أكثر من 700 طالب يمني يتيهون في بولندا وبوصلة الوطن معطلة والوقت يقتات أحلامهم
أُنشئت المنظمات الأممية والدولية وصيغ القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولياها وغيرها من القوانين من أجل حماية الإنسان وضمان سلامته وحقوقه كاملة , لكن ماذا عن اليمن واليمنيين .. هل كان لهم نصيب من كل تلك القوانين والاتفاقيات؟
منذ ثورة 21 سبتمبر 2014م وما جرى بعدها من أحداث كاستقالة عبد ربه منصور هادي من منصب رئاسة الجمهورية , وخالد بحاج من منصب رئيس الوزراء تعرضت البلاد لفراغ سياسي أحدث عواقب وخيمة خاصة بعد هروبهم إلى الرياض في واقعة لم يسبق أن حدثت من قبل , وإعلان الرياض من واشنطن عدوانها على الشعب اليمني في 26 مارس 2015 برعاية أمريكية بريطانية ومساعدة الإمارات وغيرها من الدول تحت مسمى “دول التحالف” التي بدأت بشن غاراتها بشكل عنيف وكثيف على المدنيين حتى اليوم , و لم يجد اليمنيون لهذه المنظمات والقوانين الإنسانية أي دور في رفع الظلم والعدوان عنهم.
بل إن منظمة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يرفضون إعطاء اليمنيين حقهم في اختيار من يحكمهم, وتستمر بالاعتراف بحكومة المستقيل هادي ما أضاع حقوق اليمنيين في الخارج كما ضاعت حقوقهم في الداخل , فمؤخرا اجتاحت روسيا أوكرانيا لأسباب تتعلق بأمن روسيا المهدد من قبل دول حلف الناتو , ما أدى إلى موجة نزوح كبيرة للأجانب والعرب ومنهم الطلاب اليمنيون الذين يصل عددهم إلى اكثر من 700 طالب .
فكيف كانت رحلة هؤلاء الطلاب؟ وهل قامت وزارة خارجية حكومة هادي الفارة بدروها المناط بها؟ وإلى أين كانت الوجهة بعد بولندا؟
تقرير/ مها موسى
” لقد كانت الرحلة مرعبه ومقلقه إلى حد كبير، كنا نحاول صعود القطار المؤدي إلى الحدود الغربية من البلاد, وكان هناك أعداد هائلة من الأجانب والمواطنين الأوكرانيين الذين يحاولون صعود القطار، واشتباكات بالأيادي وكثير من الصراخ والطائرات والصواريخ تحلّق فوقنا” .. هكذا وصف الطالب ياسر أحمد عبدالله أحد الطلاب اليمنيين في أوكرانيا حالة النزوح والهرب إلى الحدود البولندية أثناء الاجتياح الروسي لأوكرانيا.
يذكر أحمد أنهم كطلاب كانوا يتابعون التراشقات الإعلامية حول غزو روسيا لأوكرانيا وقد توقعوا حدوث الحرب لكن لم تصلهم أي إنذارات قائلاً ” نعم لقد تنبأ الطلاب بالحرب ولكن لم يكن هناك أي ردة فعل من جامعاتنا بل كانوا يطمئنونا بأنه لن يحصل أي شيء من هذا القبيل، حقيقة لم نكن على استعداد خاصة أننا لم نعرف ما الذي يجب علينا فعله أثناء الحرب “.
وعن دور السفارة اليمنية في بولندا يقول أحمد إن دور السفارة اقتصر على مساعدتهم في عبور الحدود البولندية والسولوفاكية والرومانية فقط.
موضحاً أنهم بحاجة ماسة لمتابعة وضعهم في بولندا ومساعدتهم في إيجاد فرص دراسية لاستكمال تعليمهم لكنهم لم يجدوا أي تعاون من الجهات الحكومية المعنية بهذا الخصوص, وسخر أحمد من الحقوق والحريات التي تتدعيها أوروبا قائلاً ” هذه هي أوروبا بلد الحرية والإنسانية حيث لا مكان لأي شخص ليس بأشقر أو عيونين شقراويتين , فقد كانت المساعدات تأتي إلى الشعب الأوكراني , فكما يبدو أنهم الشعب الوحيد الذي يستحق التعاطف والمساعدة الإنسانية” .
