سؤال “مخيف”.. ماذا لو تبخر الأمن المائي بدول المحيطين الهندي والهادئ؟

– كشف تحليل أمريكي عن المصاعب والتحديات التي تؤرق دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ بشأن أمنها المائي.

ألقى تحليل لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي الضوء على الاستراتيجية المحدثة التي أصدرتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن منطقة المحيطين الهندي والهادئ في فبراير/شباط 2022. وتؤكد هذه الاستراتيجية التزام الولايات المتحدة بتعزيز السلام والازدهار في المنطقة التي تمتد من المحيط الهندي إلى جزر المحيط الهادئ، وهي موطن لما يقرب من نصف سكان العالم وحوالي ثلثي اقتصاده ومن ثم فيتوقع أن تدفع النمو الاقتصادي في العقود القادمة.

وتعاني تلك المنطقة من أنظمة المياه والصرف الصحي غير الفعالة والمخاطر المناخية المتزايدة المرتبطة بالمياه التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها. وعلى الرغم من التطورات العديدة التي تم إحرازها مؤخرًا في قطاع المياه في المنطقة، إلا أنه ما يزال هناك ما يقرب من 500 مليون شخص يفتقرون إلى إمدادات المياه الأساسية في آسيا والمحيط الهادئ بينما يفتقر 1.14 مليار شخص إلى مرافق الصرف الصحي الأساسية.

ويرجع ذلك إلى انخفاض معدلات معالجة مياه الصرف الصحي واستخدام أنظمة الصرف الصحي غير الفعالة مما يعيق إحراز المزيد من التقدم. ففي فيتنام، على سبيل المثال، أدى التنظيم السيئ لمياه الصرف الصحي إلى عدم معالجة ما يقرب من 90٪ من مياه الصرف الصحي في المناطق الحضرية في البلاد. ويؤدي جريان مياه الصرف السطحي الناتج إلى تلويث المياه الجوفية المحلية، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض ويقلل من إمدادات المياه الصالحة للشرب.

ويزداد الضغط على الوصول إلى مياه الشرب النظيفة عبر المحيطين الهندي والهادئ بسبب زيادة الطلب من تزايد عدد السكان وتنامي القطاع الزراعي لإطعامها. ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على المياه في آسيا وحدها بنسبة 55 في المائة بحلول عام 2030، حيث يذهب 70٪ من استهلاك المياه العذبة في القارة إلى الإنتاج الزراعي.

ويؤدي تغير المناخ أيضًا إلى تفاقم أزمة الوصول إلى المياه، إذ تصيب حالات الجفاف والفيضانات والعواصف الاستوائية منطقة المحيطين الهندي والهادئ وتؤثر على الزراعة والبنية التحتية المحلية وتسبب ارتفاع مستوى سطح البحر في حدوث أزمة وجودية للعديد من دول جزر المحيط الهادئ.

وتقوم المؤسسات الإقليمية والحكومات المحلية والمانحون الدوليون بإشراك الجهات الفاعلة عبر منطقة المحيطين الهندي والهادئ لتطوير أنظمة أكثر مرونة للمياه والمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية.

وتعد الولايات المتحدة شريك طويل الأمد في المنطقة ، حيث تساهم بأقل من 2.1 مليار دولار في مدفوعات المساعدات الخارجية في 2021 كما ساهمت الولايات المتحدة بأكثر من 3.5 مليار دولار في شكل منح مساعدة بين عامي 2009 و2020.

 وقامت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بتمويل تحالف “روابط المياه” والذي ركز على تحسين الوصول إلى خدمات المياه من خلال تطوير الشراكات بين القطاعين العام والخاص، مما أدى إلى تحسنًا في الوصول إلى مياه الشرب إلي 482 ألف شخص. وتمكن نحو 28 ألف شخص من الوصول إلى مرافق الصرف الصحي المحسنة في جميع أنحاء تايلاند وإندونيسيا والفلبين في السنوات الأخيرة.

 وتعمل الولايات المتحدة على تعزيز اعتماد الطاقة النظيفة عبر إطلاق العديد من المبادرات التي لها هدف استراتيجي لإزالة الكربون، بما في ذلك من خلال دعم اكتشاف انبعاثات الميثان من مرافق معالجة مياه الصرف الصحي.

في الوقت نفسه، تشارك الحكومة الأسترالية والوكالة اليابانية للتعاون الدولي وبنك التنمية الآسيوي ورابطة دول جنوب شرق آسيا جميعًا بنشاط في مجموعة متنوعة من مشاريع وسياسات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في البلدان المجاورة.

