طريق التنمية.. جدوى اقتصادية مضمونة أم ذر للرماد في العيون؟
Share
مخاوف جمة تشوب إنشاء طريق التنمية ليس أولها شبهات الفساد والأخطاء الاستراتيجية التي تتخلل العمل به بل هناك تخوف من عدم استخدام هذا الطريق تجاريا من قبل الدول المجاورة وبالتالي أرباحه غير مضمونة .
طريق التنمية والقناة الجافة
تفتح “العالم الجديد” في هذا التقرير، ملف خط التنمية، ليكون مكملا لتقاريرها السابقة حول ملف القناة الجافة، حيث تناولت كافة جوانبها الإيجابية والسلبية وآلية تعاطي الحكومة معها ومواقف دول الجوار منها، لاسيما من المفترض أن تحول العراق لنقطة ربط تجارية دولية.
ويقول مسؤول متخصص، إن “خط التنمية، وهو خط سكك حديد، يفتقر للجدوى الاقتصادية، فهو مجرد فكرة غير مدروسة جيدا، وبدأ بموجب الأمر الوزاري 3834 بالعدد 39227 في آب 2021، وعلى إثره وجهت وزارة النقل دعوى مباشرة لشركة بي اي جي الإيطالية، استثناء من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية، لغرض أن تتولى الشركة دراسة العرض الفني والتجاري من قبل اللجنة المشكلة وفقا لهذا الأمر الديواني أيضا”.
ويضيف المسؤول، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن “الحديث يجري عن أن هذا الخط سيكتمل بحلول 2035، وحسب الإعلان فسوف تمر من خلاله 16 بالمئة من التجارة العالمية، وخاصة نقل البضائع بين آسيا وأوروبا”.
ويشرح أن “اللجنة توجهت بعد ذلك، لمفاتحة الأمانة العامة لمجلس الوزراء، لاستحصال الموافقة على إحالة المشروع للشركة الإيطالية، لغرض تصميم خط سكك الحديد، وقد تمت الإحالة بتكلفة 76 مليون دولار”.
مبينا أن “الخط المقترح يكون من 1200 كيلومتر ينطلق من البصرة باتجاه بغداد ومن ثم الموصل وصولا إلى تركيا، وبمدة إنجاز 3 سنوات، عبر تقسيمه إلى 10 قطاعات توزع على 10 شركات عالمية متخصصة، بواقع 120 كيلومترا لكل شركة”.
طريق التنمية حل العراق
وكان مدير عام الشركة العامة لسكك الحديد يونس خالد، أكد في 15 من الشهر الحالي، أن مشروع طريق التنمية يمثل حلم العراق وهو مكمل لمشروع ميناء الفاو الكبير، وسيكون المشروع الأكبر على مستوى العراق، ويمر الخط السككي بعشر محافظات عراقية، كما أنه سيتحول إلى ممر من العراق إلى الأسواق الأوروبية، وحجم الإيرادات من طريق التنمية ستلامس الـ 5 مليارات دولار سنوياً.
كما أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، يوم أمس الأربعاء، خلال مقال له: بدأنا العمل على مشروع طريق التنمية الاستراتيجي لربط ميناء الفاو مع الحدود التركية ومنها إلى أوروبا.
ويوضح المسؤول، أن “الكلفة الأولية للمشروع هي 12 مليار دولار، وكمتخصصين نعرف أن هذا الرقم قليل، وما سيجري هو صفقة فساد كبيرة، حيث سيتم التوجه لتقديم مقترحات وملاحق أخرى بعد بدء المشروع لغرض رفع كلفته، والكلفة الحقيقية له هي 18 مليار دولار، حيث أن كل كيلومتر واحد من السكك الحديد، وهذا سعر عالمي متعارف عليه يكلف 15 مليون دولار”.
ويكشف أن “الخلل بهذا المشروع، هو وجود شبكة سكك حديد في العراق، وهناك خط بدأ العمل به عام 2007 يربط الموصل بالبصرة ويمر بـ10 مدن، فما الغرض من إنشاء خط جديد من الصفر وبتكلفة كاملة، وإهمال الخط السابق، الذي بلغت نسبه إنجازه للنصف تقريبا”.
