تزينت مائدة الفلسطيني أحمد أبو شعبان بوجبة المفتول الشعبية، والمحاشي المُحبَبة، والمُجهزة لاستقبال شقيقاته وأشقائه وأولادهم على سُفرة الإفطار الرمضانية، والتي اعتاد تقديمها لهم خلال شهر رمضان من كل عام.
ورافقت الأجواء الأُسرية والشعور بالألفة والمحبة الأشقاء والشقيقات المجتمعين حول المائدة، قُبيل أذان المغرب، في طقس رمضاني يغلب على الأسر الفلسطينية، في مسعى لزيادة الأواصر المُجتمعية والعائلية وتقوية العلاقات من خلال مشاركة الطعام، وما تعقبه من جلسات السَمر.
ولا ينقطع أهالي قِطاع غزة عن دعوة بعضهم بعضا إلى الولائم والعزائم في المُناسبات العامة والعائلية، إلا أن تلك العادة الاجتماعية تتزايد مع حلول رمضان، وتحديدا بعد النصف الأول من شهر الصوم، حيث يبدأ الأهالي والأقارب والأنساب والجيران بدعوة بعضهم بعضا لتناول طعام الإفطار.
وتتنوع أصناف العزائم الرمضانية، والتي تبدأ بصِلة الرحم، مع دعوة البنات المتزوجات إلى بيت والدهن برفقة أزواجهن، ودعوة العَمات وأزواجهم إلى منازل إخوتهم، كذلك دعوة الشقيقات والأشقاء إلى بيوت إخوانهم، وتبدأ الدائرة بالاتساع وصولًا إلى الأقارِب من الدرجة الأولى، كذلك الأنساب، والأصدقاء. ويحرص مُعظم من تتم دعوته إلى مائدة الإفطار على رد تلك الدعوة في وقت لاحق خلال شهر رمضان.
وتكتسي عزائم شهر رمضان طابعا مُختلفًا عن بقية أشهر العام، إذ يتجمع الأهل على مائدة الإفطار لتناول الطعام والمشروبات الخاصة بالشهر، كالخروب والكركاديه والتمر هندي، ومن ثم تناول حلوى القطايف وأصناف التمور، ويتشاركون صلاة التراويح، لتبدأ بعدها السهرة المسائية، والتي يتم فيها تبادل أطراف الحديث.
ويقول أحمد أبو شعبان إنه تربى مُنذ صِغره على تلك العادات، إذ ورث والده عادة العزائم الرمضانية عن جده، حيث كان يقوم بدعوة عمات والده في يوم، وأقاربه في يوم آخر، مُضيفًا “ما زلت متمسكا بتلك العادة، حيث أقوم بدعوة أخواتي وأزواجهن”.
ويوضح أبو شعبان أن العزائم لا تقتصر على كونها دعوة لتناول الطعام والشراب والحلويات فقط، وإنما تتجاوز ذلك من خِلال قيمتها الاجتماعية العالية، والتي تُقرب أفراد العائلة الواحِدة.
ويحرص من يلبي الدعوة إلى الوليمة على رَدها بعد أيام، من خلال توجيه الدعوة مُجددا لأصحاب الوليمة الأولى، على قاعِدة ردّ الجميل، والتشارك في المعروف، والحِفاظ على تلك العادة المتوارثة كي تبقى حاضِرة وتتعلمها الأجيال الجديدة، فيما يحمل الضيوف المدعوون إلى العزائم الهدايا لمُجاملة أصحاب الوليمة، بحسب قدرتهم المادية.
ويقول الفلسطيني كارِم كُلاب، من حي النصر، وسط مدينة غزة، إن العزائم الرمضانية من السُنن القديمة والتي اتبعها الأجداد، وتزيد من التواد والترابط العائلي والمُجتمعي، حيث تُزيل كل الفوارق وتجمع الكُل على مائدة الإفطار كعائلة واحِدة.
ويوضح كُلاب، والذي اعتاد على دعوة أقاربه على طعام الإفطار، أهمية توارث تلك العادة الحميدة، والتي تتجاوز معنى الطعام والافطار وتمنح الجميع مساحة من الوقت للتقرب من بعضهم بعضا، في ظل انشغالات الحياة وسرقة وسائل التواصل الاجتماعي للوقت، “يُمكن أن تُساهِم تلك الوسائل في أن تشغلنا بعض الوقت، لكن لا يُمكنها أن تنسينا بعض العادات الاجتماعية الهامة”.
ويتشارك في العادة ذاتها الفلسطيني وسيم جاد الله، ويوضح أنها صفة أسرية واجتماعية جيدة، يشعر من خلالها المجتمعون بالترابط الأسري والاجتماعي، كما تمنحهم حالة من السعادة وأجواء المرح التي يفتقدونها في ظل تسارع الحياة وأزماتها.
ولا يمنع سوء الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمُر فيها قِطاع غزة المُحاصر مُنذ عام 2006 الفلسطينيين من التمسك بتلك العادة الرمضانية القديمة، والتي يرون أنها حميدة، تُقوي الروابط الأُسرية والعائلية، كما تزيد من التقارب بين الأنسباء والجيران والأصدقاء.