هل ينتهي ملف الأسرى والمعتقلين في الیمن بعد عملية تبادل جدیدة؟
Share
تلعب آلية تبادل الأسرى والمحتجزين دوراً محورياً في كبح النزاعات والصراعات والتخفيف من حدتها، وهي اليوم ربما تكون أحد أسباب تهدئة التوتر في اليمن والمضي نحو سلامٍ يجري الحديث عنه مؤخراً.
ولعل عملية تبادل الأسرى بين الحكومة وأنصار الله في أبريل 2023، أحد أهم أهدافها بث الثقة وخلق نوع من الاعتماد المُتبادل بين الطرفين لفتح الباب أمام المبعوث الأُممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، لدفع جهود السلام والجلوس على طاولة المفاوضات.
ويأتي هذا بالتوازي مع جهود إقليمية لعودة العمل بالهدنة والتوقيع على وقف دائم لإطلاق النار، خصوصاً مع عملية التفاوض الجارية في مسقط وصنعاء، فهل تكون عملية التبادل الأخيرة بوابة لإنهاء ملف الأسرى والمعتقلين؟ يتساءل مراقبون.
الثانية في تاريخ الأزمة
كان منتصف أبريل 2023، موعداً لبدء ثاني أكبر عملية تبادل بين الحكومة وجماعة أنصار الله منذ اندلاع الحرب عام 2015، والتي رعتها الأمم المتحدة والمبعوث الأممي إلى اليمن.
وأعلنت أطراف الصراع باليمن في فبراير الماضي، بجنيف، الاتفاق على تبادل 887 أسيراً ومحتجزاً، بينهم 706 أسرى من أنصار الله و181 أسيراً من الحكومة، بينهم جنود سعوديون وسوداني.
وبموجب الخطة التي بدأت في 14 أبريل، نُقل 250 أسيراً من أنصار الله من مطار عدن إلى مطار صنعاء، في مقابل نقل 72 أسيراً من قوات الحكومة إلى مطار عدن، بينهم وزير الدفاع الأسبق اللواء محمود الصبيحي وشقيق الرئيس السابق اللواء ناصر منصور هادي.
وفي 15 أبريل، نُقل 18 عسكرياً سعودياً بينهم ثلاثة سودانيين، من مطار صنعاء إلى مطار الرياض، بالتزامن مع نقل عناصر من جماعة أنصار الله من مطار خميس مشيط إلى مطار صنعاء.
ونُقل نجل وشقيق العميد طارق صالح عضو المجلس الرئاسي، من مطار صنعاء إلى مطار المخا، مقابل نقل عدد من عناصر أنصار الله من مطار المخا إلى مطار صنعاء.
وفي 16 أبريل ينقل 4 صحفيين وعدد من أسرى القوات الحكومية من مطار صنعاء إلى مطار تداوين في محافظة مأرب، مقابل نقل أسرى من أنصار الله من مطار تداوين في مأرب إلى مطار صنعاء.
اختراق جديد
ولعل هذا الاختراق في الأزمة اليمنية بتبادل الأسرى والمعتقلين، يأتي في وقتٍ عاشت صنعاء، لأول مرة، محادثات سعودية-حوثية علنية بحضور عُماني، وأثارت تساؤلات عدة عما إذا كانت ستُنهي حرب اليمن بعد ثماني سنوات من اندلاعها.
وبعد مرور عدة أيام على زيارة الوفد السعودي (8 – 13 أبريل)، وصفت وزارة الخارجية السعودية، لقاءات وفد الرياض مع جماعة الحوثي بالعاصمة اليمنية صنعاء، بأنها “تفاؤلية وإيجابية وتحتاج إلى استكمال بأقرب وقت”.
من جانبها قالت الوكالة الفرنسية، إن مغادرة الوفد السعودي برئاسة سفير المملكة لدى اليمن محمد آل جابر، جاء دون اتفاق نهائي إنما بتفاهم “مبدئي” حول هدنة وعقد جولة من المحادثات.
وأشارت إلى أن “هناك اتفاقاً مبدئياً على هدنة قد يتم الإعلان عنها لاحقاً إذا تم التوافق حولها بشكل نهائي”، مضيفة: “هناك اتفاق على عقد جولة خرى من المحادثات لبحث نقاط الاختلاف”.
وتأتي هذه الزيارة بعد التوصل إلى اتفاق على صفقة التبادل بعد أيام على إعلان السعودية وإيران توصلهما الشهر الماضي، إلى اتفاق على استئناف علاقاتهما الدبلوماسية بعد سبع سنوات من القطيعة.
بداية للحل السياسي
يؤكد وكيل وزارة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان اليمنية نبيل عبد الحفيظ، أن عملية تبادل الأسرى الجارية التي تقوم بها الحكومة والتحالف مع الحوثيين، تهدف بالأساس إلى “حلحلة هذا الملف بشكل رئيس”.
ويدلل في حديثه على ذلك بأن عملية تبادل الأشخاص تظهر أن الجانب الحكومي “أظهر تفاعلاً معها من خلال تسليم الحوثيين 4 أسرى، بعضهم قيادات، مقابل معتقل اختُطف من منزله، أو أسرى لديهم”.
