طاحونة الاغتيالات تعود بقوة إلى عدن.. جواس يفتح بوابة الجحيم

عادت حرب الاغتيالات والتصفيات من جديد إلى محافظة عدن، الخاضعة لسيطرة الميليشيات التابعة للإمارات، عقب اغتيال قيادي عسكري من الوزن الثقيل يتبع ميليشيا الإصلاح، وذلك غداة الاستعداد لتدشين مؤتمر الرياض الذي ترعاه السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، بين قادة وممثلي الفصائل التابعة للتحالف.

وعلى الرغم من تزامن الاغتيالات في ظل المساعي السعودية الخليجية للملمت أوضاع الموالون لها في مؤتمر الرياض فقد دخلت مدينة عدن فصلاً جديداً من فصول العنف والصراعات الدموية، بعد عملية اغتيال أحد أبرز القادة العسكريين الجنوبيين، وسط أنباء تتحدث أن القتيل “جواس” كان مرشحاً لتولي منصب وزير دفاع الحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها ضمن مؤتمر الرياض.

وامام كل عملية اغتيال في مدينة عدن يتساءل المراقبون: عن الجهة التي تقف خلف تلك الاغتيالات والفوضى والانفلات الأمني في العاصمة الاقتصادية لليمن والتي تبلغ مساحتها 400 كيلومتر مربع، ويوجد فيها أكثر من 50 ألفاً من القوات العسكرية والأمنية المدعومة من دولة الإمارات.

عودة الاغتيالات

 

جثة العميد جواس

وأفادت أنباء متداولة اليوم الخميس، عن عملية اغتيال جديدة طالت القيادي “فضل باعش”، قائد “القوات الخاصة” في محافظات “عدن، لحج، أبين، الضالع”، الذي أعلن مؤخراً انشقاقه عن “حكومة هادي”، بانفجار سيارة مفخخة في نقطة العلم الواقعة عند المدخل الشرقي لمدينة عدن.

وكان العميد “ثابت مثنى جواس” قائد محور العند العسكري وقائد اللواء ١٣١ مشاه، لقى مصرعه أمس الأربعاء، جراء انفجار سيارة مفخخة استهدفت موكبه في المنطقة الخضراء بمدينة عدن، بينما كان في طريق عودته بعد تأدية واجب العزاء في منزل القيادي العسكري من أبناء ردفان “سعيد صالح” بوفاة أحد اقاربه.

ووفقاً لوسائل إعلام محلية، فقد أسفر الانفجار عن مصرع العميد جواس وأحد أبناءه و 3 من مرافقيه.

 

حرب تبادل الاتهامات

 

وامام كل عملية اغتيال في المحافظات الواقعة تحت سيطرة قوات التحالف، تتبادل قيادات الإصلاح والانتقالي الاتهامات فيما بينهما حول ضلوعهم في التخطيط لعملية الاغتيال، ليتم فيما بعد تسجيل القضية ضد مجهول.

وربطت العديد من الوسائل الإعلامية الموالية لحزب الإصلاح، بين حادثة مقتل اللواء “ثابت مثنى جواس” بقضية مقتل المواطن “محمد ثابت صالح سالم الردفاني” الذي لقي حتفه الإثنين الماضي، برصاص “قاسم الثوباني” مدير مكتب “شلال شائع” جراء خلاف على قطعة أرض في التواهي بمدينة عدن.

ورجَّح إعلاميون وناشطون معظمهم من أبناء ردفان، أن يكون “شلال شائع” هو من يقف وراء مقتل “جواس” بعد المشادة التي جرت بينهما أمس الأربعاء، لا سيما أن “جواس” كان ممثلاً عن أسرة القتيل “محمد ثابت” ويطالب بتسليم القاتل “الثوباني”، حيث التقى جواس أمس الأربعاء بـ”شلال شائع” للمطالبة بتسليم “الثوباني”، ودار بينهما خلاف شديد انتهى بمغادرة “جواس” إلى منزل “سعيد صالح سالم” حيث تتواجد أسرة وأولياء دم الشاب “محمد ثابت صالح سالم” ومن ثم غادر الساعة السادسة مساءً وتعرض بعدها لانفجار أدى إلى مقتله ومن معه.

