تونس الخضراء وتغيرات المناخ .. الآليات اللازمة لمواجهة التحديات
Share
يختلف مناخ تونس من منطقة لأخرى؛ إذ تحتوي تونس على ثلاثة أنواع من المناخ وهي؛ المناخ شبه الجاف الموجود في المناطق الوسطى، والمناخ المتوسطي في المنطقة الشمالية، والمناخ الصحراوي في أقصى الجنوب ووسط أزمة الجفاف التي تحاصر تونس بسبب ندرة الأمطار، يبدو واضحاً أن مسعى البلاد وأهلها للتكيّف مع آثار تغيُّر المناخ لن يكون سهلاً طالما لم تطرح بعد استراتيجيات للحدّ من تداعياته.
“جفاف حاد وسدود شبه فارغة” هكذا يمكن اختصار الحالة التي تعيشها تونس “للمرة الأولى” منذ عقود بسبب ندرة الأمطار وحدّة الجفاف التي لم يسبق لها مثيل.
فيما يبدو أن قرار قطع المياه يأتي في إطار خطة الحكومة لخفض الاستهلاك تحسّباً لصيف قاسٍ ستكون تداعياته كارثية على موسم الحصاد هذا العام، يرى السكان في مختلف المدن التونسية أن القرار الذي اتّخذ من دون إخطارٍ مُسبق، سيزيد من معاناتهم اليومية المتفاقمة في الأساس على إثر وضع اقتصادي غيرمسبوق تشهدة البلاد .
والمفارقة أن الوضع الاقتصادي آيلٌ لأن يتردّى أكثر مع تفاقم أزمة المناخ، ما لم تلتفت حكومات المنطقة إلى حقيقة أن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعاني من ظاهرة الاحترار بوتيرة تقارب ضعف المعدل العالمي خاصة وان الدراسات كلها تشير الى الآثار الواضحة والقاسية لتغيّر المناخ على المجتمعات في ستّ دول عربية، بينها تونس.
وتشير نتائج هذه الدراسات إلى أن تواتر موجات الجفاف ازداد في تونس والمغرب وسوريا والجزائر خلال العشرين إلى الأربعين عاماً الماضية، في حين تغيّرت الوتيرة في المغرب من سنة جفاف في فترة 5 سنوات قبل العام 1990 إلى سنة جفاف لكل فترة سنتين.
ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي، تساقطت 110 ملايين متر مكعب فقط من الأمطار في تونس، أي حوالي خُمس المعدّل الطبيعي، إذ إن المعدل الاعتيادي لا يقل عن 520 مليون متر مكعب. ويعدّ العام الماضي الأكثر جفافاً بالنسبة لتونس، كما سجّلت السدود هذا العام انخفاضاً في الكميات المخزّنة إلى نحو مليار متر مكعب فقط، أي ما يعادل 30% من الطاقة القصوى للتخزين بسبب ندرة الأمطار.
وتعتبر تونس من بين الدول الأفريقية التي تعاني من آثار التغيرات المناخية وذلك حسب عديد المؤشرات المقدمة من وزارة الفلاحة التونسية التي تتعلق بدرجة الحرارة المرتفعة بشكل ملحوظ مقارنة ببقية دول العالم، فضلا عن انخفاض نسبة التساقطات السنوية ومستوى تعبئة السدود وتوسع مناطق التصحر خاصة في الجنوب وتقلّص الغطاء الغابي بالشمال الغربي نحو الجزائر.
ويرجح مراقبون أن تظهر الآثار السلبية للظاهرة بشكل أوسع وأسرع في السنوات القادمة، من خلال أزمة الغذاء والزراعة. ويقول هؤلاء إنه على الرغم من التزامات تونس الدولية في مسألة تغير المناخ على غرار اتفاق باريس وبروتوكول كيوتو، إلا أنه لم يتم الاهتمام بمسألة تغير المناخ بالشكل المطلوب، وإدراجها في السياسات الوطنية، أو عبر وضع إستراتيجية واضحة الأهداف للحد من تأثيرات الظاهرة.
