أمريكا تواصل تحركاتها العدوانية في اليمن
تواصلُ الولاياتُ المتحدة الأمريكية تحَرُّكاتِها العدوانيةَ على كُـلّ المستوياتِ؛ لسَدِّ أُفُقِ السلام الفعلي في اليمن، والدفع نحو مواصلة العدوان والحصار ومحاولة استثمار المِلف اليمني؛ لتحقيق أطماعها الخَاصَّة في المنطقة على حساب مصلحة الشعب اليمني، في الوقت الذي تتزايد فيه مؤشرات ودلائل خضوع النظام السعوديّ للرغبات والتوجّـهات الأمريكية؛ الأمر الذي يضعُ جهودَ السلام أمام عوائقَ يصعُبُ تجاوُزُها.
في جديد التحَرُّكات الأمريكية على المستوى الدبلوماسي، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، الجمعة، أن البيت الأبيض أرسل مستشارَه للأمن القومي، جيك سوليفان، الخميس، إلى السعوديّة؛ لمناقشة عدة مِلفاتٍ؛ أبرزُها مِلف اليمن، مع ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان.
وزعم سوليفان أن هناك “تقدُّمًا كبيرًا تم إحرازه فيما يتعلق بالبناء على فوائد الهدنة” بحسب تعبيره، وهي مغالطةٌ واضحة بالنظر إلى إعلان صنعاء عن توقف المحادثات مع دول العدوان؛ بسَببِ تعنت الأخيرة إزاء استحقاق صرف المرتبات من إيرادات النفط والغاز.
زيارة سوليفان وحديثه عن المِلف اليمني، تمثل -بحسب مراقبين- مؤشرًا سلبيًّا جديدًا على استمرار الاندفاع الأمريكي نحو عرقلة مسار السلام الفعلي المرتبط بمطالب الشعب اليمني؛ إذ يبدو بوضوحٍ من خلال مزاعم المستشار الأمريكي أن الولاياتِ المتحدةَ تصرُّ على مواصلة تضليل الرأي العام حول حقيقة موقفها من السلام وحول طبيعة الحلول الحقيقية، وتحاول واشنطن أن تقدم حالة اللا حرب واللا سلم كإنجاز يجب المحافظة عليها، وكما تسعى لتحويلِ استحقاقات الشعب اليمني إلى أوراق مساومة لإطالة أمد هذه الحالة.
هذا أَيْـضاً ما أكّـدته وسائل إعلام أمريكية، من بينها صحيفة “نيويورك تايمز” قالت: “إن سوليفان حمل في زيارته الجديدة إلى السعوديّة صفقاتٍ تتضمن استثمار مِلف اليمن؛ لدفعِ النظام السعوديّ نحو إبرام اتّفاق تطبيع علني مع العدوّ الصهيوني”؛ إذ أوضحت الصحيفة أن الولايات المتحدة تعرض على الرياض فتح المجال لشراء أسلحة متطورة من بينها أنظمة دفاعية، إلى جانب عروض أُخرى، مقابل إبرام اتّفاق التطبيع.
ونقلت وكالة رويترز عن الرئيس الأمريكي جو بايدن، الجمعة، أن هناك مؤشراتٍ على تجاوب السعوديّة مع العرض الأمريكي، حَيثُ قال إن “هناك تقارُبًا ربما يكون جاريًا”.
وتجدد هذه التفاصيل التأكيدَ على التزام السعوديّة بالتوجّـهات الأمريكية بشأن ملف اليمن؛ وهو الأمرُ الذي أثبتته بوضوح كُـلُّ تفاصيل مرحلة التهدئة، حَيثُ وقف النظامُ السعوديّ عدة مرات أمام ضرورة تنفيذ مطالب الشعب اليمني؛ مِن أجل تحقيق تقدم نحو السلام، لكنه في كُـلّ مرة كان يختارُ الخضوعَ للرغبات الأمريكية التي تدفعُه نحو رفض تنفيذ تلك المطالب.
وكان الرئيسُ المشاط قد أكّـد ذلك مؤخّراً عندَما أعلن أن النظام السعوديّ أصرَّ خلال المفاوضات على مواصلة نهب إيرادات الثروة الوطنية وإيداعها في البنك الأهلي السعوديّ، وتحويل المرتبات إلى مكرمة سعوديّة للموظفين اليمنيين؛ وهو موقف يترجم بوضوح إصرارَ السعوديّة على البقاء ضمن هامش التحَرّكات المراوغة الذي سمحت به الولايات المتحدة.
