غارات وقرارات.. مجلس الأمن شريك في العدوان على اليمن ” الحلقة 15 “

لفقرات اللاحقة في ديباجة القرار (2216) كانت متناقضة بين دعم العدوان تحت عنوان “دعمه لما يبذله مجلس التعاون الخليجي من جهود لمؤازرة عملية الانتقال السياسي في اليمن، وإذ يثني على مشاركته في هذا الصدد،”، وتأكيده شرعية الرئيس المستقيل والفار هادي، وبين: “ضرورة استئناف عملية الانتقال السياسي في اليمن بمشاركة جميع الأطراف اليمنية وفقا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل”، وضرورة العودة إلى تنفيذ مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بما يشمل صياغة دستور جديد، وإصلاح النظام الانتخابي، وإجراء استفتاء على مشروع الدستور، وتنظيم الانتخابات العامة في موعد قريب، لتفادي حدوث المزيد من التدهور في الحالة الإنسانية والأمنية في اليمن.
وتعمد المجلس إغفال “اتفاق السلم والشراكة الوطنية”، الذي أكد على الزاميته مراراً ضمن مرجعيات عملية الانتقال السياسي، متجاهلاً حالة العدوان والحرب وآلاف الغارات الجوية التي تسقط على رؤوس اليمنيين فتقتل وتجرح وتشرد عشرات الآلاف، كأن مجلس الأمن يرى في ذلك مناخاً مناسباً لاستئناف عملية الانتقال السياسي على أشلاء أطفال اليمن، وبالتأكيد لم يفت مجلس الأمن تكرار جملته المعتادة “وإذ يؤكد من جديد التزامه القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية”، مضيفا جملة “والتزامه بالوقوف إلى جانب شعب اليمن”، وهو الوقوف الذي كان بجانب التحالف مشجعاً ومشيداً باعتدائه على الشعب اليمني.
وبالتأكيد أمام الوضع المأساوي الذي سببه مجلس الأمن في اليمن كان لا بد له أن يعلن عن جزعه وإدانته واستياءه لكن ليس بسبب العدوان وسقوط مئات الضحايا من أبناء الشعب، بل بسبب ما وصفه بـ “التصعيد العسكري الذي يقوم به الحوثيون في كثير من أنحاء اليمن”، و “استمرار الإجراءات الانفرادية من قبل الحوثيين، وعدم انصياعهم للطلبات الواردة في القرار (2201) 2015”، والتي قاموا بتنفيذ أغلبها فعلاً لولا تدخل وعدوان الخارج. كما كان هذا الاستياء بسبب: “أي محاولة من جانب الحوثيين لاتخاذ إجراءات تدخل في نطاق السلطة الحصرية للحكومة اليمنية الشرعية”، متناسياً أن الحكومة التي يطلق عليها “الشرعية”، استقال رئيسها وانضم وزراؤها للثورة وللرئاسة الجديدة للدولة “اللجنة الثورية العليا”.
