بعد وقف برنامج الغذاء وتقليص خدمات الأونروا.. الجوع يطارد سكان قطاع غزة
Share
لا صوت هنا يعلو فوق صوت المعاناة الإنسانية، وجوه شاحبة وأيادٍ لا تجد ما تعمل فيه، فقر مدقع ينخر عظام جميع السكان… إنه قطاع غزة، حيث يعيش الفلسطينيون وسط الحصار، يقتاتون من المساعدات ويكملون حياتهم نومًا، هربًا من الجوع.
ووسط هذه الأوضاع المأساوية، جاءت توجهات المنظمات الدولية بتقليص المساعدات الغذائية التي تقدمها لسكان قطاع غزة، لتفرض معادلة جديدة من المعاناة، وتهديدًا أكبر للأمن الغذائي، قد يطال مئات الآلاف من المواطنين واللاجئين الذين يعيشون هناك.
وأعلن برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، وقف مساعداته الغذائية المقدمة لأكثر من 200 ألف فلسطيني في القطاع، بدءا من شهر يونيو/ حزيران الجاري، بسبب الأزمة المالية، فيما أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن انهيار كامل وشيك، وذلك بعد تقليصها بشكل تدريجي لخدماتها الغذائية والصحية والتعليمية المقدمة هناك.
وأعرب مواطنون فلسطينيون يقيمون في قطاع غزة لـ “سبوتنيك”، عن خوفهم من “الجوع” بسبب وقف المساعدات، فيما حذر خبراء من أوضاع كارثية تطال الجميع، وأرقام غير مسبوقة للفقر والبطالة، مطالبين بتدخل دولي عاجل لإنقاذ الوضع وتأمين الحد الأدنى من الأمن الغذائي لمواطني القطاع.
المواطنون والكارثة الإنسانية
“لا نعرف ماذا نفعل ولمن نلجأ؟”… هكذا علق حسام حبوش، مواطن فلسطيني من قطاع غزة، وأحد المستفيدين من مساعدات برنامج الغذاء العالمي، حيث أكد أن وقف هذه المساعدات كارثة لأسر سكان قطاع غزة، لا سيما العاطلون منهم عن العمل.
وقال حبوش إن “هذه المساعدات تسد رمق عائلته التي تتكون من 4 أولاد، ثلاثة منهم في التعليم الجامعي، لعدة أيام في الشهر”، مضيفًا: “لا تكفي لمدة أسبوعين لكنها تنفع… نعيش باقي الشهر في أزمة غذاء”.
ويرى المواطن الغزاوي المتعطل عن العمل بسبب إصابته بعدة جلطات في القدم، أن تأثير قرار وقف هذه المساعدات سيضر مئات الآلاف من الأسر الفقيرة في قطاع غزة، ومضى قائلًا: “لا أعرف ماذا أفعل منذ أن علمت بالخبر وأنا أفكر في مصير عائلتي”.
أما محمد رجب، مواطن من قطاع غزة، والعاطل عن العمل، يعول 9 أفراد، يرى أن هذه المساعدات وإن كانت صغيرة لكنها كانت تسد بعض جوانب الحياة الصعبة، والمتعلقة بالغذاء.
وأكد أن وقف هذه المساعدات لأسرته وباقي الأسر المستفيدة منها كارثة، حيث يعتبرونها من أساسيات العيش في قطاع غزة، لا سيما في ظل انعدام فرص العمل والوظائف، واشتداد الحصار الإسرائيلي على القطاع”.
ومضى بالقول: “نرسم حياتنا ومعيشتنا على هذه المساعدات، وقفها بهذه الطريقة كارثة، الوضع صعب والآن تزداد معاناتنا ومعاناة الأسر كافة التي تستفيد من الدعم الغذائي”.
وناشد رجب برنامج الغذاء العالمي، والمجتمع الدولي والأمم المتحدة بالتراجع عن قرار وقف هذه المساعدات، وبالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني المحاصر، والذي يعاني من الجوع والفقر وسط انعدام الوظائف وفرص العمل.
“كنا ننتظر زيادة أعداد المستفيدين من البرنامج لا وقف المساعدات المقدمة”، بهذه الكلمات وصف محمد عايش الوحيدي، فلسطيني من قطاع غزة، حجم الكارثة التي يعيش فيها أهالي القطاع بعد قرار وقف المساعدات الغذائية التي يستفيد منها أكثر من 200 ألف مواطن.
وبحسب حديثه يقدم البرنامج إغاثات شهرية تصرف لكل أسرة، تسهم في سد رمق الكثير من العائلات، ويلبي الحد الأدنى لمتطلباتهم المنزلية من مواد تموينية وغذائية، بيد أن هذه الخطوة تضع مئات الآلاف في خطر الجوع وتهدد السلم الأمني في المجتمع الفلسطيني.
