مجلس الأمن منصة دولية لتبرير الحرب والحصار على اليمن

– اتفاق استوكهولم:
في عام 2018م – وبعد فشل التحالف وعدم قدرته على تحقيق أهداف عملية “النصر الذهبي“، وهي العملية العسكرية الواسعة التي أعلنها الناطق الرسمي باسم دول التحالف بقيادة السعودية في تاريخ 13 يونيو 2018م، بهدف غزو مدينة الحديدة واحتلالها والسيطرة على موانئها الاستراتيجية(1)، وبعد عدة جولات من النقاش والتفاهمات بين مبعوث الأمم المتحدة والمسؤولين في صنعاء – توجت تلك التفاهمات باستضافة مملكة السويد لجولة مفاوضات جديدة برعاية الأمم المتحدة بين حكومة صنعاء بطرفيها (أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤهما) وبين ممثلين للرئيس المستقيل “هادي”، وحكومته المشكّلة في الرياض مع إصرار الأمم المتحدة ومجلس الأمن على إخراج قيادة دول التحالف من الظهور كطرف في أي مفاوضات استمراراً لسياسة التضليل العالمي لإظهار التحالف داعماً لهادي وليس موجهاً له أو صاحب مصلحة أو محتل للأراضي اليمنية(2).
اُعِلن نجاح مفاوضات السويد بتوقيع الطرفين على “اتفاق استكهولم“، الذي قضى بإيقاف إطلاق النار في مدينة الحديدة وموانئها وإزالة المظاهر المسلحة واضطلاع قوات الأمن المحلية بمسؤولية أمن الحديدة والموانئ واضطلاع الأمم المتحدة بدور قيادي في دعم الإدارة وعمليات التفتيش للمؤسسة العامة لموانئ البحر الأحمر اليمنية في موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، والتزام الطرفين بتسهيل حرية تنقل المدنيين والبضائع من وإلى مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، وإيداع إيرادات موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى في البنك المركزي اليمني من خلال فرعه الموجود في الحديدة للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية في محافظة الحديدة وجميع أنحاء اليمن.
أظهر مجلس الأمن اهتماماً غير مسبوق بتفاهمات واتفاق استوكهولم مقارنة مع تفاهمات مسقط والكويت التي لم تجد دعماً حقيقياً من المجلس للضغط على التحالف ما أدى إلى فشلها. اهتمام المجلس ظهر جلياً في قراره رقم (2451) والذي اتخذه في جلسته رقم (8439) المعقودة في 21 ديسمبر 2018م.
فإعلان المجلس التزامه بعمل المبعوث الخاص للأمين العام، وتأكيده للمرة الأولى: “أن النزاع في اليمن لا يمكن حله إلا من خلال عملية سياسية شاملة للجميع”، مضيفاً في الفقرة رقم (1) من قراره: “ويلاحظ الأهمية الحيوية لإحراز تقدم صوب التوصل إلى اتفاق سياسي لإنهاء النزاع وتخفيف المعاناة الإنسانية للشعب اليمني”، الغريب أن تأكيده هذا لم يترافق مع مطلب بديهي لتهيئة الأجواء الملائمة لتحقيق الاتفاق السياسي وتخفيف معاناة الشعب اليمني بالعمل أولاً على إيقاف العمليات العسكرية ومختلف الممارسات العدوانية التي تقوم بها قوات التحالف في اليمن.
وقد استمر المجلس في تضليله للرأي العام بتغطية جرائم التحالف وتجنب ذكرها تماماً، وإعلانه دعوة الطرفين إلى تنفيذ “اتفاق ستوكهولم”، وإصراره على إيقاف إطلاق النار حصرا في الحديدة كأنها المدينة الوحيدة في اليمن التي تتعرض للقصف، حيث نصت الفقرة (3) من القرار على: “ويصرّ على ضرورة الاحترام الكامل من جانب جميع الأطراف لوقف إطلاق النار المتفق عليه بشأن محافظة الحديدة، الذي دخل حيز النفاذ في 18 كانون الأول/ديسمبر 2018”.
