هدر الطعام في الأردن.. سلوك اجتماعي يتناقض مع روح رمضان
Share
تزداد في شهر رمضان كميات الطعام الذي يقدم على الموائد الأردنية، وهدر كميات كبيرة منه بسبب الإفراط في شراء واستهلاك المواد الغذائية، ما يتناقض بوضوح مع روح الشهر. ويرى محللون أن هذا النمط الاستهلاكي لا يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية، لكن التقاليد والعادات الاجتماعية تفرض الحضور القوي لهذه الظاهرة غير الصحية.
تقدر منظمة الأغذية والزراعة “فاو” التابعة للأمم المتحدة كميات الطعام التي تهدر في الأردن بحوالي 950 ألف طن سنوياً، فيما يكشف تقرير متخصص أصدره مكتب برنامج الأمم المتحدة للبيئة غرب آسيا عام 2021 أن نسبة 34 في المائة من الطعام المقدم على الموائد الأردنية تُهدر، ما يُساهم في زيادة التحديات المرتبطة بفقدان الأغذية. ويلفت إلى أن “العادات الثقافية المتبعة تترك كميات كبيرة من الطعام على مدى فترات قصيرة. وخلال شهر رمضان تظهر الأبحاث أن بين 25 و50 في المائة من الطعام الذي يعد يُهدر”.
في السياق، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة، رامي الحباشنة، إنّ “هدر الطعام يحصل في المجتمعات العربية عموماً، وهو مرتبط بالوفرة المالية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يحصل هذا الهدر، ولماذا يتضاعف في مجتمعات دول غير غنية يعاني مواطنوها من ظروف اقتصادية صعبة؟”.
ويوضح: “يخشى الأردني أن يقال عنه إنه شخص بخيل، لذا لا يدير في الغالب أموره المالية استناداً إلى احتياجاته وظروفه، بل بما يتناسب مع رؤية المجتمع لوضعه، ويبحث بالتالي عن رضا الآخرين عنه أكثر من الرضا عن نفسه، ما يرهق ميزانيته في وقت يتطلب المناخ العام السائد عدم التبذير والإسراف، وهكذا يظهر جلياً المفهوم الخاطئ المرتبط بالذهنية والوعي المجتمعي”.
ويشير إلى أن “التجار والمستهلكين يهدرون نصف الخضار والفواكه ومئات الأطنان من الخبز، وخلال تفشي جائحة كورونا اشترى الكثير من الأردنيين أضعاف كميات السلع التي يحتاجونها، فذهبت كميات كبيرة منها بعد ذلك إلى حاويات القمامة”.
وينقل الحباشنة عن ابن خلدون قوله إن “المجتمعات التي لا تقوم على أسس علمية تميل إلى الإشباع البيولوجي أكثر من إشباع الوعي والعقل، وتعتقد بأن إراحة الجسد تريح العقل. ووفق ثقافة المجتمع الأردني ترى الكثير من الأمهات أنهن إذا أشبعن أطفالهن يمنحنهم أعلى الدرجات من مشاعر الحنان”.
ويتحدث أيضاً عن أن “جزءاً كبيراً من دعوات الإفطار خلال شهر رمضان يرتبط بصلة الأرحام أي الأقرباء، ما يجعلها بروتوكولات اجتماعية تستند إلى منطق يفيد بأنه إذا احتاج أقارب إلى مساعدة يمكن توفيرها من دون محاولة الإبهار الاجتماعي. لكن هناك طرقاً بديلة للمساعدة بينها إعطاء مبالغ مالية تصرف وفق الاحتياجات”.
ويعطي الحباشنة مثالاً عن الهدر الذي يحدث خلال دعوات الطعام، ويقول: “لدى تقدير كميات أكل المدعوين بـ 3 كيلوغرامات من اللحوم، يجري إعداد مائدة بكميات طعام مضاعفة عن هذه الحاجة. وكل ما يزيد يذهب هدراً، فالمجتمع العربي المسلم ينفذ ممارسات هدر الطعام في مقابل اتخاذ المجتمع الغربي تدابير منضبطة، ما يعني أن الأمر لا يرتبط بالإيمان بل بالوعي”.
يتابع: “لم يعد التراحم الاجتماعي في السنوات الأخيرة مثل السابق في الأردن، وزالت مظاهر عدة منها مثلاً تبادل صحون الطعام بين الجيران. وقيم الرأسمالية التي تعتمد على الأنا هي الطاغية، وهناك مقولة أصبحت رائجة في الأردن، وهي نحن لنا بدفتر العائلة، أي الاهتمام بأفراد الأسرة الصغيرة فقط، ما يشير إلى أن الفكر المسيطر هو أن يكون الشخص بخير لوحده مع أسرته، ما يخلق صراعاً مع بعض العادات القديمة التي كانت فيها صحون الطعام تدور على عدد من الأسر، فالآن فأصبح الجميع كلٌّ يهتم بنفسه”.