تنصل عن المسؤولية
أما الطالبة ندى عبدالولي فتصف لـ”الثورة” تفاصيل ما حدث معها وحجم الفاجعة التي شعرت بها كأنها كابوس قائلة ” كنت أعيش في مدينة خاركيف , وقد كنت عائدة من مناوبتي الساعة السادسة صباحاً لذا كنت نائمة ولم أنهض إلا على صوت الطائرات واتصالات الأصدقاء بأن الحرب قد بدأت , لم أكن أستوعب ما يحدث , شعرت حينها بالخوف والقلق “.
وعن التحذيرات والمساعدات التي تلقاها الطلاب في أوكرانيا تقول ندى إن السفارة اليمنية في بولندا كانت صامته قبل انفجار الوضع , وبدأت بنصح الجميع بالخروج السريع جميعاً من أوكرانيا بعد بدء الحرب وانفجار الأوضاع هناك .
يبدو أن التأخر في إنذار الطلاب وإخراجهم من أوكرانيا قبل الحرب أدى إلى تعرض العديد من اللاجئين والنازحين للاختناق والإغماء, حيث تكررت مشاهد هروب الطلاب الأجانب والعرب مشياً على الأقدام , ومشاهد أخرى للقطارات وهي مكتظة بالناس وكانت الأولوية للأوكرانيين دون غيرهم .
ولأن اليمنيين ضمن مجموعة من العرب النازحين من الحرب فقد كانوا الفئة الوحيدة تقريباً التي لم تتلق أي مساعدة , حيث أن هناك دولاً عربية تعيش أوضاعاً سيئة وتوترات سياسية لم تتعذر بذلك بل ساعدت رعاياها ونقلتهم إلى أوطانهم عبر طائرات خاصة كليبيا , بالإضافة لمصر والمغرب وغيرها من الدول، عدا الطالب اليمني ما يزال متخبطا ولا يعرف أين وجهته وإلى أين يذهب، فالسفارة في بولندا لم تقدم إلا النصح حيث تقول ندى ” التقينا السفيرة مرفت مجلي وأخبرتنا بأن علينا أن نجد لأنفسنا مكاناً آخر غير بولندا لتتسهل أمورنا قبل فوات الأوان , فالمنح المقدمة هناك لا تتجاوز الــ 100 مقعد جلها للطلاب الأوكرانيين” .
ما أشعر الطلاب بالعجز فالمدة المحددة لترتيب وضعهم ومغادرة بولندا هي 15 يوماً – بحسب قول ندى ” أعطونا مهلة 15 يوماً فقط ! فماذا نفعل في هذا الوقت, التقديم في الجامعات وانتظار الرد يحتاج شهراً على الأقل , لذا فالأمر غير وارد “.
كما وصفت حالتهم بعد الاجتماع مع مجلي بالقهر حيث كتبت تدوينة لها في منصة فيسبوك تقول فيها ” خرجنا نحمل كمية قهر وخذلان لا يمكن أن أصفها لكم , لدرجة أني جلست أبكي على الرصيف أمام الجميع “, مؤكدة أنهم رغم كل ذلك يحاولون أن يجدوا لأنفسهم فرصة دراسية بمجهود شخصي، حيث كتبت ” إلا أننا لم نقف أو نستسلم , فعلا دخلنا وراسلنا جامعات في بولندا , وتم التسجيل في سبع جامعات في حالة إذا فتحوا باب القبول نكون من الأشخاص الذين تم تسجليهم مسبقاً , ودخلنا إلى جامعات رومانيا أيضا وتم التسجيل في اربع جامعات عن طريق النت , وكان إشعار جميع الجامعات في أوروبا “لا يمكن الاستقبال حتى إشعار آخر من أوكرانيا” , لكنا لم نستسلم وكل ما بأيدينا نحاول فيه ” .
