تقرير دولي يتوقع مستقبلاً “قاتماً” لسوق العمل.. 14 مليون وظيفة ستختفي!
Share
الميتافيرس أو الواقع الافتراضي يزحف ببطء ليطغى على الإنترنت، وبالتوازي يبدو أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي للحلول محل البشر والقيام بوظائفهم في سوق العمل قطعت شوطاً كبيراً أيضاً، فهل تحل الروبوتات محل الإنسان فعلاً؟
المقصود بالميتافيرس هو العوالم الافتراضية، وبشكل عام هذه التقنية موجودة بالفعل منذ سنوات، وتُستخدم بالأساس في العاب الفيديو ، لكن ما يتحدث عنه خبراء التكنولوجيا الآن أمر مختلف، يهدف إلى جعل الميتافيرس وكأنها نسخة منقحة من الواقع الافتراضي.
ويعتقد كثير من هؤلاء الخبراء أن الميتافيرس قد يصبح الثورة القادمة في مستقبل الإنترنت، بل إن ثمة اعتقاداً بأن مقارنة الميتافيرس بالواقع الافتراضي المستخدم في الألعاب حالياً ربما تشبه مقارنة الهواتف الذكية بالجيل الأول من الهواتف المحمولة الضخمة، التي أُنتجت في ثمانينيات القرن الماضي، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.
فالميتافيرس أو العالم الافتراضي الجديد يمكن أن يستخدم في أي شيء، كالعمل واللعب والحفلات الموسيقية والذهاب إلى دور السينما، أو مجرد الالتقاء بالأصدقاء. ويتصور غالبية الناس أنك تحتاج إلى “أفاتار”، أو صورة رمزية ثلاثية الأبعاد، لكي تتمكن من استخدامه، ولكن لأن الميتافيرس لا يزال مجرد فكرة جديدة، فإنه لم يُتفَق بعد على تعريف موحد له.
“استغنّوا عني ووظفوا روبوتاً”
لكن يبدو أن الذكاء الاصطناعي قد اقتحم سوق العمل وينافس البشر بالفعل، فرغم أن الاستعانة بتطبيقاته فيما يُعرف بـ”اقتصاد الوظائف المؤقتة” يحدث منذ وقت طويل، فإنها باتت تحقق تقدماً سريعاً في قطاعات أخرى وتقتحم سوق العمل، بحسب تقرير لشبكة ويتشه وله الألمانية.
وتناول تقرير الشبكة حالة مواطن يُدعى رينان رودريغيز، فقد وظيفته لصالح روبوت؛ إذ كان رودريغيز يحتفل بمرور عام ونصف العام على انضمامه إلى شركة “سموود” السويسرية، لكن الشركة قررت تسريحه بعد تزايد اعتمادها على تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وقال رودريغيز، البالغ من العمر 33 عاماً، والذي كان يعمل سائقاً لتوصيل الأطعمة، إن شركته السابقة استعانت بـ”روبوت” أصبح يقوم بعمليات التسليم ومناوبات العمل له ولزملائه.
وأضاف في مقابلة مع الشبكة الألمانية أن الشركة بدأت في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، منذ انضمامه إليها عام 2020، “لكن في مرحلة معينة أصبح الروبوت مسؤولاً بالكامل عن التخطيط ليوم عمله دون أدنى تدخل بشري”.
الهدف من استخدام “الروبوت” كان في البداية تنظيم عمليات التسليم بشكل أكثر فاعلية، فيما كان يرى صاحب العمل نجاح الروبوت في هذه المهام، على حد قول رودريغيز.
وأضاف أنه عندما بدأ العمل في الشركة كان يتم تسليم شحنتين في الساعة، لكن وصل الأمر إلى أربع أو خمس شحنات، في الوقت الذي غادر فيه الشركة، قائلاً “أدركت بسرعة أن الأمر سوف يكون كارثياً على المستوى البشري، رأيت الروبوت يعمل على تأليب الموظفين ضد بعضهم البعض”.
أشار رودريغيز إلى أنه رغم أن السائقين الأسرع والأفضل حصلوا على المزيد من العمل، فإنه لم يعد يعمل بالشكل الكافي، إذ إن عقد عمله لا يتضمن حداً أدنى من ساعات العمل أو راتباً شهرياً ثابتاً.
ولخّص وضعه بالقول: “أسوأ شيء في وظيفتي بالشركة كان يتمثل في إبلاغي بأنه توجد ساعة توقيت خلال ساعات العمل، وأن النظام العالمي لتحديد المواقع “جي بي أس” يتعقّبني في كافة الأماكن، وعلى مدار ساعات العمل من أجل معرفة… على سبيل المثال السرعة التي أقود بها السيارة”.
وأضاف أن هذا الأمر ضاعف من الضغوط النفسية عليه، إذ لم يكن بمقدوره الوقوف لتناول وجبة غذائية، لأنه كان يتعيّن عليه تنفيذ المهام على نحو سريع، قائلاً “أصبح الأمر محزناً على المستوى البشري”.
