فشل الاستراتيجية الأمريكية في البحر الأحمر في كسر الحصار اليمني على إسرائيل
أمريكا تقود الغرب وتجبره على إتباعها أينما تكمن مصالحها، وكانت تعتقد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي (السابق) أنها أوصلت العالم إلى نهاية التاريخ، وجعلته على صلة بها، وبفضلها إلى تلك النهاية المنشودة في السلام العالمي والتطور والازدهار الحضاري، تلك كانت كذبة الليبرالية الاستعمارية، حيث استشرى نفوذها بشكل أوسع للسيطرة على العالم، وفرض سياسة نظام القطب وعولمته، وتنمر على العالم، باستعلاء وفوقية، وتدخلاته في شؤون البلدان والتحكم بمصيرها.
ولكنها مع ذلك كله لم تستطع في ضبط ايقاع حركة العالم وفقًا لرؤيتها الجديدة بالتوازي مع إنتاج شحنات الصراع الذي أدى إلى خلق عوامل فشل مرحلة عرفت بالعولمة، وخلق بؤر جديدة للصراع بدءًا بتفكيك الاتحاد اليوغسلافي بشكل عنيف على عكس الاتحاد السوفيتي الذي سقط على نحو غير متوقع وفجائي، ثم تلا ذلك استمرار كثير من بؤر التوتر والحروب والعنف والدمار في أكثر من مكان. وشهد العالم أزمات غير مسبوقة في الاقتصاد والمناخ والتلوث البيئي، وانتاج فيروسات كوفيد 19، وانفلونزا الطيور وجنون البقر وذوبان الجليد والاعاصير والفيضانات والزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية، وآخرها التوتر القائم بين القوى العظمى أمريكا وروسيا والصين هذا المثلث الذي يشهد تنافسًا في الذكاء الاصطناعي، والازدهار الاقتصادي وصلته بالعالم.
أمريكا كانت قد اطمئنت إلى وضعها وتفردها في قيادة العالم، وغادرت منطقة الشرق الأوسط لفترة، حيث أن مبررات تواجدها المسبق لم تعد قائمة، فالأمر لم يبق على ماهو عليه، فقد حدثت مستجدات، غيرت الكثير وأتى الربيع العربي وولد حراكًا مستجدًا ومهمًا في المنطقة رغم الخيبات التي آلت إليه الأوضاع بعدم الاستقرار حتى الآن، وتزامن ذلك مع موجات مشابهة في أوروبا، وظهور برامج وخطط للسلام لم تؤتِ أُكلها هي الأخرى كذلك من أوسلو إلى خارطة الطريق وصفقة القرن ومشاريع التطبيع التي لم تحدث تغييرًا حقيقيا في حياة الشعوب، وأوضاع المنطقة التي بزرت فيها صراعات داخلية، تغذيها التدخلات الخارجية بشكل حاد ترتب عليه مزيدًا من العنف والحروب البينية ابتداءً من الصومال والجزائر وانتهاء باليمن وليبيا وسوريا واخيرًا السودان وتمكنت الدول الثلاث من تكريس حضورها في المنطقة بأشكال مختلفة، مع عودة روسيا إلى منطقة الشرق الأوسط، وتدخلها في سوريا وليبيا، وبناء علاقات جديدة مع دول المنطقة، والتقارب الصيني اقتصاديًا وسياسيًا مع دول المنطقة، وتشكيل تحالفات اقتصادية وعسكرية، زادت من وتيرة التصعيد بين القوى العظمى.. وبسبب ذلك تعود أمريكا بقوة إلى المنطقة سواء من خلال تشكيل تحالفات عسكرية، أو من خلال تأييدها المطلق لإسرائيل في حرب الإبادة التي تخوضها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهذه التحالفات كثيرة وآخرها التحالف الدولي المسمى “حارس الازدهار” الخاص بالبحر الأحمر وتداعياته السياسية والاقتصادية والأمنية معًا، وكأنها تقول للمنافسين الدوليين الأقوياء إن أحداث البحر الأحمر “خط أحمر” في وجههم، وكلفها ذلك إجبار العالم على الوقوف معها في حلف لا يستفيد منه غيرها لتشغل العالم عن حقيقة ما يدور في غزة، من ناحية أخرى لا تكترث بالأضرار التي تصيب وتؤثركثيرًا على شعوب المنطقة واقتصاداتها وأمنها واستقرارها.
