مصلى باب الرحمة.. أطماع إسرائيلية تُمهد لاقتطاعه وتحويله لكنيس يهودي
Share
لم تتوقف أطماع الاحتلال الإسرائيلي في مصلى باب الرحمة شرقي المسجد الأقصى المبارك، بل يسعى بشكل حثيث إلى إعادة إغلاقه من جديد، وتفريغه من المصلين والمرابطين، في محاولة خطيرة لتحويله إلى كنيس يهودي، وفرض التقسيم المكاني في المسجد.
ومنذ السبت الماضي، تواصل شرطة الاحتلال اعتداءاتها على المصلى، من خلال اقتحامه بالأحذية وقطع الآذان، وتخريب شبكة الكهرباء والسماعات والإنارة، وكافة محتوياته، فضلًا عن طرد المصلين منه ومصادرة هوياتهم.
وبذلك، تعود معركة باب الرحمة إلى واجهة الأحداث من جديد، وتتصدر المشهد الفلسطيني، في مسعى إسرائيلي لفرض التقسيم المكاني بالمسجد الأقصى عبر اقتطاع المصلى ومحيطه في الجهة الشرقية للمسجد، ومحاولتها لفصل باب الرحمة عن سائر المسجد.
وباب الرحمة يعتبر من أقدم وأشهر الأبواب في السور الشرقي للأقصى، ويتمتع بمكانة دينية وتاريخية عظيمة، وهو مكون من بوابتين ضخمتين، هما الرحمة جنوبًا والتوبة شمالًا.
وسُمى هذا الباب لدى الأجانب بالباب “الذهبي” لرونقه وبهائه، ويقع على بعد 200 متر جنوبي باب الأسباط في الحائط الشرفي للسور، ويعود بنائه إلى العصر الأموي بدلالة عناصره المعمارية والفنية، وهو باب مزدوج يعلوه قوسان ويؤدي إلى باحة مسقوفة بعقود ترتكز على أقواس قائمة فوق أعمدة ضخمة.
وفي عام 2003، أغلقت شرطة الاحتلال مبنى باب الرحمة، حيث كان مقرًا للجنة التراث الإسلامي، واعتبرته سلطات الاحتلال أنه يستخدم لنشاطات سياسية، وفي عام 2017، أصدرت محكمة الاحتلال قرارًا قضائيًا يقضي بإغلاق المبنى إلى إشعار آخر، بموجب “قانون مكافحة الإرهاب”.
لكن في شباط/فبراير عام 2019، تحدى المقدسيون بصمودهم وإرادتهم القوية إجراءات الاحتلال، وأعادوا فتح مصلى باب الرحمة وأدوا الصلاة فيه، بعد إغلاقه 16 عامًا.
سياسة متدرجة
نائب مدير دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس الشيخ ناجح بكيرات يقول إن الاحتلال دائمًا ما يتبع سياسة التدرج في السيطرة على المقدسات، ولا سيما المسجد الأقصى، من أجل إخلاء باب الرحمة وتفريغه من المصلين، ومحاولته قطع هذا الشريان، باعتبارها منطقة مهمة للغاية.
ويوضح بكيرات، في حديث لوكالة “صفا”، أن الاحتلال يحاول من خلال عدوانه على مصلى باب الرحمة، تجفيف الوجود الإسلامي بداخله، لإتاحة المجال أمام المستوطنين المتطرفين لاقتحام هذا المكان المقدس.
ويضيف أن الاحتلال يتدرج في محاولة جعل باب الرحمة فارغًا من المصلين، بغية تحقيق أطماعه في إعادة إغلاقه مجددًا كما حدث عام 2003، واعتباره خارج حدود المسجد الأقصى وليس جزءًا لا يتجزأ منه، تمهيدًا لتحويله إلى كنيس يهودي، واستخدامه كجزء لا يتجزأ من “الهيكل” المزعوم.
ووفقًا لبكيرات، فإن سيطرة الاحتلال على باب الرحمة يعني وضع قدم له داخل الأقصى، بما يُمهد للسيطرة على الساحات في باب الرحمة، ومن ثم المصلى القبلي، وغيره من المصليات.
ويتابع “هذه سياسة إسرائيلية يجب أن نفهمها تمامًا، ونُدرك مدى خطورتها، وعلينا أن نُدرك بأن هناك صراع على الرواية، فهم يريدون تقديم راوية توراتية مزيفة، في مقابل إنهاء الرواية الإسلامية التي يُقدمها المعتكفون والمصلون داخل مصلى باب الرحمة”.
ويؤكد أن ما يجري في باب الرحمة سياسة ممنهجة للاستيلاء على المكان، وتفريغه من الوجود الفلسطيني، في محاولة لإرضاء المتطرفين، بأن يكون لهم مكانًا ورواية في تلك المنطقة.
ويتعرض المصلى لاستهداف إسرائيلي متواصل، عبر اقتحامه وتدنيسه، ومنع ترميمه، وملاحقة المصلين واعتقالهم وإبعادهم عنه، ناهيك عن الحملات التحريضية للجماعات اليهودية المتطرفة ضده، ومطالبتها المتكررة بالسماح بالدخول إليه وأداء الطقوس التلمودية فيه.
سيادة احتلالية
ويشكل ما يجري أيضًا-كما يبين بكيرات- محاولة لفرض سيادة إدارية إسرائيلية على مصلى باب الرحمة، عدا عن السيادة الأمنية، وكذلك التدخل في شؤون الأوقاف الإسلامية، كون هذا المكان يخضع لإدارتها، ولا يحق لشرطة الاحتلال الدخول إليه، وإلى غيره من المصليات.
ويشير إلى أن باب الرحمة بحاجة ماسة لأعمال ترميم كاملة، لكن شرطة الاحتلال تمنع ذلك، وتتدخل في إدارته وليس فقط بالسيادة عليه.
ويقول: إن “ما جرى على مدى الأيام الأخيرة من اقتحام للمصلى وأعمال تخريب واعتداء على محتوياته، بمثابة جس نبض لإعادة إغلاقه مجددًا، لكن من المستحيل تحقيق ذلك، لأن الفلسطينيين والمقدسيين حسموا الأمر تمامًا، ولن تعود العجلة للوراء”.
ويضيف أن “الاحتلال سيفشل في معركة باب الرحمة من جديد، لأننا حسمنا الأمر، وسيبقى الباب جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى، وعلينا مواصلة الرباط والاعتكاف فيه، وألا نستسلم لمحاولات شرطة الاحتلال مهما كان الثمن”.
ويدعو بكيرات، المقدسيين وكل من يستطيع الوصول للأقصى إلى الاعتكاف وتكثيف الرباط والتواجد في مصلى باب الرحمة، لإفشال مخططات الاحتلال ومساعيه لإنهاء الوجود المقدسي داخل الأقصى.