هل يمكن تقنين توظيف الذكاء الاجتماعي في أوروبا؟
فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، فإن التكتل بصدد إصدار قانونين رئيسيين، قد يكون لهما التأثير على طريقة دخول الذكاء الاصطناعي سوق العمل. ويشير القانون المقترح بشأن الذكاء الاصطناعي إلى أن إدارة الموظفين والحصول على عمل حر من أكثر الاستخدامات ذات المخاطر المرتفعة، فيما يتعين على الشركات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي أن تتعهد بالتزامات محددة، وعلى رأسها أعمال تقييم المطابقة.
ويشمل ذلك أيضاً أموراً أخرى منها جودة البيانات المستخدمة لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطبيق معايير الشفافية والرقابة البشرية والتزامات مراقبة الجودة بعد عمليات البيع.
أيدا بونس ديل كاستيلو، الباحثة في “معهد النقابات الأوروبية” البحثي، التابع لاتحاد نقابات العمال الأوروبي، ترى أن الأمر يعد “فرصة ضائعة”، إذ إن القانون المقترح ينص على أن بعض الالتزامات تقع على عاتق شركات التكنولوجيا، مع حظر تقنيات معينة مثل نظام التقييم الاجتماعي المرتبط بالحكومة الصينية.
وتضيف الباحثة أن التشريع الثاني يُطلق عليه “قانون توجيه عمل المنصة”، ويتعلق بطريقة إدارة الخوارزميات. فيما قالت المفوضية الأوروبية إن القانون سوف “يزيد من معايير الشفافية في استخدام الخوارزميات من قبل منصات العمل الرقمية، بما يشمل المراقبة من قِبل الإنسان لمدى احترام ظروف العمل، ويمنح الحق في الطعن في القرارات الآلية”.
وقالت إن القانونين المقترحين يجب أن يمنحا الموظفين القدرة على تحدي أي استخدام مريب للذكاء الاصطناعي من قِبل أصحاب العمل. وشددت على أنه يجب حظر استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالين هما: قراءة مشاعر الموظفين وتعليق حسابات العاملين في مجال الوظائف المؤقتة، مثل سائقي أوبر. مضيفة أنه “لا يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يعد بالأمر السيئ، لقد درست التكنولوجيا لعشرين عاماً، وأدركت أن الأمر برمته يتعلق بإدارة المخاطر التي يتعرض لها الأشخاص”.
وبالعودة إلى الشاب رودريغيز، فإنه يعتقد بضرورة سن تشريعات ولوائح تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي من قِبل الشركات. ويبدو أنه كان سعيد الحظ، فرغم استغناء شركته عنه فإنه نجح في الحصول على فرصة تدريب لتحقيق حلمه في أن يصبح سائق قطار.
كيف اقتحمت الروبوتات سوق العمل؟
ما كان يشير إليه رودريغيز وزملاؤه بـ”روبوت” ليس سوى “خوارزميات”، وهي عبارة عن سلسلة من العمليات الرياضية والحسابية اللازمة لحل مشكلة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالذكاء الاصطناعي. وقد أشارت المفوضية الأوروبية إلى “الخوارزميات” باعتبارها “أنظمة تُظهر أسلوباً ذكياً من خلال تحليل بيئتها واتخاذ الإجراءات- بدرجة معينة من الاستقلالية- لتحقيق أهداف محددة”.
ويرتبط استخدام الخوارزميات بشكل خاص بما يُعرف بـ”اقتصاد الوظائف المؤقتة”، خاصة في شركات مثل “أوبر” و “ديليفرو”، حيث يعمل الموظفون بعقد عمل، دون الالتزام بساعات محددة أو ما يُطلق عليه “عقود عمل صفرية”.
لكن مؤخراً، ازداد نطاق الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مختلف قطاعات الاقتصاد، حيث استولى على الوظائف المكتبية. إذ كشفت دراسة قامت بها شركة “برايس ووتر هاوس كوبرز” الاستشارية عام 2022، شملت ألف شركة، أن ما بين سدس وربع هذه الشركات قد استعانت بالذكاء الاصطناعي في عملية التوظيف أو الاحتفاظ بالموظفين، خلال الـ12 شهراً الماضية.
ووجدت الدراسة أن 40% من الشركات الأكثر تقدماً في هذا المجال، استخدمت الذكاء الاصطناعي في تحسين أداء الموظفين، واكتساب مهارات جديدة أو لزيادة إنتاجية العمل.
وقد سلّط تقرير نشرته منظمة OpenMind غير الربحية، والتابعة لبنك BBVA الإسبانى الضوءَ على ذلك، إذ جاء فيه أنه يمكن للشركات استخدام بيانات تتعلق بالموظفين أو المتقدمين للعمل بعدة طرق. وقال التقرير إنه يدخل في هذا الإطار “القرارات التي يتخذها موظفو الموارد البشرية بشأن التوظيف وتقييم أداء الموظفين، ومن ستتم ترقيته أو الاستغناء عنه، واختيار وتحديد الموظفين الذين سيتولّون مناصب قيادية، فيما يتم استخدام تحليلات الأشخاص أو تحليلات القوى العاملة لإدارة العمل”.
