أوروبا تواجه ماضيها العنصري بسبب حدائق الحيوان البشرية.. ماذا تعرف عنها؟
Share
لا تزال القارة الأوروبية تواجه ماضيها العنصري، خصوصا في البلاد التي استعمرتها، وأحد أبزر وجوه العنصرية كانت حدائق على غرار حدائق الحيوان، ولكنها كانت تعرض البشر أيضا الذين اعتقد الأوروبيون أنهم أقل درجة منهم.
نشرت صحيفة دويتشة فيله الألمانية في نسختها الإنجليزية تقريرًا تحدث عن تاريخ المعارض العنصرية و”حدائق البشر” في أوروبا ، حيث كان أشخاص من أعراق مختلفة يُعرضون بجانب الحيوانات، وكانت هذه المعارض في القرون الماضية مربحةً وتعزّز النظرية الخاطئة لتفوّق الحضارة الأوروبية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها إن هامبورغ ولشبونة وبروكسل كانت من المدن الأوروبية التي احتضنت المعارض الإثنوغرافية العنصرية التي كانت شائعة في الماضي.
وفي أوروبا الاستعمارية، انتشرت المعارض الإثنولوجية للأشخاص “الغريبين” و”حدائق الحيوان البشرية”. وفي أوائل القرن الخامس عشر اختُطف الناس في المناطق المستعمرة وجُلبوا إلى أوروبا لهذا الغرض.
وفي أواخر القرن التاسع عشر، أصبحت العروض البشرية العنصرية مربحة بشكل خاص، وقد استُخدمت أيضًا بغرض إثبات “التفوق” المفترض للحضارة الأوروبية.
وذكرت الصحيفة أن الكثير من الأشخاص جُلبوا من المستعمرات الأوروبية إلى أوروبا بذرائع زائفة وأجبروا على العمل في ظروف مهينة. غالبًا ما كانوا يُعرضون على المتفرجين على أنهم “متوحشون” أو باعتبارهم من “أكلة لحوم البشر”. مع ذلك، فإنه لا يوجد أي اعتراف رسمي يذكر بجرائم الحقبة الاستعمارية، ولا يوجد وعي عام بشأن هذه القضية في جميع أنحاء أوروبا.
وفي سنة 1874، كان التاجر كارل هاغنبيك من هامبورغ من أوائل من عرض البشر جنبًا إلى جنب مع الحيوانات في حدائق الحيوان، وسرعان ما أصبح “رجل استعراض إثنوغرافي” ناجحًا. وقد جنت شركته “هاغنبيك”، التي لا تزال موجودة تحت الاسم ذاته اليوم وتدير حديقة الحيوانات الرئيسية في هامبورغ في شمال ألمانيا، أموالا طائلة من المعارض البشرية حتى فترة الثلاثينيات.
قال المؤرخ يورغن زيمرير لمحطة “إن دي آر” الألمانية مؤخرًا إن “البشر في مثل هذه الحدائق يُعرضون في “بيئة تم تنظيمها عن عمد على أنها بدائية”. من جانبه، استخف كلاوس هاغنبيك، حفيد كارل، بالضرر الذي تسببت فيه هذه المعارض ووصفها بأنها من الأشكال الفنية التي ميزت ذلك الوقت.
وقد أوضحت حديقة حيوان هامبورغ منذ ذلك الحين أنها تعيد النظر في ماضيها، لكن لا يوجد حاليًا أي مؤشر يسلط الضوء على أن البشر اعتادوا الظهور في هذا الموقع أو أي محاولة لإحياء ذكراهم.
في لشبونة، عاصمة قوة استعمارية أوروبية واسعة أخرى، عُرض البشر في سنة 1940 في المعرض البرتغالي العالمي. وقد أُحضر الناس من البلدان المستعمرة للعيش في بيئة تم بناؤها لمحاكاة موطنهم المفترض.
واستخدم الديكتاتور البرتغالي أنطونيو دي أوليفيرا سالازار المعرض العالمي لسنة 1940 لتمجيد الحقبة الاستعمارية وتعزيز نظامه، واليوم غالبًا ما يتركز الجدل حول الماضي الاستعماري البرتغالي على شخصه وفترة حكمه.
تعتقد إلسا بيرالتا، المؤرخة في جامعة لشبونة، أن هذا غير كاف: “يقوم السرد الرئيسي للفترة الديمقراطية على أن جرائم الفترة الاستعمارية كانت مرتبطة بالأنظمة الديكتاتورية. ولا تعكس المدة الطويلة للتاريخ الاستعماري للبرتغال”.
وأضافت بيرالتا أنه حتى اللوحة التذكارية التي تخلد ذكرى ضحايا “حديقة الحيوان البشرية” في الحدائق النباتية بالمدينة اليوم تشير بشكل واضح إلى حقبة حكم سالازار.
وأشارت بيرالتا إلى أن العديد من البرتغاليين ما زالوا غير مدركين للمعارض العنصرية، لكنها قالت إنه كان هناك جدل عام متزايد حول الماضي الاستعماري للبلاد في السنوات الأخيرة، وإن كان بوتيرة أبطأ مما كانت عليه في الدول الاستعمارية السابقة الأخرى، مؤكدةً أن “المجتمع البرتغالي أصبح واعيا نسبيا بهذه القضية؛ ولم يسع لحلها بعد”.
وفي بلجيكا، التي عرضت الناس في “حديقة حيوانات بشرية” حتى سنة 1958 في معرض بروكسل العالمي، أُثير الجدل حول الجرائم الاستعمارية في البلاد بشكل خاص خلال السنوات القليلة الماضية.
في هذا الصدد، انتقدت الناشطة وعالمة الأنثروبولوجيا ستيلا نيانشاما أوكيموا من الشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية، استخدام المعارض لاستكشاف هذا الفصل العنصري من ماضي بلجيكا وإحياء ذكرى ضحاياها.
وتقول إن عرض صور المعارض الإثنوغرافية يمكن أن يعيد إحياء هذه الممارسات العنصرية.
وتعتقد أوكيموا أنه من الضروري أن يعترف المجتمع البلجيكي بصدمة الماضي الاستعماري، لكنها تقول إنه يبدو أن هناك القليل من الاستعداد للقيام بذلك. ووفقًا لمسح أجري سنة 2020، فإن نصف سكان البلاد يعتقدون أن استعمار الكونغو كان له جوانب إيجابية أكثر من الآثار السلبية.
وفي الختام، فقد أشارت الصحيفة إلى أن انتشار الأفلام والتلفزيون والسياحة الجماعية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ساهم في تغيير مفهوم الأشخاص “الغرباء”.