ينظر العديد من المراقبين، بنفس الطريقة التي تبنوها في الحرب الباردة، في يومنا هذا إلى التكتلات على أنها تحالفات ثابتة وشاملة. ومع ذلك، ولأسباب واضحة أصبحت التحالفات أصغر وأكثر مرونة ومتوجهة نحو قضايا خاصة، مقارنة بالكتل التي جرى وصفها على ألسنة المراقبين في النصف الثاني من القرن العشرين.
السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف سيغير هذا العصر الجديد خيارات وفرص البلدان حول العالم؟ بالنسبة للولايات المتحدة، فإن نمو التحالفات يجلب حقبة جديدة من عدم الثقة. لطالما استفادت واشنطن من سلسلة من التحالفات والترتيبات المتعددة الأطراف التي تتمحور عموما حول الولايات المتحدة. ولكن بما أن أمريكا أصبحت دولة لم تعد تتمتع بمكانة كانت تحظى بها سابقا، فلا يمكنها بسهولة إملاء شروطها على العالم. على هذا يجب أن تستثمر الدبلوماسية الأمريكية أكثر في خلق أرضية مشتركة وبناء توافق في الآراء مع الحلفاء والشركاء.
يمكن للتحالفات الودية من الدول ذات التفكير المماثل أن تعزز العديد من الأهداف الأمريكية، لكنها ستقلل أيضا من سيطرة الولايات المتحدة. نتيجة لذلك، من المرجح أن ينظر العديد من صانعي السياسات والسياسيين الأمريكيين إلى الهيكل القائم على الائتلاف بنوع من الريبة.
في الواقع، رفض بعض الخبراء الأمريكيين حتى الآن هذا التطور، وبدلا من ذلك كانوا يأملون في ظهور تحالف واحد كبير لتحقيق التوازن في الصين. لكن هذا كان طريق الماضي، وليس واقع المستقبل أو حتى الحاضر.
بالنسبة لقوى مثل الصين وروسيا، التي ليس لديها شبكات ائتلافية كبيرة من ذي قبل، فإن التحول إلى الائتلافات يفتح فرصا جديدة للوصول إلى الشركاء. تقوم الصين وروسيا وجهات فاعلة أخرى ببناء مجموعاتها الصغيرة مثل منظمة شنغهاي للتعاون. ومع ذلك، فإن نجاحهم يعتمد على ما إذا كان بإمكانهم تحديد أهداف مشتركة، خاصة فيما يتعلق بتوفير السلع العامة.
هذا الأمر يجعل من الصعب العمل مع بعض الشركاء الأكثر قدرة، لأنه قد لا يتماشى مع المقاربات الأمريكية أو الأوروبية. في الواقع، في حين أن التحالفات الأمريكية الحالية لن تختفي بين عشية وضحاها، فقد ظهر أن ما تقوم به بكين أو موسكو قد يسرع من إنشاء تحالفات جديدة ويجعل من الصعب إنشاء التكتلات أو الانقسام فيها.
بالنسبة لقوى مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا ودول أخرى متحالفة حاليا مع الولايات المتحدة، فإن ظهور التحالفات سيوفر لهم المزيد من الخيارات. ويمكن لحلفاء الولايات المتحدة الحفاظ على تأييد مواقفها في المجالات التي تناسبهم، ولكن سيكون لديهم مساحة أكبر لمتابعة سياسات مستقلة أو تكميلية في مجالات أخرى.
ونتيجة لذلك، إذا تدهورت العلاقات مع الولايات المتحدة، سيكون لدى حلفاء الولايات المتحدة الحاليين المزيد من خيارات الخروج، حيث يمكنهم تقليل الاعتماد على واشنطن تماما من خلال السعي إلى مزيد من تحقيق الاستقلال أو الاندماج بشكل أوثق مع لاعبين دوليين آخرين. على سبيل المثال، من المرجح أن تتعاون اليابان مع أستراليا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والدول الأخرى، بطريقة لا تقوض بشكل مباشر تحالفها مع الولايات المتحدة، ولكنها ستزداد في مواجهة احتمال تدهور العلاقات الأمريكية اليابانية في ظل الظروف المستقبلية الأمريكية.
من ناحية أخرى، بالنسبة للقوى التي من الواضح أنها لا تتماشى مع أمريكا اليوم، فإن ظهور التحالفات يحمل في طياته العديد من المزايا. وتشمل هذه القوى على الهند وإندونيسيا والبرازيل والمملكة العربية السعودية ونيجيريا وجنوب إفريقيا، إلخ. ومع نمو هذه البلدان يصبح العالم متعدد الأقطاب أكثر وضوحا، وقد تظهر من تلقاء نفسها كدول ذات مكانة في النظام الدولي.
سوف تتركز الشبكات الإقليمية حول العديد من هذه البلدان، وستنظر إليها القوى الأخرى بشكل متزايد على أنها جهات فاعلة مهمة. إذا كان هناك عدد قليل من هذه الجهات الفاعلة، فيمكنهم التفكير في تحالفات رسمية مع القوى الكبرى الأخرى. بدلا من ذلك، يوفر إنشاء تكتلات مرنة فرصا لكسب دعم وتعاون القوى الأخرى دون الحاجة إلى التضحية بقدر كبير من الاستقلالية.
ومع ذلك، هناك سلسلة من البلدان التي قد تجد هذا العالم الجديد القائم على التحالف أكثر صعوبة: البلدان الأصغر، بما في ذلك في جنوب شرق آسيا، التي تواجه عقبات أمام الانضمام إلى التكتلات الجديدة. أصبحت بعض الدول، مثل كوريا الجنوبية، تعتمد بشكل كبير على حليف واحد، على سبيل المثال، الولايات المتحدة؛ لدرجة أن إقامة تحالفات مع دول ثالثة لا تتم بشكل طبيعي.
وهناك بلدان أخرى، بما في ذلك أعضاء رابطة أمم جنوب شرق آسيا، تعد جزءا من المنظمات المتعددة الأطراف القائمة التي تحد من قدرتها على التنظيم في هياكل أصغر وأكثر مرونة. ولا تزال بلدان أخرى، مثل سويسرا، تعتمد على سياسات عدم الانحياز الصارمة لأسباب إستراتيجية أو سياسية أو تاريخية، وبالتالي يمكنها أن تكافح من أجل اغتنام الفرص التي تتيحها تحالفات أكثر مرونة.
المصدر: موقع بازار
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع