المفاوضات خطوات وانتظار الآمال
قراءة من كتاب الحرب النفسية وسائلها واساليبها الملتوية لمؤلفه العميد القاضي حسن حسين الرصابي
بعد سنوات من الصدام المسلح والحرب والعدوانية العبثية التي أكلت الأخضر واليابس وقادت المنطقة إلى المجهول وتسببت في انعدام الثقة بين الفرقاء السياسيين وكذا كالبت بين المشكلات الاقتصادية التي ستظل تداهم اليمن وتداهم دول المنطقة ردحاً من الزمن بعد كل هذه السنوات يبدو أن طاولت المفاوضات قد تهيأت لاستقبال الجميع.
فقد وصلوا جميعاً الى قناعة أن الوقت قد حان للالتقاء وان الضرورة توجب الوصول إلى شيء من التوافق وإلى التفاوض ووضع حد لحالات الاحتقانات والاقتتال واللجوء إلى القوة المفرطة في تسوية الأوضاع مما اسهم في ادراك الجميع ان الضرورات الجيوسياسية اقتضت المسارعة إلى صياغة معطيات سياسية تكون مرضية لجميع الفرقاء تضع نهاية وخاتمة لهذه الحرب الملعونة واستعادة توازن المنطقة وارساء السلام والاستقرار فيها كمسوغ أخلاقي وقانوني واطار يجمع ولا يفرق ويتجاوز العثرات والمخاوف .
الرياض اليوم بعد أن عانت من هزات متوالية وقوية في مفاهيم إدارة الصراع والحرب وكذا في تبعات هذه الحرب العبثية هي احوج ما تكون الى السلام والى الهدنة وإلى رد النفس.. وقيادة الرياض تشعر لأول مرة انها انزلقت في مواقف عدائية ضد شعب عصي على الانكسار شعب قادر على صناعة انتصارات ملموسة وتجاوز كل تحديات المرحلة وكان جدير بقيادة الرياض ان لا تندفع كل هذا الاندفاع وان تعيد قراءة حساباتها بصورة مبكرة , لذلك فقد أدرك بن سلمان الأمير الطامح الجامح انه وقع في ورطة كبيرة وان لا مخرج منها إلا بتسوية سياسية تبدأ من الاعتراف بالخطاء وبتحمل مسؤولية شن هذه الحرب العدوانية العبثية وان كان في البداية قد حاول أن يناور ويذهب في موجة من الادعاءات , بل والخطوات والتدابير التي ظن انها هي المخرج وهي الملاذ له من تحمل تبعات هذه الحرب ونتائجها التي أصبحت عبئاً لا يطاق ..
ولكن في لحظة هدوء وفي رغبة أكيدة للانعتاق من هذا المنزلق برفع صوت العقل والمنطق والسير بثقة وجدية نحو منطقة آمنة من التفاوض والتفاهم ويأتي الاعتراف الضمني بان قيادة الرياض هي التي شنت الحرب وهي التي تولت سياسات الاهلاك ولإهدار لكل القيم في اليمن وهي والى جانبها الامارات قد عبثت الى حد لا يحتمل في النسيج الاجتماعي , لذلك لم تجد قيادة الرياض غير مسقط الحصان الذي تراهن عليه , وبالفعل جاء تحرك الاشقاء والقيادة في سلطنة عمان مواكباً للآمال المرجوة من هذا التفاوض وهذا التقارب الذي قد اسهم في حلحلة العديد من العقد والمتاعب وازاحت الركام الكثيف الذي غطى على العديد من المسائل والقضايا الماثلة في اليمن وفي المملكة واستدعى إزاحتها كل جهد وكل عمل بذل حتى بدأت المنطقة تخرج من دائرة المنطقة الرمادية وحالات عدم الثقة إلى مساحة معقولة من التفاهمات والقبول بالآخر أو على الأقل الرغبة في الاستماع إلى القضايا المطروحة على الساحة .