تأثير التصعيد في البحر الأحمر
انعكس تأثير تصعيد التوتر في البحر الأحمر عقب الهجمات الأمريكية والبريطانية على اليمن، وما تبعها من تحركات عسكرية في المنطقة على حركة الملاحة الدولية، فيما وجهت البحرية الأمريكية السفن بتجنب المرور عبر البحر الأحمر، متسببة بشلل في الممر الذي تبحر فيه قرابة 35 ألف سفينة سنويًا تقريبًا، وهو ما سبق أن حذرت منه حكومة صنعاء، مؤكدة أن عملياتها التي تستهدف فقط السفن الإسرائيلية والمتجهة إلى إسرائيل، واستمرار حركة الملاحة في البحرين العربي والأحمر إلى كافة الوجهات حول العالم عدا موانئ فلسطين المحتلة. وأن التهديد الحقيقي هو ما تقوم به أمريكا بعسكرة البحر الأحمر.
فشل التحالف الدولي
يقول الخبير العسكري الروسي أندريه مارتيانوف في مقابلة أجرتها معه صفحة “قواعد جديدة للجغرافيا السياسية” على منصة إكس “إن البيت الأبيض الأمريكي أساء إدارة عملية “حارس الازدهار” منذ البداية، وفشل في إقناع حلفاء الولايات المتحدة بالانضمام إلى التحالف العسكري في البحر الأحمر،
ووصف إعلان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن التحالف العسكري في البحر الأحمر، بأنه فضيحة كشفت عن المستوى العميق في الخلل الوظيفي داخل البنتاغون. وأشار “أن الولايات المتحدة تتجه نحو كارثة محرجة في البحر الأحمر، محذراً من أن مهاجمتها لليمن قد تؤدي إلى حرب إقليمية”. وفي المقابلة التي رصدها ونشرها موقع “يمن إيكو”، وأوضح الخبير الروسي أن “البحرية الأمريكية غير مستعدة لحرب استنزاف مع اليمن، وقال “مقابل كل طائرة مسيرة بقيمة خمسة آلاف دولار تطلقها صنعاء على حاملات الطائرات الأمريكية في البحر الأحمر يتعين على الأمريكيين إنفاق صاروخ دفاع جوي بقيمة مليوني دولار”، لافتًا أن هذا يمثل أكبر إهانة للولايات المتحدة في العالم”. وأضاف أنه في حال وجّهت صنعاء مجموعات كبيرة من الطائرات المسيّرة: “بالنسبة للولايات المتحدة إذا كان لديها بعض المدمرات، فضلاً عن حاملة الطائرات التي تعرضت لنوع من العبوات الناسفة أو الطائرات بدون طيار، لن يكون لذلك مشاكل فنية فقط، بل ستواجه قضية سياسية في واشنطن”.
