كيف تطبق الهند “سياسة الجرافات” في كشمير؟

يعيش أهالي كشمير حالة من الذعر بعد توسَّع حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم في الهند في تطبيق ما يُسمّى بـ”سياسة الجرافات” ضد المسلمين هناك، فماذا يحدث بعيداً عن أنظار العالم؟

ومنذ أن تولى ناريندرا مودي المسؤولية في الهند عام 2014، يتعرض المسلمون إلى كل أشكال التنكيل والقمع، ووصلت الأمور إلى حد دعوة رهبان هندوس علناً إلى قتل المسلمين في أواخر عام 2021، وسط صمت الحكومة الهندية، التي تسعى إلى تحويل الديمقراطية الأكبر في العالم إلى دولة هندوسية.

وفي 5 أغسطس/آب 2019، ألغت حكومة مودي المادة 370 من الدستور، والتي كانت تكفل الحكم الذاتي في جامو وكشمير، وهي الولاية الوحيدة في البلاد التي تتمتع بأغلبية مسلمة، ومن ثم تقسيمها إلى منطقتين تديرهما الحكومة الفيدرالية.

وكان إقليم جامو وكشمير منذ عام 1954، يتمتع بوضع خاص بموجب الدستور الهندي، الذي سمح للولاية بسنّ قوانينها الخاصة، إلى جانب حماية قانون الجنسية، الذي منع الغرباء من الاستقرار في الأراضي وامتلاكها.

لكن حكومة مودي أصدرت تشريعات تمنح مواطنيها الهندوس، الذين عاشوا في جامو وكشمير لمدة تزيد على 15 عاماً، صفة مواطن محلي لتمكينهم من امتلاك الأراضي والإقامة والعمل، إضافة إلى تقلد المناصب العامة.

هدم المنازل وتهجير أهلها

صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً عنوانه “حملة هدم يشنّها مودي تثير مخاوف المسلمين في كشمير”، يلقي الضوء على ما تقوم به الحكومة الهندية في كشمير من محاولات لتغيير التركيبة السكانية في الولاية لصالح الهندوس.

فمنذ وصول حكومة ناريندرا مودي إلى السلطة في عام 2014، باتت “الجرافات” أداة شائعة لقادة حزب “بهاراتيا جاناتا” من أجل استهداف المسلمين، وذلك في سعيهم لتنفيذ أجندة قومية دينية تهدف إلى تحويل الهند من دولة علمانية إلى دولة هندوسية.

وقد استخدمت الجرافات في عدة ولايات، مثل أتر برديش ودلهي وكجرات ومدهيا برديش، لهدم منازل ناشطين مسلمين متهمين بالمشاركة في احتجاجات والتورط مع مجموعات يُزعم أنَّها تضم مهاجرين غير شرعيين.

لكن في كشمير، نفّذت السلطات الهندية العديد من عمليات الهدم دون سابق إنذار. وتبرر الحكومة الهندية تلك العمليات بالزعم أنَّ الهدف هو “استعادة” أراضي الدولة المُتعدَّى عليها بصورة غير قانونية.

لكن هذا الدافع ينظر إليه باعتباره يخفي هدفاً شريراً ووصفه كثيرون بأنَّه جزء من أجندة أوسع للحكومة القومية الهندوسية لحزب “بهاراتيا جاناتا” بقيادة رئيس الوزراء، ناريندا مودي ، لتهجير الكشميريين وطردهم من أراضيهم، وتغيير التركيبة السكانية للولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند.

وانتشرت حالة من الذعر في كشمير بعد أنَّ توسَّع حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم في تطبيق ما يُسمّى بـ”سياسة الجرافات” ضد المسلمين هناك. وصفت محبوبة مفتي، رئيسة الوزراء السابقة لولاية جامو وكشمير، الدافع المعلن من الحكومة لحملة الهدم بأنَّه “خدعة لإثقال كاهل الكشميريين بمزيد من الأعباء الاقتصادية من خلال هدم منازلهم ومصادر رزقهم”.

ظلت منطقة كشمير قضية نزاع محورية بين الهند وباكستان منذ الاستقلال في عام 1947. خاضت الدولتان الحرب عدة مرات من أجل السيطرة على تلك المنطقة المتنازع عليها، والمُقسّمة حالياً بين الدولتين. منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، ظهر في الجزء الخاضع لسيطرة الهند “ولاية جامو وكشمير” تمرد انفصالي عنيف مُموّل من باكستان.