وللأمانة ان مسقط كموطن للتوافقات ولاستيعاب التناقضات وكذا لامتلاكها لدبلوماسية التوافق وإصلاح ذات البين وازاحة تراكمات عدم الثقة لذلك كانت مسقط في المستوى العالي الذي ضمن لها ان تكون مؤثرة بإيجابية نظراً لحيادها وكذا لصدقها ورغبتها الأكيدة في بناء جسور قوية من التفاهمات والتوافقات بين المتصارعين وبين المختلفين وهذه سمة ينبغي ان نعترف بها سواء كان السلطان قابوس بن سعيد الله يرحمه أو من خلفه السلطان طارق بن هيثم آل البوسعيد .. كلاهما في ذات المستوى وذات المقدرة على الدخول بمرونة عجيبة وبإقناع إلى لب القضايا واحداث متغير إيجابي فيها وللأمانة أحدثت مسقط متغيرات مهمة في الملف اليمني السعودي وحركت المياه الراكدة واسهمت في وضع أسس ضرورية لمفاوضات قادمة قد تشهد نجاحاً أو تجد من يترجمها واقعاً لمصلحة شعوب المنطقة وما قدمته ليس هيناً , بل كان نتاج جهد ومثابرة وصبر وإدارة ذكية ومقدرة على بلورة مواقف ومقاربات تراعي مصالح ومواقف الرياض وتراعي مصالح ومواقف صنعاء وهذا نجاح مهم يحسب لمسقط التي ستكون دوماً الواحة التي تتسع للجميع والقادرة على استيعاب مختلف وجهات النظر.. وتبقى الإشارة الى اليمن والى صنعاء بالذات حول رغبتها في السلام وتوجهها نحو آفاق جديدة من السلام المنشود.. وواضح ان اليمن لديها رغبة مؤكدة في السلام وفي الندية وفي الخروج من عنق زجاجة الصراعات والأزمات ومن واقع ان اليمن تذهب في هذا الطريق بثقة كبيرة وبحرص على اجتياز هذه المرحلة المضطربة لاسيما وأن الامريكان لم يخفوا رغبتهم في استدامة الصراع والفوضى والحرب خدمة في اليمن واعلانها المستمر على عدم ايقاف الحرب والعدوان لأجندة صهيونية مكشوفة في جنوب البحر الأحمر وفي هذه المنطقة الحساسة وتحديداً الجغرافيا اليمنية .
ولا يخفى على أي متابع لما شهده الرياض من شد وجذب ومن خوض غمار إعادة الترتيبات السياسية والجيوسياسية في المنطقة وتحديداً في اليمن، ومدى التأثير الخطير الذي يقع على عاتق القيادة السياسية في المملكة التي لأول مرة اصبحت تعاني بوضوح من التناقضات السياسية في إطار البيت الخليجي وخاصة أن ابوظبي أرادت دوماً أن تكون رقماً مهماً في العلاقات الدولية وفي ترتيبات العديد من الأوراق.. واهم هذه الأوراق الرغبة في ترتيب المحافظات الجنوبية لليمن في ما يسمى ترتيب البيت الجنوبي وتهيئته لتقبل النفوذ الإماراتي الطاغي الذي لم يعد يخفي أطماعه في الهيمنة وفي الاستحواذ وفي فرض إرادته وتدخلاته ولن يتأتى له ذلك إلا من خلال سلخ المحافظات الجنوبية في اطار الانفصال وفي انبطاح المليشيات المسلحة في الانتقالي وازاحة نفوذ الرياض ..
فالثروة في المنطقة استدعت ان يكون للجانب المخابراتي الاماراتي ترتيبه، وكذا توازن القوى ظلت قضايا تحظى بعناية خاصة من بيت آل زايد والذين يقدمون أنفسهم بأنهم نقطة التقاء ورموز تأثير للعديد من القضايا الرئيسية التي تشهدها المنطقة.. وبالتحديد قضايا السلام والاستقرار والثروة والاستثمار..
فما يجري في السودان هو صورة لتنازع النفوذ بين الرياض وأبوظبي وما حدث ويحدث في اليمن هو صورة مكثفة للتنافس الحاد بين المحمدين ورغبة كل عاصمة على أن تكون صاحبة الكلمة الأولى .. وهو سمة المرحلة رغم ان الدبلوماسية العمانية قادرة على اجتياز اية صعوبات وعلى اختزال المسافة بين المتفاوضين في اليمن.
والى اليوم استعصى على الرياض إدارة الصراع وإدارة المصالح بين الفرقاء في الجنوب اليمني وخاصة ان الانتقالي امتاز بالعناد وبمطالب تتعدى المعقول في هذا الملف نظراً لما يطرحونه من جموح يسعى الى فرض واقع فصل وانفصال وهذا لا يتوافق اليوم مع رغبة الكثير من أهل المنطقة والاقليم
ومؤخرا بعد استراحة محارب بدأت عجلة التفاوض تتحرك بفعل دعم سلطنة عمان ورغبتها في تحريك المياه الآسنة للخروج من دوامة المراوحة الذي أصبح سمة بأرزة تلقاه في سياسات كل القوى السياسية والاجتماعية في الجنوب
وهنا ينشأ سؤال ما الجديد في هذا المشهد التفاوضي .. وما الذي سوف تقدمه مسقط في هذه المفاوضات وهل لمست لدى قيادة الرياض رغبة اكيدة في السلام وفي وضع حد للفوضى القائمة والمراوحة وانتظار مالم يأت
(( روزنامة )) في روز نافة العمانيين ثمة امل وثمة رغبة صادقة لتحريك المفاوضات وازاحة الأعباء التي تراكمت مؤخراً جراء تباين الآراء واختلاف المقاصد.. لاسيما وأن الأطراف كلها لا ترى ضرورة لانتشال مساعي السلام من وهداتها ومن عثراتها وذلك من منطلق ان أي تباطؤ في هذا المنهج وأي أعاقة لهذا الخط والتوجه معناه المزيد من الانزلاق في مواقف شديدة الاحتقان أو يصعب على أي قوى ان تعيد لم الشمل وإعادة الفرقاء والاعداء إلى طاولة المفاوضات مما يعني ارتفاع باهظ لفاتورة السلام.