كيف يهدد تغيير المناخ بأزمة إنسانية في الشرق الأوسط؟
Share
لن يكون تأثير تغير المناخ محسوسًا في أي مكان بنفس القوة التي يشعر بها الشرق الأوسط، والذي ترتفع درجة حرارته مرتين أسرع من بقية العالم، ما يهدد بعواقب وخيمة، ليس فقط على المنطقة نفسها، التي ستواجه قريبًا عددًا لا يحصى من الأزمات الإنسانية، ولكن أيضًا على الدول الغنية المسؤولة عن تغير المناخ في المقام الأول والتي ترفض فعل ما يكفي للحد من آثاره.
هكذا يخلص تحليل “المركز العربي واشنطن دي سي”، الذي يتوقع أن “تغير المناخ سيتسبب في فوضى في جميع أنحاء العالم، ويدمر الأرواح وسبل العيش، ويغير بشكل جذري أساليب الحياة بأكملها”.
ويضيف: “مع فشل المجتمع الدولي حتى الآن في اتخاذ إجراءات ذات مغزى بشأن هذه القضية، ومع تقرير حديث للأمم المتحدة يشير إلى أن العالم لن يكون على الأرجح قادرًا على تحقيق هدفه المتمثل في إبقاء الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، ستستمر البشرية بلا شك في القيام بذلك في المعاناة لعدة عقود مقبلة”.
ويشير التحليل إلى أنه في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تعاني من تغير المناخ، بسبب ندرة المياه تارة والتصحر تارة أخرى، وباتت الأراضي الزراعية تسمم بسرعة بالأملاح، مما يهدد الإمدادات الغذائية.
كما أصبحت حرائق الغابات الهائلة حدثًا سنويًا في المنطقة، حيث تحرق مساحات شاسعة من الغابات القليلة التي ما زالت البلاد متبقية.
وتهدد تكرار الأحداث المناخية المتطرفة، ودرجات الحرارة المرتفعة بشكل لا يطاق، والضغوط السكانية المتفاقمة مع المناخ، بإحداث أضرار لا يمكن إصلاحها في الأراضي والممتلكات والأشخاص.
بالإضافة إلى ذلك، فقد ثبت أن تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم النزاعات المسلحة الحالية، بل ولديه القدرة على التسبب في نزاعات جديدة، خاصة أن طبقات المياه الجوفية في المنطقة، والتي يتم تقاسم الكثير منها، بدأت في الجفاف.
كل هذه التحديات تأتي مع آثار جانبية كبيرة، وفق التحليل الذي يقول إن “درجات الحرارة المرتفعة في الخليج، تؤدي بالفعل إلى خسائر فادحة في صحة العمال المهاجرين، ومن المؤكد أن النتائج الصحية السلبية ستتضاعف مع مرور السنين”.
ويضيف: “مع استمرار تزايد هذه الضغوط، ستصبح الهجرة المرتبطة بالمناخ، والتي بدأت بالفعل في الشرق الأوسط على المستوى المحلي، واحدة من أقوى القوى الدافعة في السياسة والاقتصاد العالمي”.
وينتقد التحليل تباطؤ المجتمع الدولي بشأن تغير المناخ، لافتا إلى أن أول مؤتمر عالمي للمياه عقد منذ 46 عامًا في مارس/آذار الماضي فقط.
ويضيف: “هذه الفترة الطويلة في معالجة مثل هذه القضية الحاسمة، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتغير المناخ، بالإضافة إلى حقيقة أن المؤتمر نتج عنه أكثر قليلاً من الالتزامات الطوعية، ليس من المستغرب، بالنظر إلى أن الكيانات الأربعة التي تصدر معظم غازات الاحتباس الحراري (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين والهند) والتي فشلت جميعها في تقليل انبعاثاتها إلى المستويات المتفق عليها في اتفاقية باريس لعام 2015”.
ويتابع: “حتى مؤتمر المناخ السنوي للأمم المتحدة، أصبح أكثر من مجرد لحظة علاقات عامة للجهات الفاعلة السيئة، ولم ينتج عنه سوى القليل جدًا من التطورات المفيدة حقًا”.
ويشير التحليل إلى استضافة مصر لموتمر (كوب-27) العام الماضي، وشهد توقيع القاهرة صفقات بمليارات الدولارات في مجال الطاقة والنقل، مع الارتقاء إلى سمعته كواحد من منتهكي حقوق الإنسان الرائدة في العالم، من خلال قمع الاحتجاجات خلال المؤتمر، لضمان تمتع قادة العالم باجتماعاتهم في سلام
ويزيد: “كما أن حقيقة تعيين الإمارات لرئيس شركة النفط التي تديرها الدولة رئيسًا لمؤتمر المناخ هذا العام (كوب-28) يشير بالتأكيد إلى أن المزيد من الشيء نفسه سيحدث”.