وأوضح أن قرار وقف المساعدات يفاقم من مشاكل القطاع ويزيد من أزماتهم الحياتية، كما يزيد من نسب الفقر والبطالة، لا سيما وسط الحصار الخانق المفروض والأوضاع المأساوية التي يعيشها السكان هناك.
الأونروا وتقليص المساعدات
من جانبه، يرى محمد محمود الخطيب، لاجئ فلسطيني من مخيم دير البلح في قطاع غزة، إن تقليص وكالة الأونروا لخدماتها، من بينها السلة الغذائية التي يقتات منها اللاجئين في مخيمات اللجوء، هو تنصل من الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي أنشئت من أجلها، وهي غوث وحماية وتشغيل اللاجئين.
وأضاف أن قطاع غزة يعاني من حصار دامي يزيد عن 15 عامًا، ويعيش المواطنون في ضيق شديد، وفي ظروف غير آدمية، وسط توقف فرص العمل المؤقتة المقدمة من وكالة الأونروا، وتوقف الدعم المالي والمشاريع العمرانية التي ينتظرها اللاجئون.
“هذا البيت الذي أعيش فيه لا يصلح للسكن الآدمي”، هكذا يصف الخطيب منزله المهترئ داخل المخيم، مؤكدًا أنه تقدم أكثر من مرة لوكالة الأونروا من أجل تحسين ظروف معيشته وسكنه، حيث أنه جامعي ورب لأسرة ولا يملك أي فرصة عمل دون استجابة.
وطالب جميع المسؤولين بتحمل مسؤولياتهم لتوفير مصادر تمويل للوكالة لدفعها للاستمرار في تقديم المساعدات المالية والغذائية، التي يقتات منها الفلسطينيون في قطاع غزة.
بدوره، أكد محمد الأشقر، أحد سكان مخيم النصيرات قطاع غزة، أن هناك تناميًا لتقليص الخدمات التي تقدمها وكالة الأونروا للاجئين، حيث يعيش اللاجئ لأكثر من 7 عقود في أوضاع إنسانية ومالية وغذائية صعبة.
وأكد أن عدم وفاء الدول المانحة بتعهداتها المالية لدعم وكالة الأونروا يشعرهم بالقلق تجاه مصدر رئيسي يعينهم على مواجهة صعوبة ومتطلبات الحياة، حيث يتضرر أكثر من 200 ألف لاجئ دفعة واحدة من قرار وقف مساعدات برنامج الغذاء العالمي، وكذلك آلاف اللاجئين من قرارات التقليص في الأونروا.
وشدد على ضرورة تدخل الدول المانحة والوفاء بتعهداتها تجاه وكالة غوث من أجل الإبقاء على خدماتها الأساسية تجاه اللاجئين الفلسطينيين.
سياسة مرفوضة
اعتبر سامي العمصي، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في قطاع غزة، أن إيقاف المساعدات الغذائية سواء المقدمة من وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين أو برنامج الأمم المتحدة للغذاء، يفاقم أوضاع سكان قطاع غزة، الذين يعيشون تحت حصار مفروض منذ 16 عامًا.
وبحسب حديثه هذه الخطوة تفاقم الأوضاع الإنسانية سوءًا، وتشكل ضغطًا على الشعب الفلسطيني داخل قطاع غزة، مؤكدًا أن هذه السياسة مرفوضة.
وتابع: “كنا ننتظر في ظل هذه الأوضاع الصعبة أن تزيد هذه المؤسسات الدولية من مساعداتها لسكان القطاع وتعمل على التخفيف عنهم، لا أن توقف مساعداتها بهذا الشكل، وأن تتعمد زيادة الأوضاع صعوبة”، مطالبًا الجميع بتحمل مسؤولياته والتخفيف عن المواطنين الفلسطينيين.
تهديد الأمن الغذائي
“كارثة جديدة تضاف لسكان قطاع غزة البالغ عددهم 2 مليون و300 ألف”… هكذا وصف الدكتور زاهر البنا، عضو اللجنة المشتركة للاجئين الفلسطينيين في القطاع، قرار وقف المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي لنحو 275 ألف فلسطيني.
وبحسب حديثه يساعد بنك الغذاء العالمي الفلسطينيين الفقراء من غير اللاجئين، عبر قسائم شرائية لأكثر من 300 متجر داخل قطاع غزة، بيد أنه قرر وقفها عن 200 ألف مستفيد بداية من شهر يونيو الجاري، فيما تتوقف المساعدات عن الأعداد المتبقية نهاية شهر أغسطس/ آب.
ويؤكد البنا، أن العائلات الفلسطينية في القطاع أمام أزمة حقيقية وخطر انعدام الأمن الغذائي هناك، ناهيك عن إسهام البنك في دعم الاقتصاد الفلسطيني داخل غزة بـ 3 ملايين دولار شهريًا، من خلال التحويل الإلكتروني المالي لهذه القسائم الشرائية.