من جهة أخرى, ألمح بيان “الإنتقالي ” الذي جاء على لسان متحدث المجلس “علي الكثيري” ان الإصلاح و”حكومة هادي” هما من خططوا لقتل جواس باعتباره اصبح مواليا لـ”الإنتقالي” في الفترة الأخيرة.

كما نشرت مواقع إعلامية موالية لـ”الانتقالي” مقطع فيدو للقتيل “جواس” يتوعد فيها ميليشيا الإصلاح بحرب مدمرة تقضي عليهم في محافظة شبوة.

وأعلن جواس في ذلك المقطع مبايعته لـ”عيدروس الزبيدي” رئيس “المجلس الانتقالي الجنوبي”.

 

طاحونة الإصلاحيين

وتأتي عملية تصفية “جواس” ضمن سلسلة طويلة من عمليات الاغتيال التي طالت منذ أغسطس 2015، وحتى نهاية ديسمبر الماضي، حياة 200 من كبار قيادات حزب الإصلاح في محافظة عدن والعديد من الشخصيات السياسية والعسكرية والأمنية والنشطاء ورجال الدين من الدعاة والخطباء والإعلاميين من أبناء المحافظات الشمالية، في محاولة على ما يبدو تطهير محافظة عدن من كل صوت مؤثر ومعارض للتواجد الإماراتي والنوايا التشطيرية للميليشيات المسلحة التابعة له، التي خلفت في محافظة عدن وبقية المحافظات الجنوبية، حالة صعبة من الفوضى والصراعات المسلحة والفلتان الأمني.

كما أفادت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، في 6 أبريل 2018، أن 25 من رجال الدين ينتمون إلى “حزب الإصلاح”، فرع من جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، قتلوا عام 2016، على يد عناصر خضعوا لتدريبات في الإمارات، حيث تعمل فئات من تلك الفصائل تحت مظلة “المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي يعتبره الكثيرون كقوة انفصالية تقاتل من أجل انفصال جنوب اليمن.

ولعل أبرز عمليات الاغتيالات في عدن نستذكر مايلي:

في 30 أغسطس 2020، اغتال مسلحين مجهولين، القيادي بحزب التجمع اليمني للإصلاح، “عوض فدعق”، في شارع السجن المركزي في مديرية المنصورة، بمدينة عدن، وأن عددا من المواطنين حاولوا نقل الضحية لتلقي الإسعافات، لكنه فارق الحياة بشكل فوري.

في 1 مايو 2021، اغتيل القيادي بلال منصور، البالغ من العمر 42 عاما، بأربع رصاصات.

تلاها بعد يوم واحد تمت عملية اغتيال الأمين العام للمجلس المحلي في مديرية المحفد محمد سالم الكازمي، أمام منزله في منطقة الحسوة بمديرية البريقة غربي عدن.

وفي 7 ديسمبر 2021، أطلق مجهولون الرصاص على القيادي الإصلاحي “باوزير” أثناء خروجه من مكتبه بمديرية خور مكسر، حيث  وجه ناشطين على موقع “تويتر”، الاتهامات المباشرة لمليشيا الانتقالي بصفتها المسيطرة على عدن.

دعم الفوضى وتقويض الأمن

 

ويرى مراقبون، أن مصالح دول التحالف وعلى رأسها السعودية والإمارات، تتعارض مع تطبيع الأوضاع الأمنية في مدينة عدن وبقية المناطق القابعة تحت سيطرتهما، لأن ذلك التطبيع يعطّل المصالح التي دفعت دول التحالف لشن حربها على اليمني في 26 مارس 2015، سواء فيما يتعلق بالهيمنة على المواقع الاستراتيجية والحيوية اليمنية، من منافذ برية وبحرية وجوية وجزر وسواحل وثروات نفطية ومعدنية، أو فيما يخص سير المعارك في الجبهات المشتعلة مع قوات صنعاء التي حققت مؤخراً تقدمات ميدانية كبيرة في جبهات مأرب والساحل الغربي وداخل العمق السعودي، حيث باتت الميليشيات والعناصر الجنوبية المسلحة، الوقود الرئيسي لمحاولات التحالف وقف أو حتى عرقلة تقدمات قوات صنعاء قدر الامكان، وأيضاً لضمان استمرار بقاء التحالف في القتال بتلك الجبهات.