يشار إلى أن زياراتِ المسؤولين الأمريكيين إلى المملكة، وعلى رأسهم مستشار البيت الأبيض للأمن القومي، جيك سوليفان، كانت دائماً تنعكس سلبيًّا على جهود السلام؛ إذ تبدي السعوديّة كُـلّ مرة المزيدَ من التعنت إزاء مطالب الشعب اليمني، بالتزامن مع تصاعد التحَرّكات الأمريكية.
وبالتزامن مع زيارة سوليفان إلى السعوديّة، واصل السفير الأمريكي لدى حكومة المرتزِقة، ستيفن فاجن، تحَرّكاته الرامية لإعاقة جهود السلام والتصدي لمطالب الشعب اليمني وتضليل الرأي العام حول الموقف الأمريكي، حَيثُ أعلن قبل أَيَّـام عن إطلاق “إعلان اليمن للعدالة والمصالحة” بمشاركة عدد من المنظمات، حَيثُ يتضمن هذا الإعلان عدة “مطالبَ”: منها “إرشاد الأطراف اليمنية في مباحثاتها للتوصل إلى تسوية” ورفض أية تسوية تتجاهل تلك “الإرشادات”.
ويبدو بوضوح من خلال تفاصيل هذا الإعلان أن الولايات المتحدة والرعاة الدوليين للعدوان (الذين شاركوا أَيْـضاً في إطلاق الإعلان) يسعَون إلى استخدام عنوان “المجتمع المدني” كواجهة لفرض شروطهم وإملاءاتهم على طاولة التفاوض، وتقديم تلك الشروط كمطالب “حقوقية”؛ وهو نفس الأمر الذي تحاول الولايات المتحدة فعله خلف واجهة “المجتمع الدولي” والأمم المتحدة، حَيثُ لا تنفك بيانات مجلس الأمن وإحاطات الممثلين الأمميين عن تبني المواقف الأمريكية والبريطانية العدائية وشرعنتها؛ مِن أجل ابتزاز صنعاء ومحاولة الضغط عليها.
زيارة سوليفان إلى المملكة وتحَرّكات السفير فاجن المتواصلة، تترافق أَيْـضاً مع تصاعد الخطوات العدائية على الأرض، والتي كان من آخرها الإعلان عن إرسال قوات أمريكية إضافية إلى المنطقة؛ وهو ما اعتبره عضوُ المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، محاولةً من جانب واشنطن لطمأنة السعوديّة؛ مِن أجل دفعها نحو تنفيذ الرغبات الأمريكية في المنطقة، بما في ذلك ما يتعلق بالملف اليمني.
وقد تزامن الإعلان عن قرار إرسال القوات الأمريكية الإضافية مع وصول طائرة عسكرية حملت السفير الأمريكي فاجن مع وفد مرافق إلى محافظة عدن المحتلّة؛ الأمر الذي اعتبره مراقبون دلالةً على مساعي تعزيز وجود القوات الأمريكية في المحافظات المحتلّة وفي المياه الإقليمية اليمنية.
وبالإجمال، فَــإنَّ مختلفَ تفاصيل التحَرّكات الأمريكية في المنطقة وفي اليمن تُشيرُ بوضوح إلى رغبة متصاعدة في قطع الطريق أمام أية جهود سلام، سواء في الحاضر أَو في المستقبل، حَيثُ تؤكّـد طبيعة التحَرّكات الأمريكية أن واشنطن تسعى لإخضاع كافة أوراق الملف اليمني لأهدافها الخَاصَّة، خلف واجهات متعددة؛ مِن أجل إزاحة أية مطالب عادلة أَو استحقاقات مشروعة، واستبدالها بصفقات وإملاءات تخدم المطامع الأمريكية على حساب مصلحة الشعب اليمني، وفي ظل استجابة دول العدوان لهذه التحَرّكات، فَــإنَّ احتمالاتِ نجاح جهود السلام تبدو ضئيلةً في مقابل احتمالات انفجار الوضع مجدّدًا.