عمليات التجميل في العراق.. اللجوء لغير المختصين يخلف تشوهات وتداعيات خطرة
Share
تنتشر فوضى عمليات التجميل في العراق، إذ جرى إغلاق 182 مركزا مخالفا في بغداد وحدها ويعمل فيها أطباء غير مختصين كما أنها غير مرخصة، وصولا إلى عاملات في صالونات للحلاقة يستخدمن مواد ضارة وخطرة وحتى ربات بيوت.
وعانت العشرينية العراقية ريام محمد من انتفاخ والتهاب عقب حقن شفتيها بمادة الفيلر، (تملأ الفراغات تحت الجلد وتحتوي على مادة هلامية من حمض الهيالورونيك)، في صالون نسائي بمنطقة بغداد الجديدة في العاصمة بعدما أقنعتها عاملة بأنه يوجد لديهم فيلر كوري الصنع من نوعية جيدة، مدّعية قدرتها على حقنه مقابل 250 ألف دينار عراقي (191 دولارا أميركيا).
ودفع إغراء النوع الكوري والسعر الجيد ريام لتجري الحقن، ولم تمض ساعات معدودة حتى بدأت الآلام وشعرت بالحرقة في شفتيها، ثم تحول لونهما إلى الأزرق وتورمتا بشدة، فلجأت إلى طبيب جلدية أذاب المادة وسحبها، وأبلغها أن طريقة الحقن خاطئة ما تسبب في التهاب كان من الممكن أن يؤدي إلى تسمم في الدم نتيجة استخدام نوعية رديئة وضارة من الفيلر.
وتعكس تفاصيل حالة ريام، ما يمكن وصفه بـ”فوضى عمليات التجميل في العراق”، والتي يقرّ بشيوعها الدكتور جاسم العزاوي نقيب الأطباء السابق، مشيرا إلى أن “الأمر لم يعد منحصرا في عيادات ومراكز متخصصة وغير متخصصة أو حتى صالونات تجميل، ولكن وصل الحال إلى أن ربات بيوت صرن يعلنّ عن إجراء تلك العمليات”.
ورصد العزاوي تبعات لتلك الفوضى التي تشارك فيها صالونات الحلاقة، ومراكز تجميل غير مرخصة تجري العمليات وبعضها يديرها طبيب جلدية أو طبيب جراحة تجميلية وترميمية، ما يسفر عن حوادث خطيرة، كما امتد الأمر إلى عيادات أسنان يجري أطباؤها إجراءات تجميلية خارج اختصاصهم، ما يزيد من الأخطاء الطبية التي يترتب عليها تشوهات وتداعيات صحية خطرة، خاصة إن كانت المادة المستخدمة رديئة النوعية، بحسب ما تكشفه تجارب 10 حالات يوثقها التحقيق.
182 مركزا تجميليا مخالفا في بغداد
“تعتبر العمليات التجميلية الجراحية تخصصا حصريا لأطباء التجميل والترميم، بينما غير الجراحية مثل البوتكس والفيلر والبلازما والليزر والخيوط التجميلية، يقوم بها أطباء الجلد والتجميل غير الجراحي، لكن ما يحدث فعليا في العراق يمثل حالة انفلات، إذ إن دخلاء على المهنة يمارسون الطب التجميلي خاصة غير الجراحي المعتمد على الحَقن غالبا، ومنهم النساء اللواتي يعملن في صالونات التجميل وليس لهن علاقة بالطب من قريب أو بعيد، لذلك تقع الأخطاء، لأنهم لا يعرفون تشريح الوجه، وأماكن ونسب المادة التي يجب أن يحقنوها فيها والعمق المطلوب، وهذه المعايير تختلف حسب الحالة والشكل والمنطقة المراد حقنها، ما يؤدي إلى مشاكل من بينها حقن الفيلر في أحد الشرايين بشكل يؤدي إلى غلقه وبالتالي موت هذه المنطقة، ويستوجب عملية جراحة وغيرها من إجراءات العلاج، وقد يسبب الحقن الخاطئ بمنطقة محيط العين أيضا العمى الدائم”، كما توضح الطبيبة شيماء الكمالي، أخصائية طب التجميل غير الجراحي (يشمل الجلسات والعمليات، التي تم استحداثها ولا تحتاج إلى أي تدخلات جراحية).