ويبدي المسؤول اليمني أمله “في أن يكون هذا الأمر محفزاً للحوثيين في إنجاز عملية شاملة للتبادل”، مضيفاً: “هذا ما ننتظره، خصوصاً أن هناك اتفاقاً على عقد لقاءات بعد عيد الفطر المبارك”.
وتابع: “ننتظر أن يتم هذا اللقاء برعاية المبعوث الأممي، ونتمنى أن يكون التفاوض القادم بهدف إنهاء هذا الملف وتصفير السجون والمعتقلات بشكل نهائي، وإنهاء هذه المأساة التي يعانيها كثير ممن هم أسرى ومختطفون”.
ويرى أن هذا الملف في حال انتهى “وتمت عملية التبادل بصيغة الكل مقابل الكل، فإنه سيكون أرضية هامة للهدنة والجلوس على طاولة التفاوض السياسي والوصول إلى الحل السياسي الشامل والعادل وفق المرجعيات المتفق عليها، والذي يقضي بإنهاء الانقلاب وعودة مؤسسات الدولة وتسليم أسلحة الدولة، وأن تتحول هذه المليشيات إلى تنظيم سياسي”.
وخلص إلى أن “هذا أفضل سيناريو لإنهاء الحرب في اليمن”، متسائلاً دون إجابة واضحة: “هل بالفعل سيقبل الحوثيون بهذا السيناريو الآمن والهادئ، أم سيعودون إلى المماطلة والتسويف؟”.
انعكاس للاتفاق السعودي الإيراني
أما الصحفي اليمني عبد الله المنصوري، فيرى بدوره أن عملية التبادل الأخيرة “انعكاس أساساً للاتفاق الإيراني السعودي، والملف الإنساني، خصوصاً ملف المختطفين والأسرى”.
ويشير “المنصوري” إلى أن هذا الملف هو الأمر الأسهل للجميع لإثبات حسن النوايا من خلال هذه التفاهمات”، مجدداً تأكيده أن سرعة إنجاز هذه العملية بعد لقاء محدود في جنيف “تؤكد أن تأثير الاتفاق السعودي الإيراني ساهم في تنفيذه”.
ويوضح أن “عملية التفاوض بشأن التبادل الذي حدث هذه الأيام، بدأت منذ عام 2020 ولكنها تأخرت بسبب العوائق، إلا أن التحركات الأخيرة بالمنطقة سرَّعت التفاوض وإنجاز عملية التبادل”، معتبراً ذلك “مؤشراً جيداً، لأنه سيكون بادرة لإنهاء هذا الملف”.
ويتوقع المنصوري “حدوث مشاورات خلال الفترة القادمة، ربما تصل إلى إنجاز تبادل الكل مقابل الكل”، مؤكداً أن “الجميع يريد أن يعيد محتجزيه، والأطراف تواجه ضغوطات من قبل أتباعهم وأنصارهم والعائلات من أجل إنجاز هذا الملف”.
ويرى أن ملف المعتقلين والأسرى باليمن “ملف مؤرق للمجتمع الدولي ولمجتمع حقوق الإنسان، لأنه وضع أخلاقياتهم على المحك، وكشف كثيراً من الزيف الذي يحدث من قبل الجانب الدولي”.
إلا أنه يرى في الوقت ذاته، أن هذا الملف “شائك للغاية ومن أعقد الملفات، وفيه كثير من التحديات والصعوبات، والتي حالت دون إنجاز أي تقدم خلال السنوات الماضية، مثل وجود أسماء غير موجودة في السجون أو مختفين قسراً، ووجود شخصيات بارزة وآخرين عليهم قضايا جنائية”.
أكبر صفقة
كان اليمنيون قد استبشروا في أكتوبر 2020، بحلحلة ملف الأسرى والمعتقلين المعقد، بعدما استُكملت حينها أكبر عملية تبادل أسرى يشهدها اليمن بين الحكومة وجماعة الحوثيين.
وخلال ذلك الشهر نُفذت عملية تبادل لنحو 1081 من الأسرى والمعتقلين، معظمهم من الحوثيين، بعدما تكفلت الأمم المتحدة والصليب الأحمر بنقل أسرى ومعتقلي الطرفين بطائرات تابعة للصليب الأحمر، وكانت الوساطة محلية دون تدخل أممي.
ويومها كان من بين المفرج عنهم 15 أسيراً سعودياً، و4 أسرى سودانيين، كانوا لدى جماعة الحوثي، فيما لم يكشف الحوثيون أو الرياض عن عدد من تبقى من الأسرى لدى المليشيا المتمردة.
وكانت المفاوضات حول المعتقلين والأسرى قد بدأت مبكراً، وتحديداً في منتصف مايو 2016، في إطار المفاوضات بالكويت، بعدما توصل طرفا النزاع في اليمن إلى اتفاق التبادل بينهما، بالإفراج عن نصف المعتقلين لدى كل طرف منهما.
وتؤكد الحكومة اليمنية، أن المرحلة الثانية من تبادل الأسرى والمعتقلين سيبدأ النقاش حولها خلال الفترة القادمة من العام الجاري 2023، حيث من المرتقب أن يتم عقد مزيد من جولات التفاوض وصولاً إلى الإفراج الكلي على أساس قاعدة “الكل مقابل الكل”.