بالنسبة إلى شعوب مسلمة كثيرة من المهم أن تكون مراسم استقبال شهر رمضان على قدر المناسبة، ما يولّد عادات خاصة بها تكرّس الاختلافات لكن ضمن الروح ذاتها لقيم شهر الصوم التي ترفع أرقى مظاهر التعبّد.
قبل استقبال رمضان، يحرص سكان دول عدة على أن تظهر استعداداتهم بأفضل حلة، وتعكس مظاهر التقدير والسعادة. يتميز اليمن بطلاء المنازل. وفي السودان تجدد ربّات البيوت أواني المطبخ.
مع ثبوت رؤية هلال رمضان في تركيا، تعلو الزغاريد في البيوت للتعبير عن الفرح، وتعطّر البيوت بروائح المسك والعنبر، وينثر ماء الورد على عتبات المنازل طيلة أيام رمضان، وعادة ما تجهّز الجدات أول سحور. في حين تتجمع المغربيات على سطوح المنازل لانتظار رؤية الهلال الأول من رمضان، قبل أن يطلقن الزغاريد فرحاً بقدوم “الضيف العزيز”.
وبين التقاليد المرتبطة بالنساء طواف الماليزيات على المنازل لقراءة القرآن بين الإفطار والسحور ، كما يقمن برش الشوارع بالمياه عند ثبوت الرؤية، وينظفن المساجد، ويضعن البخور. وفي باكستان تظهر أجواء رمضان في ارتداء جميع النساء الأزياء المحتشمة في الشوارع، ومن عادة الباكستانيات تغطية رؤوسهن عند سماع الأذان، حتى لو كن غير محجبات.
في إندونيسيا، تقرع الطبول التقليدية الضخمة المعروفة باسم “البدوق” فور إعلان حلول رمضان، وتحملها شاحنات صغيرة تجوب الشوارع. ويشمل التقليد ذاته ماليزيا أيضاً عبر القرع على الدفوف، بينما تنفخ أبواق النفير سبع مرات للسحور في المغرب بمجرّد التأكد من ظهور هلال رمضان، ثم يتبادل الناس التهنئة بجملة “عواشر مبروكة”، أي أيام مباركة.
في الليلة الأولى من رمضان، يخرج سكان جزر القمر حاملين المشاعل، ويتوجهون إلى الساحل، ويقرعون الطبول، ويستمر السهر حتى وقت السحور.
وحين تؤكد وسائل الإعلام في مصر دخول رمضان تتحوّل الشوارع إلى خلايا نحل، إذ تنشط حركة التجارة، ويتنافس الناس في توفير اللوازم الرمضانية المختلفة، ويترافق ذلك مع انطلاق الأطفال في الشوارع والطرقات حاملين فوانيس رمضان التقليدية، ويهتفون: “حالو يا حالو”، كما يظهر “المسحّراتي”، وهو شخص يمر على الأحياء والبيوت لإيقاظ الناس في وقت السحور، منادياً: “اصحَ يا نايم وحّد الدايم. سحور يا عباد الله”، وفي الأحياء الشعبية والقرى، يدقّ المسحراتي على أبواب البيوت منادياً بأسماء سكانها.
وفي موريتانيا يحلق الرجال شعر رؤوسهم قبل أيام من الشهر كي يتزامن نموه مجدداً مع حلول العيد، وتسمى هذه العادة “شعر رمضان”، وبين العادات الموريتانية طقس قراءة القرآن الكريم كله في ليلة واحدة.
وتدرج شعوب عدة ضمن تقاليدها مراسم خاصة لجعل صغار السن يعتادون على الصيام. تنظم مدينة بيشاور الباكستانية حفلاً يجمع الأطفال الذين يصومون للمرة الأولى من أجل تشجيعهم، في حين تمنح الحكومة الإندونيسية إجازة للطلاب في الأسبوع الأول للسماح لهم بالمشاركة في الشعائر.
ومن العادات المرتبطة بالأسر، حرص تلك الميسورة على الذهاب إلى ملاجئ الأيتام لتناول طعام الإفطار معهم. واللافت في ألبانيا زيادة أئمة المساجد الدروس والمحاضرات حول شهر رمضان، ويجري جلب أئمة وعلماء دين من تركيا للإفادة من علمهم، وإمامتهم في صلاة التراويح خاصة.
وفيما تختلف موائد الشعوب خلال شهر رمضان، يحرص المسلمون الصينيون على الإفطار بالبطيخ الأحمر، أما الإندونيسيون فيتناولون شراب “تيمون سورى”، وهو نوع من الشمام، وباعتبار أن الموز هو المصدر الأساسي للغذاء في أوغندا، فهو يستخدم في وجبة “ماتوكي” الخاصة برمضان، وهي عبارة عن موز مطبوخ، كما يجري تحضير موز مشوي وشوربة الموز.
في السودان يقدم شراب “الآبريه” أو “الحلو مر”، والذي يقاوم العطش، وهو عبارة عن ذرة تنقع في الماء حتى تنبت جذورها التي تجفف تحت أشعة الشمس، ثم تطحن مع البهارات، ثم تعجن وتوضع على هيئة طبقات في الفرن حتى تنضج.
ومع حلول رمضان، تنتشر لعبة “المحيبس” التراثية التي تستهوي آلاف العراقيين، وهي تمارس في الأحياء والمقاهي الشعبية منذ مئات السنين، إذ يجري تشكيل فريقين يضمان عدداً من الأشخاص، قد يتجاوزون العشرين، ويضع أحد أعضاء الفريق الأول خاتماً في يد عضو في فريقه، ويختار شخص من الفريق الثاني كي يحزر مكان الخاتم، وتسجل النقاط بحسب عدد مرات معرفة مكان الخاتم، والفريق الذي يحقق 21 نقطة هو الفائز.
وفي تايلاند، تنظم مسابقة “حرب البيض المسلوق” على امتداد شهر رمضان، إذ تبدأ في المساء، وتنتهي عند موعد السحور، وتعتمد قوانينها على إمساك أحد المتسابقين بيضة مسلوقة يضرب بها أخرى في يد خصمه بهدف كسرها كي يتأهل إلى المرحلة التالية.