وفي مقابل هذا الهدر، أخذت بعض الجمعيات الخيرية على عاتقها تحمّل مسؤولية جلب الطعام الزائد الصالح للاستهلاك من فنادق ومطاعم وأسر وتوزيعه على فقراء ومحتاجين.
وتنفذ جمعية “بسمة الحياة” الخيرية المتخصصة في العمل الاغاثي والإنساني مبادرة بعنوان “حفظ النعمة” للحدّ من هدر الغذاء من خلال جمع الطعام الزائد من الفنادق وإعادة توزيعه على الأسر المعوزة والفقيرة.
ويوضح المدير التنفيذي لجمعية “بسمة الحياة”، يحيى أبو ذياب، أن “المبادرة تجمع حالياً الطعام المتبقي من فندقين من فئة خمس نجوم في العاصمة عمان، ثم تنقل الكميات إلى المناطق الأكثر فقراً وتوزع على العائلات المعوزة” .
ويشير إلى أن “المبادرة تكون أكثر زخماً خلال شهر رمضان، وتعتمد على توزيع الغذاء المتبقي في الفنادق والذي لم تلمسه الأيادي على المحتاجين. وفي الأيام العادية تقدّر كميات الطعام الباقي في هذه الفنادق بحوالي 35 في المائة من الكمية المخصصة سواء للزبائن أو المدعوين الذين يحضرون مناسبات خاصة. أما في رمضان فتصل كميات الطعام الباقي إلى حوالي 50 في المائة.
ويشرح أبو دياب أن جمعية “بسمة الحياة” تتحمل تكلفة توفير السيارة المبردة التي تنقل الطعام من الفنادق إلى المحتاجين، وكذلك الأدوات المستخدمة لتعبئة هذه الأغذية وتغليفها، ومواصلات نقل المتطوعين من الفنادق وإليها في مرحلة أولى، ثم إلى مناطق توزيع الطعام.
ويشير أيضاً إلى أن “توزيع الأغذية يحصل عادة بالتعاون مع جمعيات خيرية تعمل في المناطق المستهدفة. والأهم في العملية هو الحفاظ على سلامة الأغذية حيث يُنقل فقط الطعام الصالح والآمن من خلال سيارات مبردة، ويوزع مباشرة على العائلات المحتاجة خلال ساعات”.
ويصف أبو دياب تجربة حفظ النعمة بأنها “ناجحة استناداً إلى تقييم أراء المستفيدين الذين طالبوا الجمعية بعدم قطع هذه النوع من الغذاء، معتبرين أن هذه الأصناف من الطعام والحلويات غير معروفة بالنسبة إليهم كما أن جودتها عالية ولا يستطيعون الحصول عليها بسبب الصعوبات المعيشية”.
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي حسام عايش: “ترتفع في رمضان فواتير الطعام والشراب لدى الأسر الأردنية وغالبية الأسر العربية، بزيادة 50 في المائة على الأقل، ما يزيد الطلب ويرفع الأسعار، ويجعل الفقراء وأصحاب الدخل المحدود يواجهون صعوبات في التكيف مع هذا الارتفاع، وصولاً إلى إجبارهم على تناول طعام غير صحي، أو تقليل كميات الطعام التي يستهلكونها، أو الاقتراض ثم تأجيل الالتزامات المرتبطة بمدفوعات الفواتير”.
ويقدّر عايش قيمة هدر الطعام في الأردن بما لا يقل عن 120 مليون دينار (170 مليون دولار) شهرياً، ويقول: “فيما يضاعف الاستهلاك قيمة الطعام المهدور من الضروري أن تركز الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني على تطبيق تدابير للاقتصاد في المناسبات وشهر رمضان، وبينها تخفيض الضرائب المفروضة على المشتريات المختلفة للفقراء كي تتاح لهم فرصة الحصول على احتياجاتهم الغذائية بتكلفة أقل للاستمتاع بشهر رمضان أو حتى قيمة فواتير الخدمات او تقسيطها للسماح لهم بالتعامل مع رمضان في شكل ممتع بدلاً من زيادة مشاكلهم وأزماتهم”.
ويشير إلى أن الأرقام الرسمية في الأردن تحدد نسبة الفقراء بـ 15.7 في المائة، علماً أن تصريحات نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير الدولة لتحديث القطاع العام ناصر الشريدة خلال أزمة جائحة كورونا كانت حددت نسبة الفقر بحوالي 24 في المائة، ما يعني أن ربع السكان فقراء، وأن عددهم يتجاوز المليون ونصف المليون، وهي نسبة مرتفعة.
وبحسب عايش لا يبلغ الفقر في الأردن درجة الوضع المعدوم، فهم يحصلون على الاحتياجات لكن بجودة منخفضة.