ومن هذا المنطلق يأتي دعم التحالف لعمليات الاغتيالات في المحافظات المحتلة كحلقة من حلقات العنف والانفلات الأمني الساعية إلى تقوّيض استتباب الأمن والحد من بناء تكتلات سياسية وتشكيلات أمنية وعسكرية في الجنوب قد تتجه في المستقبل للعمل تحت مظلة قوى إقليمية منافسه للسعودية والإمارات وعلى رأسها قطر وتركيا.

 

سمعة الإمارات على المحك

 

مرتزقة من شركة “بلاك ووتر” سيئة السمعة

بشاعة الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت في اليمن طوال سنوات الحرب السبع الماضية، شوهت سمعة الإمارات كثيرًا حيث برز أسمها على لائحة المتهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة في عدن وبقية المحافظات الجنوبية، بدءًا من السجون السرية وأساليب التعذيب الوحشي فيها، وجرائم القتل واختطاف الفتيات وقمع واغتيال المعارضين والناشطين ورجال الدين وحتى البسطاء من أبناء المحافظات الشمالية كالباعة المتجولين، مرورًا بنهب الآثار اليمنية ورعاية الفوضى وصناعة التشطير، ووصولاً إلى التنسيق مع العناصر الإرهابية  “القاعدة وداعش” في اليمن للقتال مع دول التحالف تحت مسميات “الأحزمة والنخب وألوية العمالقة واليمن السعيد وحراس الجمهورية” ومداراتهم بالمال والأسلحة المختلفة بما فيها المدرعات والصواريخ الأمريكية الحديثة، وذلك وفقًا لما كشفته وسائل إعلام دولية على قدر كبير من الثقة، التي أكدت أن الباب ما يزال مفتوحًا على مزيد من العبث الإماراتي الذي يهيمن على المشهد العام في مدينة عدن وبقية المناطق اليمنية المحتلة.

وكشف موقع “بازفيد نيوز”  الأمريكي، في تقرير اقصائي لمراسله “أرام روستون”، نشر في أكتوبر 2018، النقاب عن استعانة أبوظبي بمرتزقة من شركة “بلاك ووتر” سيئة السمعة، والاستعانة بمرتزقة أفارقة للقتال نيابة عن قواتها وإلى جانب ميليشياتها في عدة جبهات، كجبهة “الساحل الغربي”، ومن ثم تعاقدت مع شركة “سبير” الأمريكية والتي يملكها صهيوني لاستئجار مرتزقة من قوات النخبة الخاصة الأمريكية ومرتزقة فرنسيين لتصفية من تعتبرهم أبوظبي خصومًا سياسيين أو أيديولوجيين معارضين لها في اليمن.

الصمت المثير

 

وأعرب كاتب التقرير، عن استغرابه من صمت “حكومة هادي” تجاه الحقائق التي أصبحت جلية بشأن قضية الاغتيالات التي طوال السنوات الماضية، حبيسة الغرف المغلقة، وباعتراف القتلة أنفسهم، ما يُحتّم على تلك الحكومة بما أتيح لها من الأدلة، تشكيل فريق للتحقيق في القضية، واتخاذ موقف حازم ضد الممارسات الإرهابية لدولة الإمارات التي استغلت وجودها في اليمن واستباحت دم أبنائه بلا نكير.

وأضاف التقرير، “بدلاً من ذلك، فضَّل هادي ومسؤولو حكومته، الصمت وتجاهل القضية كأن ما حدث كان في قارة أخرى، في تنصلٍ غير متوقع من مسؤوليتها كسلطة ممثلة لليمنيين عليها اتخاذ موقف من باب واجبها تجاه اليمنيين وأسر الضحايا الذين اغتالتهم الإمارات”.

وأردف التقرير، الأكثر غرابة من ذلك، هو صمت حزب الإصلاح اليمني الذي لم يصدر عنه حتى الآن أي ردة فعل أو موقف يدين ما قامت به الإمارات ومرتزقتها المحليين والدوليين، بحق قياداته وكوادره الذين تعرضوا لحملة تصفية واسعة على مدى السنوات الماضية، الأمر الذي يثير الصدمة من الحالة الهشة التي وصل إليها الحزب الذي يعد أعضاؤه المكون الأكبر لقوات “حكومة هادي” التي تقاتل قوات صنعاء إلى جانب قوات التحالف، جعلته يتقبل الطعنات في الظهر دون أن يحرك ساكنًا.

قد يعجبك ايضا