وأشار مارتيانوف، إلى أن البحرية الأمريكية غير مستعدة لحرب استنزاف، مستبعداً أن تحدث عملية قصف اليمن فرقاً كبيراً. وأوضح أنه “على الرغم من أن البحرية الأمريكية كانت ذات يوم هي الأقوى في العالم، إلا أنها فشلت في التكيف مع ثورة التكنولوجيا العسكرية في السنوات الأخيرة”. وقال: “الآن، ستواجه البحرية الأمريكية صعوبات جدية في قتالها ضد روسيا أو الصين أو إيران”. وفي رده على سؤال بشأن الضربات الجوية الأمريكية على اليمن، قال مارتيانوف “إن الخيار الآخر الوحيد المتاح لبايدن هو محاولة غزو بري مكلف ودموي ضد اليمن. وضع يخسر فيه الجميع بالنسبة للولايات المتحدة، وقال: “لا يحتاج بايدن إلى توابيت قادمة إلى الولايات المتحدة، مغطاة بالنجوم والأشرطة”. وأضاف: “لقد نقلوا حاملات الطائرات بعيداً عن الشاطئ وبدؤوا، بشكل أساسي، في تنفيذ عمليات القصف، يركضون ويبدؤون في القصف وإطلاق النار على كل ما سيجدونه في شمال اليمن، وفي المحصلة من الواضح أن ذلك سيخلق ضجة أخرى. وقد لا ينجح هذا بشكل جيد، ولكن سيقولون: “كما ترون، لم نفقد أحداً، ثم يعلنون النصر ثم ينسحبون، وهذا ما تفعله الولايات المتحدة عادةً”. وتطرق الخبير الروسي في التحليل بأن الأمريكيين “ربما استنتجوا أن ما لديهم في الأساس من حيث الدفاع الجوي ليس جيداً، كما يتم الإعلان عنه عادة”، لافتاً إلى أنه “لا يمكن للولايات المتحدة أن تكسب حرب الاستنزاف في البحر الأحمر”، موضحاً أنه “قد يكون لدى المدمرات الأمريكية رادار جيد جداً، ولكن إذا أُرسلت تجاههم مجموعة من الطائرات بدون طيار، فسوف تنفد الصواريخ في النهاية”.
وعلى ذات السياق قالت مجلة “جاكوبين”، وهي مجلة اشتراكية أمريكية مقرها في نيويورك “إن الرئيس الأمريكي جو بايدن بدلاً من استخدام نفوذ الولايات المتحدة، لخفض التوتر في الشرق الأوسط والبحر الأحمر والمرتبط بوقف إطلاق النار في غزة، ذهب لشن غارات جوية على اليمن. ونشرت المجلة، في تحليل للباحث برانكو ماركيتيك ترجم أبرز مضمونه “الموقع بوست” يقول برانكو “كان بإمكان بايدن استخدام النفوذ الأمريكي لدعم وقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء هجمات اليمن على السفن التجارية، وبدلاً من ذلك اختار تصعيد حرب غزة من خلال قصف اليمن. وأشار الكاتب إلى ” أن أحد ما نشاهده يتكشف في الشرق الأوسط الآن، وكان من الممكن تجنب كل ذلك، ولا يزال من الممكن تجنبه، حتى الآن”. وأردف “يمكن أن ينتهي التطهير العرقي والقتل الجماعي في غزة، ويمكن أن تتوقف الهجمات اليمنية على السفن في البحر الأحمر، ويمكن منع الحرب الكارثية الأوسع التي تقترب يومًا بعد يوم من اندلاعها في الشرق الأوسط”. ويضيف “كل ما يتطلبه الأمر هو القيام بالشيء الوحيد الذي رفض الرئيس جو بايدن القيام به، في مواجهة المنطق السياسي والفطرة السليمة والضغوط العامة: بدعم وقف دائم لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس، واستخدام القوة الهائلة في النفوذ الذي تمتلكه واشنطن على إسرائيل لحملها على وقف حربها على غزة”. وبحسب تحليل الكاتب الذي يقول فيه:” إن ما حصلنا عليه بدلاً من ذلك هو القصف الأمريكي على اليمن، الدولة التي مزقتها الحرب والتي أمضت واشنطن تسع سنوات في مساعدة التحالف العربي من خلال إمداد وتسهيل الحرب الوحشية التي تشنها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ضدها”.
بايدن ينكث بتعهداته
وتطرقت المجلة إلى تعهد بايدن بعد الترشح للرئاسة والفوز بإنهاء الدعم الأمريكي المخزي للحرب السعودية، وقالت “لم يحنث بايدن بهذا الوعد فحسب، بل قرر على ما يبدو قطع الوسيط وبدء حرب أمريكية مع اليمن مباشرة”. وأوضحت أن قصف بايدن – الذي تم بالتنسيق مع بريطانيا العظمى الموالية، وبدعم لفظي من (بعض) الدول الأخرى التي لم تنضم إلى تحالفه – يهدف ظاهريًا إلى إنهاء الهجمات التي تشنها اليمن على السفن التجارية بالبحر الأحمر أو المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية أو منها”.
