تعرضت مناطق متفرقة في قطاع غزة لقصف من قبل الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام الأخيرة، بعد إطلاق فصائل المقاومة الفلسطينية صواريخ من القطاع رداً على اعتداءات شرطة الاحتلال في القدس على المصلين والمرابطين في المسجد الأقصى، وتعديهم على حرمة المسجد، وتعذيب المصلين داخله بالتزامن مع صلاة التراويح ومعايشة عبادات شهر رمضان.
يكاد الغزيون يعتادون على الاعتداءات الإسرائيلية خلال شهر رمضان من كل عام، وعلى التوترات الدائمة على حدود القطاع المحاصر، لكن لا يمكنهم الاعتياد على حرمانهم من الانتقال إلى القدس المحتلة للصلاة في المسجد الأقصى، بينما يتمكن بقية الفلسطينيين من فعل ذلك رغم القيود والتضييق الأمني الشديد.
يقول الفلسطيني موسى عابد (57 سنة): “منذ عام 2014، لم ينعم الغزيون بالهدوء في شهر رمضان، إذ إنهم على موعد مع قصف إسرائيلي، أو عدوان ينغص عليهم فرحة الشهر. دمر قصف الاحتلال مصدر رزقي، وهي دكانة بقالة كنت أمتلكها في حي الشجاعية أثناء مجزرة شهر رمضان 2014. أعيش حالة من الفقر منذ ذلك الوقت، وحصلت على تعويض بعد أربع سنوات، لكني أنفقته على تسديد الديون، ومن بعدها افتقدت طعم الشهر، وأشعر بالقلق عند قدومه، كأنه مكتوب على أهل غزة عدم الشعور بالفرحة”.
يضيف عابد: “في بداية رمضان، كانت هناك توترات وتهديدات من جيش الاحتلال، وتوقعت أن يكون هناك قصف، وهذا ما حدث بالفعل. كان القصف مرعباً، واستهدف عدداً من المناطق في القطاع من ليلة الخميس حتى صباح الجمعة. رمضان محفوف بالمخاطر بالنسبة لنا، وطقوسه تتبدل بالحزن، وذكريات مجزرة الشجاعية لا تزال عالقة في نفوسنا”.
تكرر العدوان الإسرائيلي ثلاث مرات في شهر رمضان، وقضى الغزيون أيامًا تحت القصف، واستشهد المئات في عدوان عام 2014، والعشرات في عدوان أواخر مايو/أيار 2019، واندلع العدوان الثالث في نهاية رمضان من عام 2021، راح ضحيته عشرات الشهداء.
يعتبر سامي العسلي (47 سنة) من بلدة جباليا شمالي قطاع غزة، أن استعدادات شهر رمضان كانت محفوفة بالقلق، وأنه لاحظ منذ بداية الشهر الحديث يدور في الأسواق حول عدوان جديد، ويضيف: “كأنها أصبحت عادة في شهر رمضان، يشن الاحتلال هجمات على أهداف بالقطاع، فيقلب المشهد الديني الاجتماعي إلى أحزان، خصوصاً في منطقتي القريبة من الحدود، ونحن نترقب دوماً انتهاء القصف بحذر حتى نستطيع مغادرة منازلنا لقضاء حاجاتنا وشراء مستلزماتنا”.
يوضح العسلي: “في العام الماضي، كان الغزيون على موعد مع القصف الإسرائيلي نتيجة التوترات الحاصلة مع المعتكفين في المسجد الأقصى أثناء شهر رمضان، وفي كل عام، يزيد الاحتلال، ويزيد الحصار، وهذا يحكم معيشتنا، ففي أي وقت يمكن أن نتناسى شهر رمضان أو العيد بسبب اعتداء جديد”.
كان محمد شاهين (45 سنة) يترقب عودة الهدوء على مدار يومين بعد القصف الإسرائيلي حتى يسمح لأطفاله بالخروج للعب بالقرب من الأرض الزراعية أمام منزله. كان يشعر بالقلق منذ بداية شهر رمضان، خصوصا مع تواتر ظهور طائرات الاستطلاع في السماء. فقد شاهين عددا من أفراد عائلته وأصدقائه في اعتداءات شهر رمضان 2002 و2005، والتي شهدت عمليات اغتيال نفذها جيش الاحتلال، كما فقد أقارب في عدوان 2014. يقول: “لا شهر رمضان ولا حتى العيد نعرف له طعماً، من بين عاداتنا إقامة مناسبات رحمة على شهدائنا في رمضان وفي العيد لكي يبقوا في الذاكرة، ونعيش منذ بداية الشهر في قلق، نترقب القصف، ونلاحق الأخبار العاجلة”.
تغيرت حياة محمد الأسطل (47 سنة) بعد شهر رمضان 2021، حينها تضرر منزله، وجرح اثنان من أبنائه بينما كانوا على مائدة الإفطار في مدينة خانيونس، وهو يذكر عندما كانت دماء ابنيه حسين (15 سنة) ومراد (17 سنة) تغرق مائدة الإفطار التي كانت شاهدة على إصابتهم، وهو يعيش حتى الآن حالة نفسية صعبة زادت بسبب القصف الأخير. لا يستطيع نسيان مشهد دماء أبنائه، ويعتبر أن أجواء قطاع غزة في المناسبات السعيدة أو الدينية مرهونة بالوضع السياسي الذي يتحكم فيه الاحتلال.
يقول: “القصف الإسرائيلي حول أفضل مائدة بالنسبة لكل المسلمين إلى مائدة تحمل ذكريات أليمة، مع كل قصف تعود ذكريات إصابة أولادي، نحن عائلة مسالمة، لكن تغيرت طقوسنا منذ تلك اللحظة، ونقول عند قدوم شهر رمضان سنوياً الله يسترنا”.