لا تقف تداعيات ظاهرة التغير المناخي السلبية عند حدود، حيث تطال مختلف أوجه الحياة على سطح كوكبنا، محدثة أضرارا فادحة بالتوازن البيئي الطبيعي ومنذرة بتفشي أوبئة وأمراض جراء اختلال ذلك التوازن.
وفي أحدث المؤشرات الخطيرة في هذا السياق، تم الإعلان عن تسجيل حالات إصابة بمرض النزف الوبائي، الذي قد يكون قاتلا للماشية، لأول مرة في أوروبا، مع وصول حشرات من نوع البراغيش المسؤولة عن نقله، وسببه التغير المناخي وفق وكالة “أنسيس” الصحية الفرنسية.
وقد تم رصد الحالات الأولى بأوروبا لهذا المرض الفيروسي، غير القابل للانتقال للبشر، في خريف عام 2022 بجزيرة سردينيا الإيطالية، ثم في جزيرة صقلية، ومن ثم ظهرت بؤر وبائية أخرى جنوبي إسبانيا.
العلماء يحذرون
ويحذر العلماء والخبراء الأوروبيون من أن المرض الذي كان قبل سنوات لا يمكن حتى تخيل وصوله لأوروبا، قد بات واقعا بسبب تغير المناخ، الذي يسمح للبراغيش الناقلة للعدوى بالبقاء على قيد الحياة في البيئة الأوروبية الآن.
المرض الفتاك يؤدي لإصابة المواشي بالحمى وفقدان للشهية وحالات عرج وضيق في التنفس ويكون قاتلا أحيانا.
ويحذر خبراء بيئيون من أن استيطان هذه البراغيش في مناطق واسعة حول العالم، قد يقود مستقبلا لنشر هذا الوباء بين البشر وليس فقط المواشي عبر أنواع حشرات مشابهة أو متحورة منها.
العلاقة بين المرض وتغير المناخ
يقول الأكاديمي والخبير البيئي أيمن هيثم قدوري، في لقاء مع موقع سكاي نيوز عربية:
الآثار المترتبة على التغيرات المناخية لا تقتصر على اضطراب ظواهر الطبيعة وتخلخل أنماطها المعهودة، كارتفاع درجات الحرارة والجفاف وانحسار المياه العذبة وذوبان الجليد، قلة الساقط المطري في منطقة معينة وغزارته في مناطق أخرى.
كل ظاهرة مناخية سلبية مضطربة تقود لتبعات ربما تكون أخطر من الظاهرة المسببة لها، وهو ما نلاحظه في أوروبا وتحديدا بالوسط والجنوب الأوروبي في كل من إيطاليا، فرنسا وإسبانيا، حيث تعد هذه الدول الأكثر تضررا جراء تسارع عملية التغير المناخي، وهذا ما شهده العالم الصيف الماضي من ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة لم تدونه السجلات منذ بداية تدوين البيانات المناخية، وانتشار الحرائق والجفاف الذي ضرب أنهار هذه الدول وبحيراتها.
وهو ما يقود لتداعيات كارثية كانتشار حشرات البراغيش في دليل واضح على أن البيئة النهرية بايطاليا التي سجلت لأول مرة هذا النوع من الحشرات، وتلتها فرنسا قد تعرضت لانهيار في النظام الايكولوجي ودخول انواع غير مستوطنة من الحشرات تعرف بالأنواع المجتاحة أو الغازية للبيئة.
ما هي البراغيش؟
الذباب الصغير أو كما يعرف بالبراغيش، حشرات اكتُشفت لأول مرة في أميركا عام 1955، وهي شائعة الانتشار منذ ذلك الحين كذلك في أميركا الوسطى والجنوبية وأجزاء أخرى من العالم، حيث ينتشر نتيجة تحول البيئة النهرية لبيئة ضحلة ذات مياه بطيئة الجريان تحتوي على أطيان غنية بالمادة العضوية (بقايا نباتات وحيوانات ميتة وفضلات الحيوانات)، وهذا ما آلت إليه بيئة نهر بو في ايطاليا ونهر لوار في فرنسا عام 2022.
المناطق المهددة
المناطق المتوقع أن تجتاحها هذه الحشرات من ضمنها جنوب إسبانيا والبرتغال والجنوب الألماني، فضلا عن استمرار استيطانها في ايطاليا وفرنسا، وقد يتعدى الأمر مسألة اصابة المواشي وتحديدا الأبقار لتطال الاصابات البشر، ما أن تعتاش هذه الحشرة وتكيف نفسها مع البيئة الغازية لها، خصوصا وأنه قد تم تسجيل حالات سابقة لاصابات بشرية في بعض مناطق الأميركيتين بمرض حمى أوروبوش بعد التعرض للقرصات من أنواع تطورت من حشرات البراغيش القارصة (ذباب الرمل).
ضريبة تلويث البيئة
ولهذا كله فالعالم يدفع مع الأسف ضريبة عدم وقف مسلسل الانتحار الذي يمارسه عبر الايفال في تدمير الطبيعة وتلويث البيئة، وهو ما يرتد سلبا على شكل تطرف مناخي تطال مفاعيله المدمرة كل شيء.