ويتفاقم الأثر الخطير عند استخدام مواد غير صالحة أو رديئة أيضا بحسب الكمالي والتي تعمل في عيادتها الخاصة، مشيرة من واقع خبرتها إلى أن أنواع الفيلر الجيدة على سبيل المثال هي ذات المنشأ الألماني، والفرنسي، والسويسري، والإيطالي، ولكل نوع خصائص معينة، ويقع على عاتق الطبيب المختص اختيار النوع المناسب والأفضل بالنسبة للمنطقة والمريض، أما الأنواع التي يمكن اعتبارها سيئة فتفتقر لأي معلومات أو ملصق تعريفي، وتسحب باستخدام المحقنة، كما هو الحال في الفيلر الكوري وبعضه من منشأ واضح ومصنع من قبل شركات معروفة وعليه تاريخ إنتاج وانتهاء، ولكن هناك فيلر يقال إنه كوري لا يوجد عليه أي اسم أو معلومة تدل على ذلك، ومثل هذه الأنواع لها تأثيرات عديدة منها تكتل الفيلر في المنطقة وتورمات وتشوهات في مكان الحقن، والتأثيرات ذاتها يتسبب بها الفيلر منتهي الصلاحية.
الأعراض التي تحدثت عنها الكمالي، هي ما عانت منها الحالات التي يوثقها التحقيق، ومن بينهم العشرينية أديان الأسدي، التي حقنت الفيلر للخطوط الضاحكة، في مركز طبي يعلن بأنه عام يشمل تخصصات في مجالات الباطنية والجلدية والتجميل والأسنان، وغيرها من التخصصات، ويعمل فيه كادر طبي سوري، لكن بعد شهرين، ظهرت لديها تكتلات تحت منطقة الفم، ولدى مراجعتها المركز ذاته، أخبرتها الطبيبة التي أجرت لها الحقن أن هذه التكتلات بسبب بصيلات شعر، وأن الفيلر الذي حقنت به ألماني لا يترك آثارا، لكن عقب لجوئها إلى طبيبة جلد، أبلغتها بأن الفيلر المستخدم نوعيته رديئة لذلك تحول إلى تكتلات تحت البشرة.
ويبدو شيوع الظاهرة في البيانات الرقمية التي يكشفها حسين المالكي، المدير السابق لقسم التفتيش على المؤسسات الصحية الخاصة في وزارة الصحة، مؤكدا غلق 182 مركزا تجميليا (طبيا) مخالفا فقط في بغداد، خلال الفترة الممتدة بين الأول من يناير/كانون الثاني 2022، وحتى 10 يونيو/حزيران 2022، ويقدر أن 80% من مراكز التجميل في البلاد تعمل دون ترخيص، ولا يتعدى عدد المراكز المجازة 45 مركزا فقط، إذ رصدت الفرق التفتيشية 100 مركز تجميل غير مجاز فقط في منطقتي اليرموك والمنصور، وهذه تقع مسؤولية إغلاقها على الجهات الأمنية، أما المراكز المجازة فما يجري فيها يدخل ضمن مسؤولية الوزارة لأنها تخضع لقانون الصحة العامة المنظم بتعليمات رقم 5 لعام 1999 والتي تحصر فتح المراكز بأطباء الجلدية وكذلك التجميل.
صراع بين نقابتي الأطباء والأسنان
استغربت العشرينية مروة علي لدى ترددها على عيادة أسنان في منطقة الزعفرانية في بغداد، من قيام طبيبة الأسنان ذاتها التي تعالج أسنانها، باستخدام الحقن التجميلية للمرضى من بوتكس (حقن تجميلية تحتوي بكتيريا المطثية الوشيقية) وفيلر، وكذلك تعمل على أجهزة الليزر الكربوني (تقنية لعلاج وتجميل البشرة بالليزر)، وأيضا أجهزة ليزر إزالة الشعر، والتي من المفترض أن يستخدمها طبيب جلدية ويفهم كيفية التعامل معها.