وبين أن “الخط الموجود هو دبل لاين، خط للمسافرين وبجانبه خط لنقل البضائع، فهذا يشبه بناء منزل والوصول للسقف وتركه والشروع ببناء منزل آخر في منطقة مهجورة، فهذا خير مثال على ما يجري”.
هدر المال العام
ويسرد أن “الخط الحالي صرفت عليه ملايين الدولارات، وهناك شركات عالمية تعمل فيه، بالتالي إهماله والتوجه لخط التنمية يعد هدرا للمال العالم”.
وأكد أن “الخط الحالي لو أكتمل وبدأ العمل به، فسيعمل بنفس الطاقة الاستيعابية لخط التنمية ولن يختلف أي شيء”.
ويشير المسؤول إلى أن “الخط الحالي يمر بمدن البصرة، الناصرية، السماوة، الديوانية، الحلة، بغداد، تكريت، بيجي، الموصل، ربيعة، وخط التنمية كذلك، لكنهم يروجون إلى أنه إنجاز جديد في حين هو موجود على الواقع أساسا”.
وبين أن “الخط الحالي مساحته الكلية 2500 كيلومتر، لكونه دبل لاين (خطين)، فلماذا يتم التفريط به وبناء آخر جديد بهذه الطريقة الفوضوية”.
ويتابع أن “خط التنمية من المفترض أن يكون موازيا للخط القديم، ومن المفترض أن تكون سرعة القطار فيه 300 كيلومتر بالساعة بالنسبة للمسافرين و160 كيلومتر بالساعة لنقل البضائع.
حمولات كبيرة
كما أنه من المفترض أن ينقل 3.5 مليون حاوية حجم 20 قدم، بالإضافة إلى بضائع أخرى تصل تقريبا إلى 22 مليون طن و15 ملوين مسافر سنويا، وهذا كله غير واقعي وغير منطقي ومناف للعقل، فحسب هذه المعادلة يجب أن يسير قطار كل 4 دقائق، ونحن نتحدث عن قطارات وليس مترو (قطار انفاق سريع)”.
ويستطرد أن “التخمينات الحكومية، تقول إن الإيرادات ستكون 5 مليارات دولار سنويا، وهذا ما تم إبلاغ به رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، لكن كل هذه الأرقام خيالية، فقناة السويس التي تنقل نصف بضائع العالم ربما تصل لهذه الأرقام بصعوبة”.
ويكمل المسؤول حديثه: “علميا ومنطقيا، فأن القطار الذي يسير بسرعة 300 كيلومتر هو كهربائي ولا يعمل بالديزل، وهذا يحتاج إلى محطات توليد طاقة كهربائية في كل المحافظات، فهل يعرف السوادني بهذا الأمر؟”،
وبين أنه “وقبل الشروع بهذه الخطوة، هل توجه العراق إلى تركيا، لكونها نقطة ربطه مع أوروبا وبحث معها الأمر، والجواب هنا كلا، والحقيقة أن تركيا احتجت ورفضت هذا الأمر.
وأكدت أن لا تستطيع استقبال قطارات تسير بهذه السرعة الفائقة وشبكتها مصممة للسير بسرعة 160 كيلومترا بالساعة”.
وكان محافظ نينوى نجم الجبوري، أعلن في 20 أيلول سبتمبر 2020، أن الملاكات الهندسية والفنية المختصة، وبالتعاون مع شركات إعمار هندسية تركية، ستبدأ بمد خط حديث للسكة الحديد يربط بين مدينة الموصل وتركيا، مؤكدا أن المشروع هو الأول من نوعه في مدينة الموصل.
وفي تموز يوليو 2019، أعلن وزير النقل السابق، عبد الله لعيبي، عزم بغداد ربط البلاد بسكك حديد مع تركيا، مبيناً أن “كل عملية ربط بين دول تخضع لمعيارين، الأول هو الجدوى الاقتصادية، والثاني الاعتبارات السياسية”.