وتركزت معظم البرامج في المنطقة حول تحسين خدمات إمدادات المياه والبنية التحتية للصرف الصحي حيث استفاد من مشاريع بنك التنمية الآسيوي 20.4 مليون شخص في عام 2021. وتم تقديم 13.7 مليار دولار لتمويل هذه المشاريع من عام 2011 إلى عام 2021. وتخطط مبادرة الوكالة اليابانية لتوسيع خدمات المياه في أكثر من 40 مدينة بحلول عام 2030.

ويعمل الشركاء الأوروبيون مثل ألمانيا والمملكة المتحدة وهولندا على تعزيز الأمن المائي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وقاموا بتقديم تمويلات عبر برامج مختلفة.

التحديات

وعلى الرغم من العمل المكثف الذي يتم القيام به لمعالجة الأمن المائي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلا أنه لا يزال هناك العديد من التحديات مثل سوء إدارة أنظمة وبرامج المياه.

وتعد أبرز الأسباب أيضا، أن أزمات المياه عادةً ما تتجاوز حدود الدول في العديد من البلدان في منطقة المحيطين الهندي والهادئ حيث غالبا ما تشترك البلدان في الأنهار وطبقات المياه الجوفية. على سبيل المثال، تشير الدراسات إلى أن ضعف التعاون بين البلدان التي تشترك في حوض نهر الجانج – براهمابوترا – ميجنا يكلفها 14 مليار دولار سنويًا وبالتالي يعد تطوير الحلول المتعلقة بضخ المياه الجوفية غير المنظم يتطلب تعاونًا فعالًا بين الدول.

ودون إطار مشترك أو نهج إقليمي تعاوني، ستستمر برامج المياه في إهدار الموارد الدولية وستكون غير مستدامة. وهناك حاجة هائلة للتركيز على دمج الشركاء المحليين في الاستراتيجيات الإقليمية الأوسع، بما في ذلك التخطيط والتنفيذ.

القطاع الخاص

وتواجه منطقة المحيطين الهندي والهادئ فجوة تمويلية كبيرة لبرامج المياه حيث يشير تقرير صدر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2021 أن معظم دول المنطقة تحتاج إلى تخصيص ما بين ٪1 و2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي لإمدادات المياه والبنية التحتية للصرف الصحي لتحقيق أهداف التنمية المستدام.

ويمكن للاستثمار المكثف من القطاع الخاص أن يلعب دورا في تحقيق هذه الأهداف واتباع خطط المشاركة بين القطاعين العام والخاص في برامج المياه والصرف الصحي المختلفة مما يوفر التمويل اللازم .

وعلى سبيل المثال، يشير بنك التنمية الآسيوي إلى أن شراكات المياه بين القطاعين العام والخاص في عاصمة دولة الفلبين مانيلا نجحت في توفير إمكانية الوصول إلى المياه على مدار 24 ساعة لما يقرب من 12 مليون مواطن، مما يؤكد فعالية تلك الاستراتيجية في نجاح قطاع المياه في المنطقة.

وتعد سوء الإدارة المحلية والمخاطر المرتبطة بالاستثمار في مشاريع المياه، من عوامل عزوف القطاع الخاص عن المشاركة، ولذلك فمن الضروري أن تكون كل من الشركات المحلية والدولية على دراية بالتأثير المحتمل لأزمة المياه الحالية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ حتى يتمكنوا من تحديد فرص التحسن في المستقبل.

وتوجد بالفعل بعض المبادرات لتحفيز الاستثمار الخاص في قطاع المياه أبرزها شراكة المياه الأسترالية في والتي نجحت في تعزيز مشاركة القطاع الخاص.

 وتلعب المؤسسات الأكاديمية الخاصة، مثل المعهد الآسيوي للتكنولوجيا، دورًا حاسمًا في تطوير تقنيات المياه وتعهدت الحكومة الألمانية بالاستثمار في إنشاء مركز عالمي للمياه والتكيف مع المناخ في المعهد الآسيوي للتكنولوجيا.

القطاع العام

وتعد مشاركة القطاع العام ضرورية أيضًا لنجاح البرامج المتعلقة بالمياه في المستقبل لأنه حاليا تمنح معظم الدول في المنطقة التمويل الحكومي لأهداف للنمو الاقتصادي والزراعي قصير الأجل على حساب الاستدامة البيئية.

أما التلوث الناتج عن المصانع وانخفاض مستويات الاستثمار العام لتحسين البنية التحتية للمياه، فيمثل ضررا لقطاع المياه ويعيق التقدم طويل الأجل نحو الأمن المائي.