ويلفت إلى أن “هذا جزء كبير من المشكلة، حيث لا يزال يُنظر إلى الاستجابة لتغير المناخ على أنها فرصة عمل واستراتيجية استثمار، وفرصة أخرى للمضي قدمًا في السعي اللامتناهي لتحقيق الأرباح”.
ويستطرد: “طالما أن الطاقة المتجددة والمشاريع الأخرى للتخفيف من تغير المناخ يُنظر إليها من منظور الأعمال ورأس المال بدلاً من الضرورات الإنسانية والبشرية، ستظل الأرباح مقدمة على الأرواح”.
ويشدد التحليل على “أهمية التعامل مع تغير المناخ باعتباره أزمة إنسانية عالمية حقيقية عابرة للحدود، ويجب أن تكون مقترحاتنا بنفس حجم المشكلة، إن لم تكن أكبر”.
ويطالب بمنح الجهود للمجتمع المدني بدلاً من الشراكات التي يحركها الربح، مع وضع نظام ضريبي إلزامي تصاعدي عالمي وتدابير إعادة توزيع واسعة النطاق، واستثمار عالمي ضخم للطاقة والتمويل في البحث والتطوير السريع للأدوات والتكنولوجيا لمكافحة تغير المناخ، وإنشاء كيان دولي له تفويض عالمي وسلطة فعلية لفعل شيء ما.
ويشيد التحليل ببعض الخطوات المترددة التي اتخذت في الاتجاه الصحيح، مثل الاتفاقية التاريخية لإنشاء صندوق “الخسائر والأضرار” لمساعدة البلدان النامية على مكافحة آثار تغير المناخ.
ويقول: “على الرغم من أن هذا بالتأكيد تطور بالغ الأهمية، وأنه يعترف لأول مرة، وإن كان بشكل غير مباشر، بحقيقة أن العالم المتقدم مسؤول إلى حد كبير عن تغير المناخ، وأنه يدين بتعويضات للبلدان التي تعاني من آثاره الضارة، إلا أن القليل من التفاصيل فيما يتعلق بالصندوق قد تم تسويتها، ومن المرجح أن تظل لفتة أكثر من كونها خطة شاملة”.
كما يشيد التحليل بإقرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بأهمية تغير المناخ، وإدخال تدابير للمساعدة في مكافحته في الداخل والخارج، إلا أنه ينتقد موافقتها أيضًا على مشروع ضخم للتنقيب عن النفط لمدة 30 عامًا في ألاسكا، والذي من المحتمل أن يقوض أي خير تقوم به مبادرات الولايات المتحدة الأخرى.
ويتابع: “ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للمستقبل هو قضية الهجرة الناجمة عن تغير المناخ”.
ويزيد: “على الرغم من أن إدارة بايدن أصدرت تقريرًا حول هذه المسألة، إلا أن آثارها الإيجابية القابلة للتنفيذ لا تزال غير مرئية”.
ويضيف: “الأهم من ذلك، مع وجود الولايات المتحدة والعديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مهووسين حاليًا بمنع الهجرة إلى أقصى درجة ممكنة، فمن السهل تخيل الإجراء المستقبلي بشأن الهجرة المتعلقة بالمناخ، وهي مبادرات متنوعة تركز جميعها على المصلحة الذاتية، تضمن إبقاء الناس في البلدان النامية حيث هم، حتى لو كان ذلك يعني المزيد من المعاناة”.
ويشدد التحليل: “بدلاً من مجرد تطوير مبادرات إضافية مدفوعة بالربح وتدابير تركز على الأمن القومي أو وضع حلول مجزأة وسريعة، يجب على المجتمع الدولي أن يبدأ في رؤية ذلك على أنه أزمة إنسانية عالمية لا تعرف حدودًا”.
ويضيف محذرا: “ما نحتاجه الآن هو حلول شاملة قصيرة وطويلة المدى تهدف إلى مساعدة أكبر عدد من الناس، بغض النظر عن الجنسية، فما لم يتم اتخاذ إجراءات مهمة في القريب العاجل، فإن العالم بأسره سيعاني بشدة من موجة تلو موجة من الأزمات الإنسانية الرهيبة”.
ويختتم: “كما كان الحال في كثير من الأحيان، فإن بلدان الجنوب العالمي، وخاصة الشرق الأوسط، سوف تتحمل مرة أخرى العبء الأكبر من عواقب شخص آخر”.