تعليق المرور في البحر الأحمر
لقد تسبب التصعيد الأمريكي، في إعاقة الملاحة في البحر الأحمر من خلال تحشيد القوات متعددة الجنسيات، واستهدافه المباشر لضرب اليمن، التي أعلنت وقوفها رسميًا مع الشعب الفلسطيني، في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية وارتكابها مذابح بشعة في التطهير العرقي للشعب الفلسطيني في قطاع غزة. فكانت هجمات الجيش اليمني موجهة في البداية إلى العمق الإسرائيلي باستهداف ميناء “إيلات” المحتل، وتطور الموقف إلى استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، أو تلك المتجهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة، وأعلنت اليمن أن هجماتها لن تتوقف إلا بوقف الحرب على غزة وادخال المساعدات الغذائية والدواء… الخ. وهنا الوكيل الأمريكي نصب نفسه مدافعًا عن أمن ومصالح إسرائيل، بهدف استمرار الحرب وارتكاب مزيد من الجرائم الإنسانية، بل وراح يعمم ويهدد شركات الملاحة لخطر مرورها في البحر الأحمر والبحر العربي، بهدف إحداث شلل عام في الملاحة الدولية، وتأليب العالم ضد اليمن. رغم أن إعلان صنعاء واضح، أن طريق الملاحة مفتوح أمام كافة الشركات العالمية. إلا أن الولايات المتحدة استغلت الحدث لتصعيد الصراع، وهو ما حذا ببعض شركات الشحن الملاحية في العالم بتعليق مرورها في البحر الأحمر، والعبور من خلال طريق رأس الرجاء الصالح.. جاء ذلك بالتزمن مع قيام البيت الأبيض بتنفيذ ضربات على اليمن، تحت شعار حماية التدفق الحر للتجارة الدولية، وهذا التصعيد المعادي هو ما أدى لتعريض حرية الملاحة للخطر. وقد أوردت صحيفة وول ستريت جورنال أن شركة النفط البريطانية الكبرى “شل” أوقفت جميع الشحنات عبر البحر الأحمر إلى أجل غير مسمى. يأتي ذلك، بعد أن أثارت الضربات الأمريكية والبريطانية على اليمن مخاوف من مزيد من التصعيد، وفق ما نقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة على القرار. وبذلك، تنضم شركة “شل” إلى شركات شحن عالمية أخرى، مثل ميرسك، وكوسكو، في اتخاذ قرار بتجنب البحر الأحمر، بما في ذلك شركات الطاقة الأخرى، أبرزها بريتش بتروليوم. وقالت شركة بريتيش بتروليوم الشهر الماضي، إنها أوقفت جميع الشحنات عبر الممر الملاحي الرئيس في البحر الأحمر، وفعلت شركة قطر للطاقة الشيء نفسه. وسادت مخاوف كبيرة لدى شركات الشحن الملاحية من المرور في البحر الأحمر بما في ذلك الشركات التي وجهتها غير الموانئ الإسرائيلية خوفًا من استهدافها من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، فاضطرت هي الأخرى لتغيير مسارها نحو طريق رأس الرجاء الصالح.
لقد دخلت التوترات في البحر الأحمر مرحلة تصعيد لافتة منذ استهداف اليمن، في 9 يناير/ كانون الثاني الجاري، سفينة أمريكية بشكل مباشر وهي تحاول مرافقة سفن شحن لعبورها لإسرائيل رغم تحذيرات اليمن التي لم يستجب لها، فاضطرت اليمن للتعامل مع مثل هذه السفن، بما في ذلك السفينة الحربية الأمريكية بعد أن كانت تستهدف في إطار التضامن مع قطاع غزة سفن شحن تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية أو تنقل بضائع من وإلى إسرائيل.
وأعلن البيت الأبيض، في بيان مشترك لـ10 دول، أنه “ردًا على هجمات اليمن ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، قامت البحرية الأمريكية والبريطانية بتنفيذ هجمات مشتركة على أربع مناطق في اليمن”.
