن عمقا استراتيجيا مناسبا إذ إن عامل المساحة يتناسب تناسبا طرديا مع الأمن القومي للدولة . وعلاوة على اتساع مساحتها فاليمن تحتل موقعا استراتيجيا رئيسا في الخريطة السياسية والأمنية للمنطقة فهي تتحكم بمضيق باب المندب وبحركة الملاحة عبر البحر الأحمر بين الشرق والغرب وتشكل حزاما امنيا لجنوب الجزيرة والخليج حيث يوجد كنز البشرية النفيس من النفط والغاز .
ومن الناحية السكانية اصبحت الدولة الاكثر كثافة في منطقة الجزيرة والخليج اصافة إلى امتلاك اليمن العديد من الجزر في البحر الأحمر وتتحكم في مضيق باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الاحمر كما تشرف على خليج عدن الذي يعد هو الاخر المدخل الى المحيط الهندي هذه المقدرات لا شك انها سوف تلعب دورا كبيرا داخل اليمن وخارجها فالجمهورية اليمنية تمثل عمقا استراتيجيا في المنظومة الاقليمية التي تعيش فيها وقوة لا يستهان بها وان الوحدة اليمنية بقيامها تحقق اكبر قدر من الاستقرار الاقليمي واحد عناصر هذا الاستقرار والتوازن .