القرار (2451) احتوى على فقرتين هامتين جداً من الناحية الإنسانية والقانونية، أقرهما المجلس وطالب بتنفيذهما، الأول حمل اعترافه أخيراً بسقوط ضحايا جراء ما يطلق عليه “النزاع”، والذي أصبح واقعاً بفضل قراراته السابقة الداعمة لعدوان التحالف بقيادة السعودية على اليمن وقيام قيادة الثورة وحكومة صنعاء وجيشها بواجبها الإنساني والوطني في الدفاع عن شعبها وإقليمها. هذا الاعتراف جاء في الفقرة رقم (9) من القرار الذي نص على: “يعرب عن بالغ أسفه للخسائر في الأرواح والإصابات الناجمة عن النزاع، بما في ذلك تلك التي تسببها الألغام الأرضية، وقتل الأطفال وتشويههم واستخدامهم وتجنيدهم غير المشروع في النزاع المسلح، ويشدد على أهمية عمل جميع أطراف النزاع على كفالة حماية المدنيين والسماح لهم بالتنقل بصورة آمنة”، كما أقر في هذا البند أيضاً حق المدنيين في الحماية والسماح لهم بالتنقل بصورة آمنة وهذا ما استمرت قوات التحالف في مخالفته من خلال اعتقال المواطنين المسافرين ومنع اليمنيين في الخارج من العودة إلى اليمن عبر طرق آمنة(3).
الفقرة الأخرى رقم (8) اعترف المجلس فيها بأن هناك حصاراً قائماً على اليمنيين بإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية بما يمنع تدفق الإمدادات التجارية والإنسانية خاصة الوقود، داعياً الطرفين لإعادة فتحها وتشغيلها، مُلزِماً في قراره إعادة فتح مطار صنعاء وتشغيله لتسيير الرحلات التجارية والإنسانية، ودفع المعاشات التقاعدية ورواتب موظفي الخدمة المدنية.
ومن المعلوم أنه بعد كل هذه السنوات من صدور القرار لم يستطع مجلس الأمن إلزام دول التحالف وهادي وحكومته التي في الرياض بتنفيذ هذه القرارات الإنسانية التي تعتبر حقوقاً ينص عليها القانون الدولي الإنساني ويُجرم من ينتهكها، كما أكد المجلس في الفقرة رقم (10) من قراره دعوته لجميع أطراف النزاع الامتثال له، لكنه في المقابل لم يحاسب قوات التحالف على ما سبق وما وقع بعد صدور القرار من انتهاكات أثبتها فريق الخبراء التابع للمجلس، وسنفصل ونبين ذلك في الفصل التالي(4).
– محور قرارات مجلس الأمن خلال عامي 2019 -2020م (الوصاية على الحديدة):
يتضح أساس اهتمام المجلس المفاجئ بـ “اتفاق ستوكهولم”، من خلال مطالبة الأمين العام – وعلى غير العادة – برفع تقارير أسبوعية لاطلاع المجلس على التطورات في ما يتعلق بـ “بدء رصد ودعم وتيسير التنفيذ الفوري لاتفاق ستوكهولم بما في ذلك طلب تولي الأمم المتحدة رئاسة لجنة تنسيق إعادة الانتشار”، ومطالبة الأمين العام برفع مقترحات “في أقرب وقت ممكن”، خلال مدة أقصاها عشرة أيام “قبل 31 كانون الأول/ديسمبر 2018م بشأن السبل التي ستقدم الأمم المتحدة من خلالها الدعم الكامل لاتفاق ستوكهولم”، والتي أكد أن من أهمها: “القيام بدور رائد في دعم مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية فيما يتعلق بإدارة موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى وبعمليات التفتيش التي تجري فيها؛ وتعزيز وجود الأمم المتحدة في مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، وتقديم تقرير أسبوعي إلى مجلس الأمن”،
لم يكتف مجلس الأمن بالتأكيد على اهتمامه بضرورة إدارة الأمم المتحدة لمدينة الحديدة وموانئها أي وضعها عملياً تحت الوصاية، بل بدأ بالتمهيد لإدخال عناصر وجهات من دول أخرى إلى الحديدة مقدماً دعوة كريمة وعامة لتقاسم هذه الفرصة: “ويدعو الدول الأعضاء التي لديها القدرة على مساعدة الأمم المتحدة في الاضطلاع بهذه المهام إلى تقديم تلك المساعدة”.
يبدو أن إدارة الأمم المتحدة للحديدة فتحت آفاقاً وآمالاً جديدة للمجلس لمزيدٍ من التدخل المباشر في اليمن والسيطرة على موانئه الاستراتيجية المطلة على البحر الأحمر، فقد أكد في الفقرة (7) من قراره (2451): “ويعرب عن اعتزامه النظر في اتخاذ مزيد من التدابير، حسب الاقتضاء، لدعم تنفيذ هذا القرار وسائر قرارات مجلس الأمن الأخرى ذات الصلة والتخفيف من وطأة الحالة الإنسانية ودعم التوصل إلى حل سياسي لإنهاء النزاع”، وفيها رسالة للشعب وقيادات المكونات اليمنية أن أي حل سياسي لإنهاء النزاع لن يلقى دعم المجلس إلا في حالة واحدة أن يسمح لأجهزة الأمم المتحدة بفرض الوصاية وإدارة مقدرات البلد.