ويرى عضو لجنة اللاجئين، أن هذه الخطوة تأتي بعد فشل منظمة الغذاء العالمي في السيطرة على الأمر، رغم كل إجراءات التقشف التي اتخذتها، وهو ما ينذر بمزيد من معدلات الفقر والبطالة والجوع داخل القطاع المنهك اقتصاديًا، والمحاصر منذ العام 2007.
وأوضح أن سكان القطاع والذي يرزح 81% منهم تحت خط الفقر (دراسة لوكالة الأونروا)، بحاجة ماسة إلى هذه القسائم الشرائية التي تساعدهم في توفير قوتهم وغذائهم طوال الشهر، مؤكدًا أن القطاع برمته أمام كارثة حقيقية، لا سيما مع حجم البطالة المرتفع.
تمويل مسيس
بدوره، حذر الدكتور صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد”، من انعكاس أزمة تراجع المساعدات والتمويل على الشعب الفلسطيني، خاصة مع توقف خدمات برنامج الغذاء العالمي عن 200 ألف فرد داخل القطاع.
ويرى أن وقف المساعدات والتمويل، سواء لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين أو لبرنامج الأمم المتحدة الإنساني، يهدد قطاع غزة، والذي يعاني فيه أكثر من 74% من انعدام الأمن الغذائي، ويعتمدون على المساعدات الغذائية بشكل أساسي، لا سيما وأن وكالة الأونروا تقدم مساعداتها لأكثر من مليون و100 ألف فلسطيني هناك.
وشدد على ضرورة وقف تسييس التمويل، وضمان استدامة مساعدات منظمات الأمم المتحدة، سواء المتعلقة ببرنامج الغذاء أو وكالة الأونروا الشاهد الحي على نكبة الشعب الفلسطيني، حيث أكد أن هذه الأزمات ستبقى مكانها ما لم تستطع فلسطين إدارة حملة دبلوماسية لضمان استدامة تمويل هذه الوكالات، أسوة بالوكالات المتخصصة، إلى جوار أحقيتها في جمع تبرعات بما يسهم في استقرار مالي لها، يضمن قيامها ببرامج عملياتها المختلفة، ومنع خضوعها لمخاطر التمويل المسيّس.
وبحسب عبد العاطي، من الضروري القيام بهذه الخطوات من أجل ضمان عدم تعميق أزمات الفلسطينيين، لا سيما في القطاع خاصة، مع الأسر الأكثر فقرًا واحتياجًا منهم.
كارثة حقوقية وإنسانية
من ناحيتها، ترى رنا هديب، محامية وباحثة قانونية في مجال حقوق الإنسان في قطاع غزة، إن تعليق برنامج الغذاء العالمي المساعدات الإنسانية عن 200 ألف فلسطيني في القطاع والضفة بسبب نقص الميزانية، كارثة حقيقية تطال 60% من المستفيدين في البرنامج، ناهيك عن إمكانية توقف الأنشطة المالية والغذائية المتعلقة بالبرنامج نهائيًا في شهر أغسطس المقبل، حال استمر العجز.
وبحسب حديثها تتزامن هذه التحركات مع تنامي مؤشرات البطالة والفقر في القطاع وانعدام الأمن الغذائي، وعدم انتظام صرف شيكات الشؤون الاجتماعية، إضافة إلى توقف صرف المنحة القطرية، حيث يعيش أكثر من نصف القطاع تحت خط الفقر، وما يزيد عن 45% من السكان عاطلون عن العمل وغالبيتهم من الشباب، ولا يتخطى أجر العامل الـ 20 شيكل يوميًا.
وترى هديب أن توقف مساعدات برنامج الغذاء يهدد مجمل حالة حقوق الإنسان في القطاع، لا سيما مع الأزمة المالية التي تتعرض لها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، ما ينذر بمزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية، وزيادة معدلات الفقر والبطالة، ولا يتوقف ذلك على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل في مخيمات الشتات، والذي يعاني سكانها في الأساس من تراجع حاد وغير مسبوق للأوضاع الإنسانية.
وينظم أهالي وأطفال قطاع غزة بشكل مستمر وقفات احتجاجية أمام مقر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي “UNDP” في مدينة غزة، رفضا لتقليص مساعدات برنامج الغذاء العالمي ومساعدات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا).
وبحسب إحصائيات رسمية وحقوقية، يعاني ما يزيد عن 53% من سكان قطاع غزة من الفقر، في حين يقع 64.4% منهم تحت خط انعدام الأمن الغذائي، فيما بلغت نسبة البطالة 45%، وأكثر من 80% يعتمدون على المساعدات الإنسانية الدولية.