فعلى سبيل المثال، لدى شركة HireVue الأمريكية، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لاختيار المرشحين للوظيفة، أو تقييم أداء الموظفين، أكثر من 800 عميل، بما في ذلك شركات كبيرة مثل “أمازون” و “يونيليفر”.
وتقول الشركة إن إجراء مقابلات بالفيديو من شأنه أن يعمل على تسريع عملية التوظيف، بل وتوفير أكبر قدر من المرونة للمتقدمين، وجعل عملية التوظيف أكثر عدالة بدلاً من إجراء المقابلات في أماكن العمل. فيما ذهبت الشركة إلى القول إن هذه التقنية يمكن أن تقضي على أي شكل من أشكال التحيز، سواء بدافع العرق أو الجنس.
أي الوظائف أكثر عرضة للخطر؟
ورغم ذلك، أشار عدد من الخبراء والصحفيين في السنوات الأخيرة إلى وجود خطر وقوع تحيز بسبب العرق أو الجنس، حتى من خلال أعمال التوظيف التي تستعين بالذكاء الاصطناعي، وقد وجدت دراسة أمريكية، العام الماضي، أن الروبوتات التي يتحكم فيها الذكاء الاصطناعي ارتكبت أعمال تمييز ضد النساء والأشخاص من ذوي البشرة غير البيضاء.
وفي هذا الصدد، أصدرت لجنة تكافؤ فرص العمل في الولايات المتحدة ضوابط حيال استخدام الذكاء الاصطناعي في أماكن العمل، محذرة من أن “استخدام مثل هذه التقنيات قد يضر بفرص بعض طالبي العمل أو الموظفين من ذوي الاحتياجات الخاصة”.
لكن رغم ارتفاع حدة القلق من دخول الذكاء الاصطناعي إلى سوق العمل، يرى كثير من الخبراء أن ذلك لا يمثل تهديداً خطيراً للعاملين من البشر، بل يجب أن يصبح دافعاً لتطوير المهارات، واكتساب مهارات جديدة؛ نظراً لارتفاع حدة المنافسة، فالروبوتات مناسبة أكثر للقيام بالوظائف التي لا تتطلب كثيراً من الابتكار أو الإبداع، وتعتمد على التكرار فقط.
وفي هذا السياق توجد محددات عامة، يمكن من خلالها أن يعرف الشخص إذا ما كانت الوظيفة التي يؤديها تقع ضمن ” نطاق الخطر” ، أو المنافسة الشرسة من الذكاء الاصطناعي، أبرزها هل الوظيفة تندرج تحت توصيف “استراتيجية” أم “روتينية”.
وهل المهام التي يقوم بها الشخص ضمن وظيفته تنطوي على التكرار المطلق أم أنها متنوعة؟ وهل تشمل الوظيفة بُعداً ينطوي على دور رئيسي لتطوير كيفية القيام بها من جانب الموظف نفسه أو مديره؟ وهل يتخذ الشخص قرارات تؤثر على عمل الشركة بشكل عام، وليس فقط القطاع الذي تقع وظيفته في نطاقه؟ وهل تتسم تأدية الوظيفة أو المهام بالتعقيد أم أنها بسيطة ومباشرة؟ إلى آخر هذه النوعية من المحددات.
وقياساً على هذه النوعية من المحددات، يرى كثير من الخبراء أن هناك وظائف بعينها، معرضة أكثر لخطر المنافسة من جانب الروبوتات، أبرزها على الإطلاق وظائف التسويق والمبيعات عبر الإنترنت. ولا شك أن كثيراً منا قد تعامل بالفعل مع تلك الروبوتات، أو بالأحرى الخوارزميات خلال عمليات الشراء عبر الإنترنت.
والمجال الثاني هو خدمات ما بعد البيع أو دعم المستهلكين، وتتوسع شركات عالمية، مثل أمازون وعلي بابا وشركات الاتصالات وغيرها، كثيراً في استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال.
وثالثاً، في هذا السياق يأتي عمال المخازن، حيث تعتمد شركة أمازون بالفعل على الروبوتوتات لنقل البضائع في مخازنها وتوصيلها إلى مندوبي البيع. ثم تأتي الوظائف المكتبية كإدخال البيانات وأرشفتها، وهناك أيضاً وظائف مثل عمال تلقي المكالمات في قسم التعامل مع العملاء بشكل عام، إضافة إلى وظائف عامل صرف النقود في البنوك، والتي يتم استبدالها بماكينات الصرف الآلي. ثم تأتي وظائف الأغذية السريعة وغسيل الأطباق ووظائف التجميع ومراقبة الجودة داخل خطوط الإنتاج وعمال توصيل الطلبات.