المفارقة لم تغب عن ذهن أحد فبايدن، كان على استعداد للقصف والقتل لحماية حاويات الشحن إلى إسرائيل، لكن لا يهمه ذبح 250 إنسانًا في اليوم، وفقدان أكثر من عشرة أطفال سيقانهم. هذا الديمقراطي الذي يدافع عن حقوق الإنسان، هو من يبرر الحرب ويمنحها صكوك استمرارها، في وقوفه جدارًا حاميًا لإسرائيل ومنحها الغطاء السياسي، في ارتكاب جرائم حرب إنسانية، في رهاب الدولة النازية لإعادة الاحتلال من خلال القتل العمدي والتطهير العرقي والتهجير القسري والحصار، والخراب والدمار الذي جعل غزة منطقة محروقة غير قابلة للعيش، بعد أنهى كل مقومات الحياة فيها، وتعريض المدنيين لاستباحة أرواحهم.
وهنا لابد من الإشارة أن الحضارة الغربية تتمتع بكثير من المزايا والفضائل، لكن الإنسان الغربي لا يحمل في الغالب فضائله خارج بلدانه، ولا يتعامل مع الآخرين وفق الشعارات الإنسانية التي يتشدق بها، لأن بنيانه الفكري يقوم على ثقافة براجماتية، وخلفيتها الفلسفية الإغريقية واللاتينية تزدري من ليس من جنسهم، لا تعتبرهم من بني الإنسان أو تصمهم بالغجرية والبربرية والحيوانية، وتزداد هذه الآفة ظهورًا حينما يتعلق الأمر بالمسلمين، لا سيما العرب والأتراك، لأنهم فتحوا أنحاء واسعة من أوروبا وظلوا يستوطنونها طيلة قرون..!
رد اليمن على الهجمات الأمريكية البريطانية
استخدام القوة ليست حلاً في فرض الهيمنة على الشعوب، هذه لغة قديمة جربها الاستعمار ورحل مهزومًا، بعد أن خلف وراءه مآسي كبيرة من الجرائم، وخراب ودمار الشعوب. استعراض إدارة بايدن للقوة لن توصله إلا إلى الهزائم المتكررة. فمثلاً على مدى ثماني سنوات، عانى الشعب اليمني من عدوان وحصار غاشم، وحملة قصف عشوائية أدت إلى مجاعة واسعة النطاق، وتفشي الأمراض، وقتل ما لا يقل عن 377 ألف شخص. ورغم عشرات الغارات الجوية، على اليمن، والدعم بالاسلحة، والقوات من مختلف الجنسيات، وكذلك الدعم اللوجيستي والاستخباري. إلا أنها لم تحقق أيًا أهدافها في السيطرة على اليمن.
في الواقع، كان رد فعل اليمن قويًا، ويتسم بالتحدي والجرأة، حيث حذر الجيش اليمني من أن الضربات الأمريكية “لن تمر دون رد أو عقاب” وأنه “مستعد للرد والردع”، واحتشد عشرات الآلاف من اليمنيين بغضب في جميع أنحاء البلاد. الشيء الأكيد أن اليمن لن توقف هجماتها عن استهداف السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية، هو رد فعل مضاد من اليمن، وهذا التصعيد الأمريكي، سيؤدي إلى الانفجار لحرب كارثية أخرى تخوضها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وكانت صنعاء قد أوضحت مرارًا وتكرارًا، بأن هجماتها على السفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة إليها، هي رد على “المجازر المروعة المستمرة والإبادة الجماعية والحصار الذي ترتكبه إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة”، وأن هدف صنعاء هو الضغط لوقف إطلاق النار. ومالم تتوقف الحرب والحصار على غزة، فإن الهجمات سوف تستمر. وصرح المتحدث العسكري للجيش اليمني مؤخرًا وقال” نعتبر السفن الأمريكية والبريطانية ضمن أهدافنا العسكرية”.. وبعد هذا التصريح، أوصت إدارة الملاحة في وزارة المواصلات الأمريكية السفن التجارية التي ترفع العلم الأمريكي، أو المملوكة من قبل شركات أمريكية بتجنب العبور في جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب والقسم الغربي من خليج عدن بسبب هجمات اليمن. فالحظر الذي فرضته اليمن على السفن المتوجهة إلى إسرائيل ومنها ما يشمل الآن السفن الامريكية والبريطانية.