هذا الأمر أكدته القرارات اللاحقة لمجلس الأمن خلال عامي 2019 و2020م حيث صدرت خمسة قرارات أحدها روتيني لتمديد ولاية فريق الخبراء أما القرارات الأربعة الباقية فقد تعلقت بالحديدة فقط وتجاهلت حالة الحرب واستمرار عدوان التحالف على بقية المحافظات وحصارها.
القرار الأول رقم (2452) الصادر بتاريخ 16 يناير 2019م كشف فيه المجلس عن بعض التدابير التي تبين نيته الحقيقية في الوصاية والإدارة المباشرة لموانئ الحديدة وذلك عبر قرار إنشاء بعثة سياسية خاصة لفترة أولية ستة أشهر أسماها: “بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة”(5) موضحاً مهمتها الرئيسية: “من أجل دعم تنفيذ الاتفاق المتعلق بمدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى”، وتتمتع بالولاية لـ”قيادة ودعم عمل لجنة تنسيق إعادة الانتشار، بمساعدة أمانة تتألف من موظفين من الأمم المتحدة”، وغيرها من المهام العسكرية والأمنية داخل محافظة الحديدة بجانب “تيسير وتنسيق الدعم المقدم من الأمم المتحدة لمساعدة الطرفين على التنفيذ الكامل لاتفاق الحديدة”، أما الثلاثة القرارات اللاحقة كانت مجرد تمديد للبعثة(6).
حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء كانت على ما يبدو متنبهةً للمؤامرة التي تحاك عليها لإخراج موانئ الحديدة من سيطرتها تماماً وجعلها مدخلاً للوصاية وإدخال قوات دولية بمبرر مساعدة الأمم المتحدة في إدارتها، لذلك تعاملت بذكاء والتزام في تنفيذ اتفاق ستوكهولم من خلال تمسكها بتنفيذ بنود الاتفاق وفق الخطة الزمنية من الطرفين، وتسليم إدارة أمن المحافظة لقوات أمن محلية وطنية تحت إشراف الأمم المتحدة، وإلزام اللجان بتوثيق خروقات قوات الطرف الآخر التابعة للتحالف، لتكون حجة واضحة وقوية على مجلس الأمن والمجتمع الدولي في كشف الطرف المعرقل الذي يريد استغلال الاتفاق لاستكمال احتلال المدينة والسيطرة على موانئها مع استمرار الزحوفات البرية مع تضليل المجتمع الدولي بأن التحالف ملتزم من خلال عدم قصف المدينة بالطيران فقط (7).
أصدر مجلس الأمن خلال العامين 2019-2020م خمسة قرارات هي:
القرار (2534)، 14 تموز/يوليو 2020م، تمديد إلى غاية 15 تموز/يوليو 2021م ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة
القرار (2511)، 25 شباط/فبراير 2020م، بشأن تجديد العقوبات المفروضة على اليمن بموجب قرار مجلس الأمن رقم (2140) 2014م حتى 26 شباط/فبراير 2021م، وتمديد ولاية فريق الخبراء حتى 28 أذار/مارس 2021م.
القرار (2505)، 13 كانون الثاني/يناير 2020، تمديد إلى غاية 15 تموز/يوليو 2020م ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة.
القرار (2481)، 15 تموز/يوليو 2019، تمديد إلى غاية 15 كانون الثاني/يناير 2020م ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة.
القرار (2452)، 16 كانون الثاني/يناير 2019م، قرار مجلس الأمن الذي قرّر فيه إنشاء بعثة سياسية خاصة لدعم اتفاق الحديدة في اليمن.
(1) انطلاق عملية «النصر الذهبي» لتحرير الحديدة من قبضة الحوثيين | الشرق الأوسط (aawsat.com)
(2) S/2018/242 – A – S/2018/242 -Desktop (undocs.org)
(3) المركز اليمني لحقوق الإنسان يدين ما أقدمت عليه ميليشيات تحالف العدوان من خطف وتعذيب ونهب وقتل المواطن الشاب “عبدالملك السنباني” – المركز اليمني لحقوق الإنسان (ycfhr.org)

قد يعجبك ايضا