استمر مجلس الأمن في ديباجته في تضليل المجتمع الدولي وحجبه عن الحقيقة قائلاً: “وإذ يعرب عن الجزع من أن تلك الإجراءات التي يتخذها الحوثيون تقوض عملية الانتقال السياسي في اليمن، وتهدد أمن البلد، واستقراره، وسيادته، ووحدته،”، في محاولة جريئة لإلصاق تهمة تهديد “أمن البلد واستقراره وسيادته ووحدته”، بأحد مكوناته الوطنية، ولم يرى مجلس الأمن في قراره هذا أي تهديد لأمن البلد وسيادته فيما يقوم به التحالف من قصف المدن اليمنية بالطائرات والصواريخ على مدار الساعة وتدمير البنية التحتية والمنازل على رؤوس سكانها والبدء في احتلال الأراضي اليمنية!، وقد استدرك المجلس ذلك بإعلانه أن كل مظاهر العدوان التي تمارس في سماء وأرض وبحر اليمن تشكل تهديداً خطيراً متزايداً على “دول الجوار”، أي الدول المعتدية على اليمن! جاء ذلك على الرغم من أنه حتى تاريخ صدور القرار (2216) كانت السلطات اليمنية ملتزمة بعدم الرد تنفيذا لتوجيهات قائد الثورة بإعطاء فرصة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي للتدخل ومنع دول التحالف من استمرار عدوانها الذي يسبب فعلاً تهديداً للمنطقة قد يجرها لصراع إقليمي(1). لكن مجلس الأمن لم يعر لذلك انتباهاً ولم يتلقَ ويستغل الفرصة لإيجاد حلول حقيقية – بحكم واجبه – تُوقِف العدوان وتُعيد لليمن والمنطقة استقرارها، وانما استبق الإعلان المتوقع من السلطات اليمنية قيامها بواجبها بالدفاع عن البلد بعد انتهاء المهلة بإعلان أن اليمن تشكل تهديداً خطيراً على تلك الدول المعتدية، ولذلك يقرر مرة أخرى: “وإذ يعيد تأكيد ما قرره من أن الحالة في اليمن تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين،”، ويبدأ في إعلان قرارات مجحفة بحق اليمن مستغلاً صلاحيته بالتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي أثبتنا سابقاً عدم حجيته.

أ‌- مجلس الأمن يعاقب دعاة السلام في اليمن
بعد ديباجة القرار (2216) ومبرراته وحيثياته البعيدة تماماً عن الحق والحقيقة، وإصراره على مساندة قوى الشر التي قررت العدوان على اليمن وغزوه واحتلال أراضيه، كان من المتوقع أن تكون أحكامه بموجب الفصل السابع بالتأكيد أكثر ظلماً وجوراً وابتعاداً عن العدالة وطلب السلام والأمن.
لكن مجلس الأمن دائماً لديه ما يفاجئنا به، فبالرغم من أن قادة دول العدوان – وعلى رأسها السعودية – أعلنوا بشكل صريح قيامهم بإنشاء تحالف يقوم بتنفيذ عمليات عسكرية عدائية في الأراضي اليمنية، إلا أن مجلس الأمن قرر أن يُدخل أسماء أخرى ضمن قائمة الجزاءات حسب القرار (2140) “تهدد الأمن والسلام في اليمن وتقوض عملية الانتقال السياسي”، لم تكن من بينها أسماء قادة التحالف ولا أسماء قادة مليشيات هادي ولا قادة تنظيم القاعدة!، بل قرر المجلس في الفقرة رقم (3) استكمال اركان جريمته في حق الشعب اليمني بإدراج اسم قائد الثورة السيد/ عبدالملك الحوثي في قائمة الجزاءات، على الرغم من أن السيد الحوثي هو من ألزم السلطات اليمنية والجيش والشعب بالصبر وعدم الرد على عدوان التحالف بقيادة السعودية وتحمل قصف الطائرات أملاً في إعطاء فرصة أخرى للسلام، فما كان جزاؤه أمام مجلس الأمن إلا إدراجه ضمن قائمة العقوبات!، ولتغطية الاستهداف الواضح لرمزية شخصية قيادية يمنية تدعو للسلام ليلاً ونهاراً وفي وسائل الإعلام والفضائيات العالمية، فقد قام المجلس بإدراج اسم آخر هو “أحمد علي عبدالله صالح”، على الرغم من كونه سفير اليمن في الإمارات ـ التي تقود التحالف بجانب السعوديةـ ومقيماً في أبوظبي، ولم يعلن أي موقف وطني ضد العدوان على اليمن، ولكنها محاولة أخرى من مجلس الأمن لتضليل الرأي العام اليمني والعالمي.