ومن ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي المشاركة المنخفضة للقطاع العام إلى عدم كفاية السياسات والرقابة، مما يسمح بإساءة استخدام الموارد المائية ويقوم البعض في جميع أنحاء آسيا بإلقاء مياه الصرف الصحي في الجداول والبحيرات المحلية بدلاً من نقلها إلى محطات معالجة محددة بسبب سوء الرقابة.

وهناك حاجة إلى إعادة تنظيم أولويات القطاع العام حتى يمكن أن تكون هناك شراكات مستدامة لإدارة المياه التي تراعي بشكل أفضل الاحتياجات البيئية طويلة الأجل كما أن القطاع العام القوي يكون مجهز بشكل أفضل لتشكيل شراكات دولية دائمة حول الأمن المائي.

وقد طورت الهند شراكة طويلة الأمد مع هولندا من خلال مبادرات المياه مثل مبادرة تحالف المياه الهندي الهولندي والمعالجة المحلية لمسارات الصرف الصحي الحضرية لإعادة الاستخدام الصحي.

 وعملت الهند أيضًا بشكل وثيق مع جايكا في مجموعة متنوعة من برامج المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية

البنية التحتية

ويتطلب التوسع الحضري السريع لدول المحيطين الهندي والهادئ بنية تحتية أكثر كفاءة ومرونة للمياه والصرف الصحي. وتبلغ نسبة الفائدة إلى التكلفة للاستثمار في مثل هذه البنية التحتية تصل إلى ٧ إلى ١ في أقل البلدان نمواً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ويفترض بناء وتطوير بنية تحتية متوافقة مع متطلبات المناخ، تطبيق التقنيات الرقمية، لكن الاستيعاب الرقمي غائبا في المنطقة ولا تزال هناك فجوات عديدة بين البلدان الأكثر والأقل نموًا. ولإدخال تقنيات وابتكارات إضافية تحتاج دول المحيطين الهندي والهادئ إلى التمويل الكافي ورأس المال البشري القادر استخدامها بفعالية.

وأقرت العديد من المؤسسات بهذه الحاجة بما في ذلك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبنك التنمية الآسيوي، اللذين التزما بدمج المكونات الرقمية في مشاريعهم واستراتيجياتهم في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وتخطط تخطط الولايات المتحدة لمساعدة دول المنطقة على تسخير التحول التكنولوجي للمساعدة في التحول في مجال الطاقة والمناخ.

التوصيات

ووفقا للتحليل، فرغم هذه التحديات، توجد العديد من الفرص لتهيئة الظروف اللازمة لبرامج مائية مستدامة وبعيدة المدى.

وأوصى التحليل بضرورة إنشاء آليات حوكمة قوية وشراكات إقليمية من خلال وضع خطة عمل موحدة لمعالجة القضايا المتعلقة بالمياه، بالاعتماد على خبرة الشراكات القائمة .

ولتحسين الشفافية والمساءلة للجهات الفاعلة في قطاع المياه والمشاريع، يجب استخدام مؤشرات المراقبة والتقييم في جميع مراحل برامجها وإنشاء هيئة رقابية قوية لتقييم التقدم المحرز.

وتضمنت التوصيات أيضا، ضرورة إعطاء الأولوية للقدرات المحلية من خلال دمج الاحتياجات المحلية في المبادرات الحكومية لضمان استدامة برامج المياه ويشمل ذلك الاسترشاد بآراء المجتمع في جميع مراحل المشروع من خلال التعاون مع القادة المحليين ومراعاة البيئات المحلية.

وشملت التوصيات كذلك؛ ضرورة خلق بيئة تساعد على نجاح الشراكة مع القطاع الخاص في مجال الأمن المائي ويمكن القيام بذلك عن طريق زيادة فرص الحصول على التمويل وتسويق الإمكانات الاستثمارية بشكل أكثر فعالية للمناطق النامية مثل بلدان جزر المحيط الهادئ.

وتضمنت التوصيات أيضا ضرورة تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتبسيط القدرة على الصمود في مجال المياه وسيكون من الضروري تطبيق لوائح صارمة لضمان أن تظل مشاريع الطاقة والزراعة المستقبلية واعية بالمناخ والمياه ويجب على الجهات الفاعلة العامة أيضًا زيادة الاستثمار في البنية التحتية المائية المرنة لتعزيز الاستدامة على المدى الطويل.

وشملت التوصيات كذلك ضرورة التوسع في البرامج والمبادرات الحالية الناجحة، والتي تتم بالتعاون مع العديد من المنظمات الإقليمية والحكومات الأجنبية بهدف تنفيذ ابتكارات جديدة فعالة في قطاع المياه.

العربية

قد يعجبك ايضا