بعد اقتحام المستوطنين للأقصى وتنكيل الشرطة الإسرائيلية بالمعتكفين فجر الثلاثاء الماضي أطلق ناشطون فلسطينيون سبعة صواريخ أرض ـ جو رجّح أنها استهدفت طائرات إسرائيلية، وفي ليلة الأربعاء قالت مصادر إسرائيلية إن 16 صاروخا جديدا أطلقت من غزة، فيما كانت المواجهات مستمرة في المسجد الأقصى وعلى طول حدود غزة وفي عدد من البلدات العربية داخل الخط الأخضر.
ويوم أمس الخميس أعلنت الأوساط العسكرية الإسرائيلية إطلاق 30 صاروخا من الأراضي اللبنانية، أغلبها من طراز كاتيوشا وغراد، وأشارت مصادر أمنية وسياسية وإعلامية، إسرائيلية ولبنانية، إلى أن «جهات فلسطينية في لبنان تقف خلف إطلاق الصواريخ» وقد أكد «حزب الله» اللبناني، من جهته، ذلك.
ردت تل أبيب على إطلاق الصواريخ من غزة بغارات جوية، كما تابع المستوطنون الاقتحامات للأقصى، واستمرت قوات الأمن الإسرائيلية بالاشتباك مع المصلّين، كما ردّت على وابل الصواريخ من لبنان بقصف مدفعي، واجتمع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر في «وزارة الدفاع» في تل أبيب.
على المستوى العالمي فقد عقدت جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي أمس بدعوة من الصين والإمارات لمناقشة اقتحام الأقصى و«التطورات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية» واتسعت ردود الفعل، من الأمم المتحدة، وأمريكا، والصين، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، والعديد من الدول الإسلامية والعربية، بما فيها الدول المطبّعة مع إسرائيل.
تظهر هذه الوقائع أن الفلسطينيين يواجهون الإجرام الإسرائيلي، من كل ساحات تواجدهم، في الضفة الغربية، عبر أشكال المقاومة الكثيرة، وفي القدس، عبر الاحتشاد حول المسجد الأقصى، الرمز الديني المقدّس للمسلمين منهم، ومن غزة عبر الصواريخ والمواجهات الحدودية والتظاهرات والفعاليات، فيما يشكل وابل الصواريخ التي انطلقت من جنوب لبنان أمس، إشعارا بتواجد الفلسطينيين هناك ضمن المعركة الكبرى للدفاع عن الوجود والهوية والثقافة والمقدسات، وينضاف إلى ذلك مشاركة فلسطينيي المنافي، بحرارة، في أشكال التظاهر والتضامن والدعم والفعاليات المختلفة.
هناك تضامن أكيد، ولم يتوقف من الشعوب العربية مع الفلسطينيين وقضيتهم، وهناك ارتباط لكثير من المسلمين والمسيحيين في العالم بسردية الشعب الفلسطيني المحتلّة أرضه، والمنتهكة حقوقه، والذي يخوض صراعا مع دولة شديدة الجبروت والقوة العسكرية والنفوذ العالمي، ولا يخلو الأمر من تعاطف أيضا مع الفلسطينيين من قبل قوى يهودية محسوبة على اليسار، أو دينية تعتبر تأسيس إسرائيل خطيئة كبرى، وتتموضع قضية فلسطين، لدى شعوب كثيرة، وقوى سياسية متنوعة، ضمن خطاب النضال ضد الهيمنة الاستعمارية، والاحتلال، والقوة العسكرية، والاستيطان.
لا يمكن الاستهانة بدور هذا التضامن العالمي في تعزيز صمود الشعب الفلسطيني وإمداده بالأمل، والرغبة في المقاومة، وتحسيسه بأنه ليس وحده في صراع يبدو، حسب موازين القوى العالمية والداخلية، حربا خاسرة.
أعطت الأزمة الإسرائيلية الجارية حاليا إحساسا بإمكان حصول صدع في معادلة الصراع الحالية، فما يراه المراقبون، وخصوصا في العواصم المنحازة، عادة، لإسرائيل، والمؤثرة في قراراتها (كما هو حال أمريكا والدول الغربية ـ وبعض الدول العربية!) هو صعود كبير لليمين القومي الديني، ينعكس بتوحّش غير مسبوق ضد الفلسطينيين، ودعوات مكشوفة للتطهير العرقي والديني، كما بمحاولة انقلاب لبنيامين نتنياهو وحلفائه العنصريين على النظام القضائي لإسرائيل، الذي يعتبر، رغم طبيعته التمييزية ضد الفلسطينيين، آخر أشكال الفصل بين السلطات.
يشكّل هذا التطوّر خطرا هائلا على الفلسطينيين، كما يشكّل انقلاب إسرائيل إلى دولة يحكمها عنصريو الصهيونية الدينية خطرا على المنظومة الغربية نفسها، لكن السؤال هنا، هل تلتقط القوى الغربية، والتيارات الإسرائيلية المعارضة للانقلاب، أهمية الاستثمار في الدور الفلسطيني في صد هجمات الهمجية العنصرية، أم أن الصراعات الراسخة للسياسة والدين، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو بين الإسرائيليين العلمانيين والمتدينين، ستكون العوامل الأكثر تأثيرا، وهو ما يعني أن سوادا حالكا سيعمّ المنطقة، وأنها ستغرق في الدماء؟