وكانت إدارة الشركة العامة لسكك حديد العراق، أعلنت في العام 2021، عن إجرائها لقاء مع وفد شركة (يابي مركزي) التركية لمناقشة الربط الى تركيا عبر القناة الجافة إضافة الى إمكانياتها برفع كفاءة الخطوط الفرعية والرئيسية بتأهيلها ضمن المواصفات العالمية لزيادة وتأمين انسيابية سير قطارات المسافرين والبضائع.
ربط إقليمي
إلى ذلك، يبين الباحث المتخصص بالنقل والاقتصاد الدولي زياد الهاشمي، أن “خط التنمية (سكك الحديد)، هو خط للربط الإقليمي بين تركيا ودول الخليج، وهناك ضرورة له، لكون خط السكك الحالي بحاجة لتوسعة حتى ينقل كميات كبيرة من البضاعة، لذا لا يوجد إشكال مبدئيا من التوجه لإنشاء خط جديد، لكن هناك إشكالات أخرى أكبر”.
ويوضح الهاشمي، أن “هذا الخط يجب أن تسبقه مراحل عدة، أهمها التوجه للأسواق العالمية التي ستستخدم هذا الخط، وما هي الكميات المطلوب نقلها عبره، ومعرفة عدد الحاويات وحجم الشركات، وعلى ضوء هذا يتم تأسيس المرحلة الأولى للخط وطاقته الاستيعابية”.
مبينا أن “من الخطأ الشروع بالبناء ومن ثم التحرك للحصول على زبائن، وهنا لن يحقق البلد الأرباح المناسبة والمطلوبة”.
ويؤكد أن “العمل الجاري حاليا هو بالعكس، فالتوجه هو لإنشاء الخط دون معرفة الزبائن المحتملين، ففي أوروبا يتم التوجه لدراسة السوق وحاجته ومن ثم يبدأ العمل بالمشروع، لكن ما يجري في العراق هو خطأ استراتيجي كبير”.
ويلفت إلى أن “الترويج هو أن الخط سيكون لربط العراق بالحركة التجارية بين آسيا وأوروبا، وهذه رؤية حالمة وتتقاطع مع متطلبات منظومة النقل الدولية،
وتابع أن هذه المنظومة الرابطة بين آسيا وأوروبا تعتمد بشكل رئيس على البحر، فهو أرخص كلفة من النقل البري، فالخطوط الملاحية تخرج من آسيا وتمر على بحر العرب ومن ثم البحر الأحمر وقناة السويس باتجاه أوروبا .
ويضيف: “ولا يمكن الدخول للخليج العربي، فهو منطقة مغلقة ولا يمكن أن يستوعب السفن العملاقة التي تسمى الأم، وقضية نقل البضائع برا من السفن إلى أوروبا، ستزيد التكاليف”.
خطأ في التقديرات
ويؤكد الباحث، أن “مخطط العراق لربط آسيا وأوروبا، أو الحديث عن كون ميناء الفاو هذا هدفه، فهو ليس بمحله، على الأقل أن يحول الربط السككي مع تركيا إلى خط نقل إقليمي ويستفاد من عبور البضائع كأجرة ترانزيت بين تركيا والخليج، أما الرهان على النقطة الأولى الدولية، فسيخسر فيها العراق”.
وسيكون ميناء الفاو نقطة الربط بين شرق آسيا وبين أوروبا، وسيحول العراق إلى ممر للبضائع، تبدأ من ميناء الفاو وتمر بريا عبر خطوط حديثة إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، ما يختصر الفترة الزمنية لنقل البضائع إلى ساعات، بدلا من 20 يوما تقريبا عبر قناة السويس، وهي الممر الحالي الرابط بين شرق آسيا وأوروبا.
وما يزال العمل جاريا في “ميناء الفاو الكبير”، من قبل الشركة الكورية “دايو”، بعد أن حصلت على العقد، عقب لغط كبير بسبب منافستها من قبل شركة أخرى صينية بين منحها العقد أو للشركة الصينية المنافسة في العام 2020.