حرب إقليمية محتملة
يرى محللون أن التصعيد في منطقة البحر الأحمر، واستمرار إسرائيل في جرائمها في قطاع غزة يمكن أن تتدحرج الأمور إلى حرب إقليمية أوسع نطاقاً، تبدو فيه الولايات المتحدة مصدر تصعيد لهذا التوتر، وقد سبق أن قصف الجيش الأمريكي أهدافاً في العراق وسوريا عدة مرات، في حين تعرضت القواعد الأمريكية في البلدين للهجوم 127 مرة خلال الأشهر الثلاثة الماضية بفضل دعم بايدن لما تفعله إسرائيل”. ويؤكد خبراء أن الحرب الإقليمية احتمالاً أصبحت مثاراً للقلق المتزايد الأكثر احتمالاً، لاسيما وأن المسؤولين الأمريكيين يعكفون الآن على وضع خطط طوارئ لخوض هذه الحرب. وإذا نظرنا إلى القصف الأمريكي على اليمن الذي جاء بعد وقت قصير من قرار الحكومة الإسرائيلية، التي تتصرف بطريقة مارقة على نحو متزايد، تنفيذ غارة بطائرة بدون طيار على مسؤول في حماس في بيروت (ومقتل ستة أشخاص آخرين)، ثم سرعان ما أتبعتها بقصف اليمن. وقتل قيادي في حزب الله في جنوب البلاد. وبحسب ما ورد، اضطرت إدارة بايدن بالفعل إلى إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعدم مهاجمة حزب الله في لبنان”.
وأكدت أن هذه الضربات التي تم تنفيذها وسط مخاوف أمريكية متزايدة بشأن حرب أوسع نطاقًا، وبينما كانت إدارة بايدن تقدم معلومات للصحافيين حول جهودها وراء الكواليس لاحتواء الحرب أثارت الشكوك في أن إسرائيل ربما تحاول في الواقع إثارة حرب أوسع نطاقا وصراع أكبر، وربما يجر الولايات المتحدة إليه، سواء لإعطاء دفعة لمجهود حربي متعثر أو كوسيلة لإنقاذ نتنياهو من أن يصبح زعيماً، أو حتى الذهاب إلى السجن.
ووفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن موقع هافينغتون بوست، فإن العديد من المناورات الحربية الأمريكية أدت إلى “تصعيد” القتال الإسرائيلي اللبناني إلى شيء فظيع، على حد تعبير مسؤول أمريكي، في حين أفادت صحيفة بوليتيكو عن تقديرات أمريكية بوجود خطر متزايد من قيام حزب الله بمهاجمة الأمريكيين في الشرق الأوسط.
وأخيرًا فإن التصعيد في البحر الأحمر والاستمرار في التحشيد. وتهديد أمن واستقرار اليمن، ومهاجمتها، أو التخطيط لاجتياحها بريًا، قد يخرج على نطاق السيطرة، لاشعال حرب إقليمية، ستمتد شرارتها إلى عموم المنطقة. إذ ما يزال بايدن يدفن رأسه في الرمال. هذا ما يعرض أمريكا لفضائح كبرى أمام الشعوب في ظل الدعم اللامحدود لاستمرار جرائم الابادة الإنسانية التي ترتكبها حليفتها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة، هذا يسقط من مكانتها، وهناك محامون دوليون يتحركون لرفع دعاوى ضد أمريكا واعتبارها شريكًا في الجرائم الإنسانية في غزة. امريكا تعيش أزمات كبرى، والرئيس بايدن تتناقص شعبيته، لصالح منافسه الجمهوري ترامب. وعلى الرغم من كل الدلائل التي تشير إلى أن ذلك يعرض بايدن فرص إعادة انتخابه للخطر جراء اخفاقاته، وفشل إدارته في السياسة الخارجية، وهو الأمر الذي جعل الولايات المتحدة أكثر اضطرابًا في تخبط سياستها، وهي تشارف على التهاوي، مع بروز النمور الاقتصادية الصاعدة.
عرب جورنال – توفيق سلام