فاتورة حرب أوكرانيا… من يدفعها؟

فاتورة الحرب في أوكرانيا تضاعفت حتى وصلت إلى الشرق الأوسط، الذي أغلبه لا يدعم الحرب ولا شارك فيها، بل كان الحياد الصبغة السائدة في مواقفه، ولكن هذا الحياد لن يجعله في مأمن من أزمة تهدد الأمن الغذائي بدرجة كبيرة، وليس فقط الاقتصادي؛ فسعر رغيف الخبز والدقيق اشتعل ناراً مع ارتفاع أسعار الوقود، التي تنعكس على وسائل النقل، بما فيها نقل البضائع والسلع، وليس فقط الركاب؛ فروسيا وأوكرانيا من أكبر مصدّري القمح والوقود، خاصة لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
وهذه المخاوف أكدها نائب وزيرة التجارة الأميركية، دون غريفز، الذي قال إن العقوبات المفروضة على روسيا «ستؤثر على العالم بأسره، وقد تنعكس على دول الشرق الأوسط».
رغم محاولات الطمأنة، وإعلان الولايات المتحدة عن مبادرة لحماية الدول «الضعيفة» اقتصادياً، من خلال مبادرة «Build Back Better» (البناء بشكل أفضل)، فإن موجة الغلاء والأضرار الاقتصادية قد بدأت في بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا، إلا أن وابل العقوبات المفروضة على روسيا، التي هدفها دفعها نحو عجز وركود اقتصادي، سوف ينعكس سلباً على الدول المرتبطة بعلاقات اقتصادية معقدة، أو حتى استهلاكية، مثل دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ فتصاعد العقوبات القاسية على روسيا لحربها وحصار أوكرانيا، اللتين تُعتبران من أهم منتجي ومصدري القمح للشرق الأوسط خاصة، وأوروبا عامة، سيجعل مَن لم يشارك في الحرب ولا حتى دَعَمها يدفع فاتورتها، ولو عبر رغيف الخبز، ناهيك بالمنتجات الأخرى المرتبطة بالأزمة، مما تسبب في موجة غلاء توشك أن تضر باقتصاديات الدول الضعيفة اقتصادياً، خاصة التي ليست لها قدرة على مواجهة الأزمة وتوابعها، التي من المؤكد استمرارها حتى ولو وضعت الحرب أوزارها.
العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تسببت في ضرب الزراعة الأوكرانية، ولو بقطع الطرق ومنع تنقّل المنتج من مكان لآخر وفرار الأيدي العاملة بسبب القصف، الأمر الذي تسبب في فساد المحاصيل الزراعية، وبالتالي نقص كبير في الإنتاج، الأمر الذي ينعكس سلباً على الأسعار.
فاتورة الحرب ليست زراعية فقط؛ فالعقوبات ستنتج حالة اقتصادية غير مسبوقة، فالعالم الغربي بفرضه عقوبات قاسية على روسيا سيكون لها أثر عالمي كبير حتى على مَن فرضها، وليس فقط من اعتُبِرت عقوبة له، أي روسيا.
الزراعة المهملة في الشرق الأوسط مفتاح الحل مستقبلاً، للنجاة من أي موجة جوع أو مجاعة، لو اندلعت حرب عالمية ثالثة بشكلها النووي، أما شكلها الاقتصادي؛ فقد بدأت الحرب العالمية الثالثة اقتصادياً وسياسياً، ولا ينقصها سوى الاشتباك العسكري المباشر، وإن كان غير المباشر، عبر الدعم اللوجيستي بالعتاد والتقنية لأوكرانيا، قد بدأ بالفعل.
فاتورة الحرب يبدو أن الجميع سيدفع جزءاً منها، شاء أم أبى، فالحرب التي كرهنا انطلاقها، ولم نشارك فيها ولا دعمنا طرفاً فيها، وجدنا أنفسنا ضحية لنتائجها، بشكل أو بآخر، مما يدفعنا إلى ضرورة الجدية في إيجاد بدائل محلية يمكنها مواجهة كوارث الغلاء والشح التي تتسبب فيها حروب خارج منطقتنا.
ورغم أن الحرب في أوكرانيا لم تتجاوز أسبوعين، فإن موجة الغلاء في الأسعار التي اجتاحت الشرق الأوسط، قد يكون مردها أولاً لجشع التجار؛ فالأزمة وآثارها المفترضة لم تبدأ بعد، ولكن سرعة استباق الشح في المواد بغلاء أسعارها سياسة اقتصادية مؤلمة في العالم عامة، ومنطقة الشرق الأوسط والأدنى خاصة.
قفز أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل، وارتفاع العقود الآجلة للقمح بنسبة 16 في المائة، وتهدد بأن تكون 20 في المائة، ستبقى مؤشرات خطيرة تهدد الأمن الغذائي والحياة في الشرق الأوسط وأفريقيا، مهما حاولت الدول الغنية السبع، بقيادة أميركا، طمأنة العالم بمبادرات لا يمكن الوثوق بنجاحها في حماية الدول «الهشة»، وفق تعبير نائب وزيرة التجارة الأميركية.

*الشرق الأوسط

– المقالات المنقولة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع

قد يعجبك ايضا