اعتياد اليمنيين على أصوات الطائرات
وفي ظل ما يعانيه اليمنيون في الخارج من فقدان وجود جهاز دولة يتكفل بحمايتهم كبقية الجاليات يتذكر الطالب المراد حسن الحرب والعدوان على اليمن واعتيادهم على صوت القصف قائلاً “لم ننصدم بخبر أن الحرب بدأت , لذا عند سماعنا للقصف والطائرات لم نهلع فقد اعتدنا على ذلك عندما كنا في اليمن ”
كما أكد المراد حسن أنهم كطلاب ونازحين مروا بهذه المشكلة وحدهم وأن لا أحد ساعدهم حيث يقول ” لم يقدم لنا أحد المساعدة، كانت مجرد أخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأن السفارة في بولندا تعمل جاهدة على مساعدتنا إلا أن ذلك لم يحدث , فقد مررنا بهذه المشكلة وحدنا وحللنا مشاكلنا بأنفسنا وعبرنا الحدود في رحلة طويلة ليس بالقطار وإنما بسيارتين له ولأصدقائه السبعة بسبب عدم توفر تذاكر للقطار أو الباصات ”
لا يوجد أمان
أما عن أولاد الدكتور عمرو كريم الذين لم يستطيعوا الخروج من القرية التي كانوا محاصرين فيها فيروي الدكتور عمرو ما حدث لأولاده قائلاً “بالنسبة لأولادي كانت الحياة طبيعية إلى ما قبل تاريخ 24 فبراير، حيث كانت الفاجعة حين تحولت قرية “كاماروفكا” الأوكرانية الآمنة إلى جحيم .. دبابات تمر من الخلف تجتاح القرية محاولة الاتجاه لكييف .. قصف بالطيران .. دبابات أوكرانية تحاول صد هجوم الدبابات الروسية … مواجهات ومقاومة , كر وفر ,أصوات انفجارات .. أشلاء في الشوارع .. منطقة مغلقة “.
كما أشار الدكتور عمرو إلى الدور السلبي لوزارة الخارجية التابعة لحكومة هادي وسفارتها في بولندا قائلاً ” أثناء تواصلي بأولادي وزوجتي هناك للاطمئنان عليهم كنت أناشد الجهات المعنية على رأسها السفارة اليمنية في بولندا والتي كان ردها أن عملها يبدأ من بعد الحدود الأوكرانية , وأن عليّ كأب أن أعثر على طريقة لإنقاذ أولادي وإيصالهم إلى الحدود الأوكرانية البولندية كي يحصلوا على مساعدة السفارة هناك “.
كما ناشد والد الأطفال الجهات الدولية المعنية بحقوق الإنسان كمنظمة الصليب الأحمر، وكان ردها أن عملهم يبدأ حين يتم إعلان هدنة .
رغم جميع تلك المناشدات لإنقاذ الأطفال لم يستجب إلا شاب مصري أخذ على عاتقه مسؤولية إنقاد الأطفال ووالدتهم وسافر معهم من غرب أوكرانيا بمسافة تتجاوز الــ500 كيلو متر , منها أكثر من 60 متراً منطقة اشتباكات وقناصة , حيث اعتبر الدكتور عمرو أن ذلك كان تسخيراً من الله له ولعائلته وهم الآن في بولندا كبقية اليمنيين هناك .
المجتمع الدولي .. إلى متى ستظل أخرس؟
في جميع الحروب والنزاعات يدفع المدنيون ضريبة باهظة إما الموت بكل أشكاله , أو انتزاع حقوقهم الإنسانية البديهية في القرن الواحد والعشرين قرن الحقوق والحريات , وضريبة اليمنيين كانت تجاهل المجتمع الدولي والعالم أجمع لمعاناتهم طيلة الثمان سنوات من العدوان الغاشم وفرض حكومة منتهية الصلاحية على هذا البلد وشعبه ما أربك وشل الدولة في كافة الجوانب , ومؤخرا ما تعرض له الطلاب اليمنيون في أوكرانيا دوناً عن غيرهم فظلوا يتيهون في شوارع وارسو باحثين عن حلول بجهود شخصية فالسفارة هناك اكتفت بالنصح!
في حين أن سفارات جميع الدول تحركت لنقل رعاياها وإعادتهم إلى أوطانهم أمنيين سالمين .
فماذا لو كانت حكومة صنعاء تحظى بالشرعية الدولية , ومطار صنعاء مفتوح والمنافذ والموانئ غير محاصرة , لكان الطلاب عادوا إلى الوطن غير خائفين ولا مذعورين , ولكان حالهم كحال غيرهم من الجاليات العربية والأجنبية , إلا أنه لا حياة لمن تنادي , لا حياة ولا ضمير للمجتمع الدولي .
ويبقى السؤال في كل ذلك إلى متى سيستمر العالم في صمته وصم أذنيه؟! أما آن له أن يصدع بكلمة الحق .