على حافة الخطر بين الحصار والبطالة والحروب.. شباب غزة يبحثون عن مخرج
Share
لم يكن أمام صابرين أبو جزر سوى صبر ساعات لإكمال الرحلة المحفوفة بالمخاطر من غزة لمقابلة زوجها في أوروبا الشهر الماضي، لكن قارب المهاجرين الذي كان ينقلها انقلب في البحر وغرق على بُعد 100 متر فقط من الساحل اليوناني، وعاد جثمانها إلى غزة هذا الأسبوع.
قالت والدتها التي كانت جالسة في خيمة عزاء في رفح بجنوب القطاع إن ابنتها اتصلت بها قبل السفر وطلبت منها الدعاء.
بعد مغادرة غزة في فبراير/شباط، عبر معبر رفح إلى مصر، سافرت صابرين جوا إلى تركيا حيث التقت زوجها الذي كان قد هاجر إلى بلجيكا منذ سنوات.
وفي تركيا خططا للقاء مرة أخرى في اليونان، حيث وعدها بقضاء شهر العسل، لكن صابرين لم تصل ولن تصل أبدا، كانت هناك 3 عرائس أخريات على متن القارب نفسه.
وفي يوم الثلاثاء، بعد حوالي 3 أسابيع من وفاتها، عاد جثمانها كي يستقر بمثواه الأخير في بلدتها رفح.
قالت حماتها بثينة أبو جزر “أنا زفيتها (زففتُها) كعروس واليوم ترجعلي (ترجع إليّ) بكفن، العرس تحول عزاء”.
رحلة خطرة
تتزايد أعداد الفلسطينيين الذين يقومون بالرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا، هربا من الحروب المتكررة والحصار الإسرائيلي والقيود المصرية التي تركت قطاع غزة في عزلة منذ عام 2007.
تُظهر إحصائيات الأمم المتحدة أن أكثر من 2700 فلسطيني وصلوا إلى اليونان عن طريق البحر في عام 2022، فيما يشكل 22% من إجمالي عدد الوافدين بالقوارب، وهو أعلى معدل في أي مجموعة وطنية.
وتُظهر بيانات الاتحاد الأوروبي للعام الماضي أيضا ارتفاعا حادا في طلبات اللجوء من الفلسطينيين في اليونان، نقطة الدخول الرئيسية إلى أوروبا.
لم يصل جميع من قاموا بالرحلة إلى وِجهتهم. وبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن أكثر من 378 شخصا لقوا مصرعهم أو فقدوا في أثناء محاولتهم الهجرة من غزة منذ عام 2014، وتوفي 3 حتى الآن في عام 2023.
وقال عمها علاء أبو جزر إن صابرين عاشت سنوات تحت الحصار والأوضاع الاقتصادية الصعبة، وكأي بنت أو شاب كانت تريد الخروج من غزة، فهي تتطلع للحرية وحياة أحسن.
الوظائف في غزة نادرة، لخريجي الجامعات وغيرهم. وعندما تظهر وظيفة، فإنها تذهب غالبا إلى شخص له صلة بالفصائل السياسية.
يكمن وراء الأزمة، حصار تقوده إسرائيل منذ 16 عاما على القطاع، الذي يقطنه 2.3 مليون نسمة، حيث يؤكد المستشار بوزارة الخارجية أحمد الديك أن الحصار الذي تقوده إسرائيل هو السبب الرئيسي لمغادرة شباب غزة من أجل مستقبل أفضل في الخارج.
وقال الديك “أولا نحمّل الاحتلال مسؤولية محاولة الشباب الهجرة من قطاع غزة، وثانيا الظروف المعيشية الصعبة جراء انعدام فرص العمل والضغط والدمار الذي خلفه الاحتلال، وهذا الحصار المفروض على القطاع والانقسام البغيض”.
وناشد كافة المسؤولين والفعاليات في قطاع غزة لتحمل مسؤولياتهم وإيجاد حل لمشكلة الشباب وتوفير حياة كريمة لهم.
يقول سكان غزة إنهم تحكمهم 3 حكومات إحداها السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، التي تتمتع بحكم ذاتي محدود في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، والتي توظف آلاف الأشخاص في غزة، والثانية حركة حماس الإسلامية التي تدير القطاع، وإسرائيل، الكيان الثالث الذي يسيطر على حدود غزة الفعلية.
بدوره، يقول محمد كحيل -وهو خريج العلاج الطبيعي- إنه حاول العثور على عمل، لكن فرص العمل محدودة، وكل فصيل سياسي يوظف المنتمين له، مشيرا إلى أن 6 من أشقائه أنهوا دراستهم وتخرجوا، ولم يحصل أي منهم على وظيفة، مما جعل الأسرة تعتمد على الوالد وهو حارس مدرسة.
وظائف قليلة
وفقا لتقديرات الفلسطينيين والأمم المتحدة، تبلغ نسبة البطالة بين الشباب في غزة حوالي 70% وهو رقم يجعل بناء مستقبل حلما بعيد المنال لمعظم الشباب.
من جانبها، تقول حركة حماس إن الحل الدائم للبطالة يتجاوز قدرتها وحدها، وتلقي باللوم في الوضع الاقتصادي السيئ على إسرائيل، التي خاضت حروبا متكررة ضد الحركة في غزة مع مواصلة حصارها للقطاع.
وقال إيهاب الغصين وكيل وزارة العمل في غزة “مشكلتنا مع الاحتلال… ليست مشكلة داخلية”، مشيرا إلى أن مكتبه دبر في عام 2022 وظائف مؤقتة تكفي 9 آلاف شاب، وهو جزء بسيط من 236 ألفا يبحثون عن عمل.
ولا يحصل 40 ألف موظف حكومي في غزة منذ عام 2007 على رواتبهم كاملة.
وفي قلب مدينة غزة، يقف سعيد لولو -خريج الإعلام منذ 16 عاما- ليبيع مشروبات ساخنة للمارة وسائقي سيارات الأجرة في كشك يسميه “كشك الخريجين”، وهو العائل الوحيد لأسرة مكونة من 6 أفراد، ولا يختلف وضعه كثيرا عن غيره من الخريجين.
ويقول المحلل الاقتصادي في غزة ماهر الطباع إن أقل من 10%، من بين حوالي 14 ألف طالب يتخرجون كل عام، يحصلون على وظائف.