بقية الفقرات في قرار المجلس (2216) التي أوردها المجلس بموجب الفصل السابع كانت كسابقاتها غير محايدة، ففي الفقرة (1) حاول استغلال العدوان والضغط العسكري لإلزام طرف “أنصار الله”، والسلطات في صنعاء بالاستسلام تحت مسمى ترك العنف والتنازل عن السلطة – التي تشكلت بعد نجاح الثورة – وتسليم الوزارات وقيادة الجيش للمليشيات التي كونها “هادي”، بعد استقالته وفراره من صنعاء إلى عدن في 21 فبراير 2015م ثم إلى السعودية(2).
كما كرر دعوته في الفقرة (5) للأطراف اليمنية: “باستئناف وتسريع المفاوضات الشاملة لجميع الأطراف التي تجري بواسطة الأمم المتحدة”، مستمراً في تجاهله أن اليمن تحت قصف طائرات التحالف.
كما طالب في الفقرة (6) جميع الأطراف اليمنية بـ “الالتزام بتسوية الخلافات عن طريق الحوار والتشاور، ونبذ القيام بأعمال العنف لتحقيق أهداف سياسية والامتناع عن الأعمال الاستفزازية وجميع الإجراءات الانفرادية بهدف تقويض عملية الانتقال السياسي”، مما يعطي انطباعاً أن اللجنة التي كُلفت بصياغة القرار والأعضاء الذين صوتوا عليه يعانون فعلاً من انفصام الشخصية أو أنهم يتعاملون مع الشعب اليمني والمجتمع الدولي باستغباء ويعتقدون أنهم يروضون شعباً عظيماً ليقبل الاحتلال ومصادرة سيادته مقابل كلمات وجمل متناقضة. فكيف يمكن لعاقل أن يتفهم طلب المجلس لليمنيين نبذ أعمال العنف لتحقيق أهداف سياسية والامتناع عن أعمال استفزازية في ظل دعم مجلس الأمن لتحالف أكثر من 22 دولة يقوم بالعدوان على اليمن لإضفاء الشرعية على رئيس منتهية ولايته ومستقيل هارب يقيم خارج اليمن والسعي لإعادته إلى الحكم في ظل رفض شعبي وثورة منتصرة؟ فمن الذي يقوم بأعمال العنف والقتل والقصف؟ وما هي الأعمال التي قد تكون استفزازية من وجهة نظر المجلس أكثر من قتل الأطفال واحتلال البلد؟!
المفاجأة الأخرى لمجلس الأمن كانت في 15 يونيو 2020 بمكافأة قيادة تحالف العدوان على اليمن واستبعادها من “القائمة السوداء لمرتكبي الجرائم الجسيمة لحقوق الأطفال”، المكافأة الثانية كانت من نصيب الإمارات العربية المتحدة بضمها إلى عضوية مجلس الأمن خلال الفترة 2022-2023م في محاولة لحمايتها من أي اعتراض مطالبة بمحاسبتها على جرائمها في اليمن.
(1) قال السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في بمناسبة اليوم السادس والخمسين للعدوان على اليمن 20-5-2015:” تجلى أنكم أنتم كنظام سعودي من تمثلون الخطر على هذا البلد ، وإلا على مدى أربعين يوما من العدوان حتى الرد لم يرد علىكم أحد في عدوانكم هذا على مدى أربعين يوما..من بعد أربعين يوما بدأت اللجان الشعبية وبعض من الجيش وبعض من القبائل بردود محدودة عسى أن تعتبروا، عسى أن تستيقظوا عسى أن تنتبهوا، عسى أن ترتدعوا من عدوانكم ولكن أيضا يبدوا أنكم لم تستفيقوا حتى الآن”
(2) أصدر هادي عدد من قرارات التعيين وفي مطلعها القرارات التي أصدرها بتاريخ 13 مارس 2015م التي تضمنت قرار رئاسي بتجنيد عشرين ألف شخص من الجنوبيين في الجيش. هادي يصدر قرارات رئاسية جديدة – BBC News عربي

قد يعجبك ايضا