ويحيل نقيب أطباء مدينة بابل جنوب بغداد، الدكتور رافد الحسيني، المسؤولية على نقابة أطباء الأسنان، قائلا إنها من تزج بأطباء الأسنان بالعمل في مجال التجميل غير الجراحي والليزر، عبر تنظيمها لدورات تدريبية داخل مقرها، وقد وجهت نقابة الأطباء أكثر من كتاب لنقابة أطباء الأسنان بخصوص عملهم وما هي حدود الصلاحيات والإجراءات المسموحة لهم فيما يتعلق بالوجه والأسنان، مع ذلك، هناك فوضى واضحة وفق ما تعكسه شكاوى وصلت النقابة بخصوص إجراءات تجميلية فاشلة من قبل أطباء الأسنان. ويؤكد العزاوي أن الدورات التدريبية التي تقيمها نقابة أطباء الأسنان يجب أن يكون الغرض منها هو المعرفة فقط، وليس العمل في التجميل.
ويرد قاسم العبادي، المتحدث باسم نقابة أطباء الأسنان بشأن ممارسة أطباء الأسنان للإجراءات التجميلية غير الجراحية، بقوله إن المشكلة تتعلق بتصنيف الاختصاصات الطبية وفق المتطلبات الفنية لفتح مراكز طب التجميل (غير الجراحية) والتي أقرتها اللجنة المشكلة بالأمر الوزاري رقم 2510 عام 2018، والتي تجيز لأطباء الأسنان الممارسين الحق بالعمل على ثلثي الوجه وبإمكانهم حقن مواد مالئة كالفيلر، أما جراحو الوجه والفكين، فيسمح لهم بممارسة الإجراءات التجميلية على كل الوجه، ومن جهتها، تتابع النقابة هذه العيادات عبر الزيارات الميدانية، لكن المشكلة أن الملف كبير جدا، وهناك الكثير من الشكاوى التي تصل إلى النقابة بخصوص أخطاء طبية يجريها أطباء أسنان داخل عياداتهم، وتصدر النقابة بدورها عقوبات انضباطية من خلال إدارتها القانونية، وهناك لجنة تقييم عبر فحص سريري وفحص شعاعي للمريض للتأكد من وجود خلل في الإجراء الذي قدمه طبيب الأسنان، وفي حال ثبت الخطأ يعاقب الطبيب.
ويوافقه في ذلك الحسيني، قائلا إن طب التجميل يحتاج إلى وضع ضوابط مركزية تتفق عليها وزارة الصحة ونقابتا الأطباء والأسنان حتى لا يقع تداخل وتضارب بين الفئتين، وهذه الموافقات الممنوحة لهم غير مقبولة من قبل نقابة الأطباء، لذلك لا بد من توحيد الرؤى وتحويل صلاحيات فتح مراكز التجميل من وزارة الصحة إلى نقابة الأطباء تحقيقا لمصلحة المريض.
تداخل الصلاحيات يعوق الرقابة
يوضح العزاوي أن فتح عيادة تجميل يتطلب موافقة نقابة الأطباء، ومن يعمل فيها يجب أن يكون طبيباً مختصاً بالتجميل أو الأمراض الجلدية فقط، ولا يجوز لأي شخص لا يمتلك إجازة رسمية بالتخصص تأسيس مركز تجميل إلا بموافقة وزارة الصحة التي ترخص لهذه المراكز، “لكن أكثر من 60% من مراكز التجميل في العراق غير مجازة” وفق تقديرات النقابة، معتبراً أن الازدواجية تشكل مشكلة، على اعتبار وجود مؤسستين، هما وزارة الصحة ونقابة الأطباء، تشتركان بمنح الرخص، وهي رخص التأسيس من قبل وزارة الصحة، ورخص ممارسة المهنة من قبل النقابة، خاصة أن الوزارة غير قادرة على ضبط هذه المنشآت، التي يجب أن يكون تأسيسها ومراقبة عملها مناطَين بالنقابات.