وتظهر التوقعات المناخية في تونس انخفاضا في هطول الأمطار إلى 22 مليمترا بحلول عام 2050 أي تدنٍّ بـ9 في المئة مقارنة بالقيمة الحالية، وسيبلغ 45 مليمترا في عام 2100 أي تدن بـ18 في المئة. وسيكون لهذه الانخفاضات تأثير كبير بشكل خاص على النشاط الزراعي، إذ من المتوقع أن ينخفض إنتاج الحبوب بنسبة 40 في المئة تقريبا، بينما من المحتمل أن تعاني محاصيل الزيتون من انخفاض في مردوديتها بنسبة 32 في المئة، فضلا عن زيادة في تواتر حالات الجفاف وفي شدتها خصوصا في الجنوب التونسي.
وكانت وزيرة البيئة التونسية ليلى الشيخاوي المهداوي قد قالت في وقت سابق أن “تونس معنيّة، كغيرها من سائر دول العالم، بتأثيرات التغيّرات المناخيّة”، مؤكدة “التزام الدولة التونسية بتعهّداتها الدولية في مجال التخفيف من انبعاثات الغازات الدّفيئة وضرورة التسريع في تنفيذ التوجّهات الإستراتيجية المدرجة ضمن المساهمات المحدّدة وطنيا”. واستعرضت الوزيرة أهم البرامج والتوجّهات القطاعيّة والمحليّة التي تمّ تحديدها ضمن الإستراتيجية الوطنية للتنمية ذات الانبعاثات الضعيفة والمتأقلمة مع التغيّرات المناخيّة.
لكن مع جميع هذه الأحوال يبدو أن الوضع القانوني والسياسي بخصوص مواجهة التغيرات المناخية، يتسم بالغموض، رغم المطالب المتكررة بالحق في بيئة سليمة ووضع إجراءات عاجلة وفعّالة.
وفي هذا المجال أفاد الخبير البيئي عامر الجريدي بالقول “إن هناك ارتفاعا في درجات الحرارة وتغيرا في طبيعة الفصول ووزارة البيئة وزارة أفقية في الأصل، أي أن مهمتها ليست العمل الميداني بقدر ما يتمثل في اقتراح سياسة بيئية (هي جامع وأصل السياسات القطاعية) والتشريعات ذات الصلة والاتصال والتربية البيئية”.
وأضاف الجريدي في تصريح لـ”العرب”، “في ظلّ الدور الهجين وغير الواضح لمهامها، فإنّها تسعى لمواكبة التطورات البيئية بما أوتيت من تقاليد موروثة تجعل جهودها غير ذات فاعلية، وبالتالي لا يمكن القول إن للدولة إستراتيجيات وخططا واضحة في غياب رؤية تنموية شاملة، تكون أساس المضمون الأخلاقي والمعرفي لمنظومة التعليم، وعلى وقع التغيرات المناخية تحاول الوزارة القيام بما في وسعها، لكن المفعول يبقى محدودا رغم وجود نقطة اتصال مكلّفة بالعمل حول مجابهة التغيرات المناخية والتكيف معها”.
وتمتد تداعيات تغير المناخ في تونس إلى العديد من دول المنطقة؛ إذ من المتوقع، وفق دراسة أعدّها الباحث محمود مدني، أن تزداد ندرة المياه في المنطقة العربية بدلًا من أن تنخفض؛ ومن ثم سيعاني القطاع الزراعي بشكلٍ كبير.
وتابع الجريدي “الدليل على عدم النجاعة هو التفاجؤ بمفعول التغيرات المناخية من خلال الجفاف وشحّ المياه غير المسبوقيْن اللذين تشهدهما تونس حاليّا، ويبقى للدولة حاليا فضل السعي إلى التخفيف من هذه الأزمة بحزمة من الإجراءات يمكن إرساؤها في ظل الاستقرار السياسي النسبي الذي تشهده البلاد بعد العشرية الماضية.
واعتبر أن “وضع رؤية تنموية وسياسة بيئية تستعيد بها البلاد بوصلتها أوكد خطوة تتخذها الدّولة والتحدي الأكبر لمستقبل استدامة تنمية البلاد واللتيْن بدونهما تبقى البلاد تتخبط عشوائيا بين مساعي مختلف أجهزة الدولة التي لئن كانت محمودة، فهي تبقى غير مستدامة في غياب بوصلة جامعة موجّهة تضمن الاستقرار التنموي (بأضلعه الثلاثة: الاجتماعي والاقتصادي والإيكلوجي) واستدامته تجعل من الديمقراطية المغشوشة ديمقراطية تنموية مستدامة”.