دماء “شهداء المعرفة” ذهبت سُدًى مع منع طالبان الفتيات من الدراسة
Share
الهجوم الانتحاري الذي استهدف مركز “كاج” التعليمي في 30 أيلول/سبتمبر 2022 غربي مدينة كابل، والذي يدرس فيه التلامذة الهزارة الشيعة استعدادا لخوض امتحان دخول الجامعات، أسفر عن استشهاد 53 شخصا وإصابة 110 آخرين حسبما أفادت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما).
ونُفذ الهجوم الانتحاري عندما كان التلامذة موجودين للمشاركة في اختبار تجريبي لدخول الجامعات، وبما أن التلامذة الفتيات كن يجلس في الصفوف الأمامية لمقر إقامة الامتحان، فان معظم الضحايا كانوا من الفتيات اليافعات.
وعزت حكومة طالبان هذا إلى تنظيم داعش وأعلنت أنها قتلت ستة من أفراده.
واستتبعت الهجوم على مركز كاج التعلمي ردود أفعال واسعة على صعيد أفغانستان والبلدان الأخرى، ودشن رواد مواقع التواصل الاجتماعي وسم (هاشتاغ) “أوقفوا إبادة النسل”، ليلفتوا بذلك انتباه واهتمام المراقبين والسياسيين الأجانب لموضوع الإبادة التي يتعرض لها الهزارة.
والان وبعد مضي ستة أشهر على هذا التفجير الانتحاري، لم يحظ الناجون من هذا الحادث الأليم، بدعم وإسناد حكومة طالبان والمجتمع الدولي فحسب، بل تحولت آمالهم إلى خيبة أمل بسبب إغلاق الجامعات.
وقالت فاطمة أميري، إحدى مصابات الهجوم الإرهابي على مركز كاج التعليمي غربي كابل حول مراحل علاجها لمراسل شفقنا: أنا موجودة الان في تركيا لانه بات من المستحيل التداوي في أفغانستان. وبما أن علاجي كان معلقا لمدة ثلاثة أشهر ويمرّ وقت طويل على حدوث فراغ في عيني، فقد تيبست عروق عيني، ويقول الأطباء أنه لا تتوافر إمكانية العلاج أو زراعة العين. وأصبحت عملية التجميل والعين الاصطناعية الخيار الوحيد الذي ينصح به الأطباء.
وتابعت: “إضافة إلى العين، فقد تضررت أذني اليسرى أيضا وليس بوسعي السماع كما السابق. ما زالت شظايا الانفجار مستقرة في جسمي، وإن لم يتم إخراجها، فثمة أحتمال أن أُصاب بالشلل.”
الكوابيس التي لا تفارق فاطمة
وعن تفاصيل يوم الانفجار تقول فاطمة: المشاهد التي رأيتها، هي الأجساد الممزقة لأقرب أعزائي، وتضرج جميع أصدقاتي في دمائهم. الأصدقاء الذين التأمنا معا لسنتين من أجل الدراسة، وكيف أنهم دفنوا مع آمالهم وأحلامهم. رأيت بيتي الثاني كيف دُمّر وأبيد.
وأوضحت” “أن ذكريات الحادث الذي فقدت فيه بصري وسمعي تراودني في كل لحظة. إن تلك الكوابيس لا تفارقني، وأندم أحيانا على الخلود إلى النوم. لا أستطيع نسيان هذا الحادث، ولا أسمح لنفسي أن أنسى هذه الكارثة، لأني وعدت الشهداء ألا أنساهم وأن أعمل وأجهد من أجل أحلامهم.”
وتمضي الناجية من حادثة كاج تقول: “إن هذه الحادثة منحتني قوة وشعورا بأني لا أُهزم، وفي كل مرة أواجه فيها الفشل والهزيمة، أسعى ثانية بمزيد من الدافع والحافز.”
إغلاق الجامعات ومدارس الفتيات، رشّ الملح على جرح الناجين
وأشارت السيدة أميري إلى إغلاق حكومة طالبان للمدارس والجامعات قائلة: إن قرار إغلاق الجامعات قد اتخذ بفاصل زمني قريب بعد تفجير مركز كاج التعليمي مؤكدة أن هذا القرار یؤلم أرواح شهداء العلم والمعرفة والناجين من التفجير وأسر الشهداء. ففي السنوات الأخيرة، أستشهد وأصيب عدد كبير في سبيل التعلم والدراسة، وكان الناجون يريدون مواصلة دربهم من خلال الالتحاق بالجامعات، بيد أن إجراء طالبان هذا كان بمنزلة “رش الملح على جرح المجتمع والناجين.”
وقالت إن المجتمع الدولي تصرف بانفعال في مجال دعم المتضررين وأسر الشهداء وأضافت أنه إن كان ما يُشبه هذا الحادث يقع في أي مكان آخر في العالم، لكان العالم بأسره يبدي اهتماما به ويؤازر المتضررين، غير أن العالم لاذ بالصمت إزاء الجريمة التي طالت مركز كاج وتلامذته.
وتابعت أميري أن الفتيات الأفغانيات، حُرمن من الذهاب إلى المدرسة والصفوف الدراسية لسنتين “وحتى أنني لم أتمكن من استكمال الصف الثاني عشر. نصرخ لسنتين أننا نريد إعادة فتح المدارس، لكن لا أحد يسمعنا. إن هذا مؤلم جدا ومع استمرار هذا الوضع، يجب القول أن دماء شهداء المعرفة تكون قد هُدرت.”
بطلة أفغانستان القومية من بين 100 امرأة ذي وقع في العالم
وبخصوص انتخابها كواحدة من بين 100 امرأة مُلهمة لعام 2022 تقول أميري: كان بودي أن أنال هذا اللقب عندما كنت سليمة ولم أفقد نعمتي البصر والسمع، وأن أنال هذا العنوان عندما كان أصدقائي على قيد الحياة.
وتابعت أميري في حديثها إلى مراسل شفقنا: كانت لدي قبل حادثة كاج، نشاطات في مجال حقوق الفتيات الأفغانيات، لكن وبعد هذا الحادث، بذلت مزيدا من الجهد لكي أكون صوت تلك الفتيات اللواتي تُنتزع حقوقهن منهن يوميا ويواجهن قيودا جديدة كل يوم. أنا سعيدة لحصولي على لقب امرأة مُلهمة، وأن أكون قد تمكنت إلى حد ما من إيصال صوت الفتيات الأفغانيات إلى أسماع العالم.