وحول إجراءات الوزارة لضبط هذا القطاع، يوضح عباس الفرطوسي، مدير قسم القطاع الصحي الخاص في وزارة الصحة، أن دوائر التفتيش تقوم بمتابعة مستمرة لمراكز التجميل للتأكد من وجود الطبيب المختص ومدى التزام الإجراءات داخل المركز، وقبل تجديد الإجازة من قبل الوزارة تستفسر من دائرة التفتيش حول سلامة الموقف القانوني للمركز، وفي حال وجود مؤشرات سلبية، لا تُجدَّد إجازة المركز ، إلى أن تُعالَج المؤشرات، وأحياناً يُتَّخَذ إجراء الغلق الذي تتابعه الجهات الأمنية.
وتشترط المعايير القانونية لوزارة الصحة، أن يكون مركز التجميل تحت إشراف ووجود طبيب تجميل أو طبيب جراحة تجميلية وترميمية، ويعمل فيه كادر طبي مع فحص دوري أسبوعي للعاملين، إضافة إلى مساحة المكان وتحديد الأعمال التي يمكن القيام بها فيه.
وبالتالي فإن صالونات التجميل (الحلاقة)، لا تنطبق عليها شروط المراكز الطبية التجميلية، حتى أن أغلبها تدار من قبل نساء يحملن شهادة دراسة ابتدائية، وما يحدث بداخلها من استخدام للمواد التي تحقن بغرض تغيير جماليّ كلها تعدّ تجاوزات خطرة بحسب مصادر التحقيق.
دورات وإعلانات مخالفة
تفاقم وسائل التواصل الاجتماعي فوضى عمليات التجميل القائمة، عبر الترويج لإقامة دورات طبية ومهنية تخصصية في المحالات الطبية من دون استحصال الموافقات الأصولية، إذ تواصلت معدات التحقيق مع 3 صفحات على “الفيس بوك” للاستفسار عن الدورات التدريبية التي تعلن عنها والتي تتضمن حقْن البوتوكس، وحقْن الفيلر، والخيوط التجميلية، وغمازات الخد الجراحية، واستخدام أجهزة الليزر، وجرى إخبارهم أن من يتواصل معهن متخصصة في علم الحاسوب ولا تحمل مؤهلاً علمياً في التجميل، فأجابوا بالقبول، وأنه يمكنها الاشتراك في الدورة مقابل مبلغ يصل إلى 950 دولاراً، مؤكدين أن مراكز تجميل يمكن أن تقبل تشغيلها استناداً إلى شهادة الدورة التدريبية.
وينسحب الحال على عيادات الأسنان والتي تجذب الزبائن من خلال الإعلان عن تخفيضات على صفحاتها على الليزر والفيلر والبوتوكس، على الرغم من أن “استخدامهم لمصطلح التجميل في صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، مخالف للقانون والضوابط الوزارية والقانونية، وكذلك قيامهم بعمليات حقن تجميلية لا يجوز لهم العمل بها ما يعرض حياة المراجع للخطر”، بحسب ما جاء في كتاب رفعته نقابة أطباء العراق فرع النجف، إلى نقابة أطباء الأسنان في النجف، في 22 مارس/آذار 2022، توضح فيه أسماء أطباء الأسنان الذين يرتكون هذه المخالفات لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم، وهو ما كانت نور محمد تتمنى أن يقع ويجري التصدي لتلك الظاهرة، قبل أن تغريها العروض الرخيصة التي تعلن عنها صفحة على فيسبوك تابعة لعيادة أسنان في منطقة المنصور ببغداد، إذ ذهبت لعمل فيلر للخطوط الضاحكة وحقن نضارة للبشرة، وفوجئت بأن طبيبة الأسنان التي تعمل داخل العيادة هي ذاتها المسؤولة عن الحقن التجميلي، لكنها لم تتراجع، وما إن بدأت الحقن حتى عانت من ألم لا يحتمل وفق روايتها.
وبعد يومين برزت تكتلات وتورم وتهدل في جزء من الوجه كما تقول محمد، ما اضطرها إلى اللجوء لعيادة طبيب تجميل لتذويب الفيلر المحقون، وبالرغم من تذويب كل المادة بقي هناك تكتل كبير في الوجه، لأن عملية الحقن فاشلة وفق الطبيب الذي زارته، ويجب فتح أسفل الفم لإخراج المادة بالجراحة.