كافحت الحكومات الهندية المتعاقبة للسيطرة على هذا العنف. لكن في أغسطس/آب 2019، بدأت حكومة مودي تنفيذ وعد طويل الأمد لقاعدتها الانتخابية اليمينية المتطرفة باتخاذ العديد من الإجراءات أحادية الجانب ضد الولاية، من ضمنها إلغاء الحكم الذاتي الممنوح للولاية  وتقسيمها الى منطقتين خاضعتين لسيطرة الحكومة المركزية، وحل حكومتها، وسجن سياسيين محليين وفرض أطول حظر على الإنترنت استمر 18 شهراً.

وعلى مدى سنوات، سمح حزب “بهاراتيا جاناتا” للأجانب بشراء العقارات وامتلاك الأراضي، ومنحهم الحق في التصويت في الانتخابات. شهدت قوائم الناخبين تسجيل أكثر من مليوني ناخب جديد، الأمر الذي شكَّل مصدر قلق كبير للكثيرين المؤمنين بأنَّ حكومة مودي تحاول تغيير التركيبة السكانية للولاية، بعيداً عن أغلبيتها المسلمة الحالية.

من جانبه، يؤكد حزب “بهاراتيا جاناتا” أنَّ إجراءاته منذ عام 2019 ساعدت على إحلال السلام في كشمير. قال وزير الداخلية الهندي، أميت شاه، في تصريحٍ له: “الاستثمار قادم والسائحون يتوافدون على الولاية”.

لكن السكان المحليين يروون قصة مختلفة تماماً –قصة عن سياسات قمعية وقوانين استبدادية وسحق للحريات الديمقراطية، من ضمنها حرية التعبير والتمثيل السياسي والحق في الاحتجاج. تعد كشمير الهندية حالياً واحدة من أكثر المناطق المدججة بالسلاح في العالم، مع وجود أكثر من نصف مليون جندي يحرسون 7 ملايين مواطن فقط.

على الرغم من انتقاد الكشميريين حكومة مودي، يخشى معظمهم التحدث علانية. قال أحد الطلاب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، “هناك خوف. إذا تحدث أي شخص، حتى على وسائل التواصل الاجتماعي، فسوف يتعرّض للاعتقال. لا أحد يريد أن ينتهي به المطاف في السجن”، مشيراً إلى أنَّ صديقه سُجن مؤخراً لمجرد كتابته منشوراً على “فيسبوك” أثار غضب الشرطة.

يتعرَّض الصحفيون لمضايقات علنية من جانب الشرطة وأُدرجت أسماء بعضهم في قوائم الممنوعين من السفر. اضطر رؤساء تحرير الصحف المحلية إلى حذف سنوات من التغطية الصحفية المنتقدة للحكومة بسبب الضغط المتزايد وتحوّلت الصحف، التي كانت في وقت من الأوقات مستقلة، إلى منافذ لنشر البيانات الصحفية الحكومية.

لا تزال الديمقراطية بعيدة المنال في كشمير. لم يُعد تنصيب حكومة الولاية قط بعد حلَّها عام 2019، ولم تُعقد الانتخابات لأكثر من 5 سنوات، وهو ما ترك الكشميريين بدون تمثيل سياسي أو منفذ للتعبير عن استيائهم من الحكومة المركزية.

اتهم قادة سياسيون حكومة مودي بالاستبداد السياسي. قالت محبوبة مفتي، رئيسة الوزراء السابقة لولاية جامو وكشمير، إنَّها وعدد من أعضاء حزبها “تعرضوا لمضايقات لا نهاية لها”، مضيفة أنَّ “السلطات الهندية وضعتها قيد الإقامة الجبرية في كثير من الأحيان، ولم يُسمح لها بممارسة أي نشاط سياسي”، وتابعت: “لا أحد هنا، سواء كان زعيماً سياسياً أو ناشطاً أو حتى صحفياً، يتمتع بحرية التعبير لكشف حقيقة ما يحدث على أرض الواقع”.

من جانبه، نفى كافيندر غوبتا، أحد كبار قادة حزب “بهاراتيا جاناتا”، تلك المزاعم، مؤكداً أنَّ انتخابات الولاية ستعقد قريباً.

في المقابل، أعلن حزب “بهاراتيا جاناتا” بفخر أنَّ العدد القياسي للسائحين الذين يأتون لزيارة الولاية خير دليل على السلام والازدهار. ومع ذلك، لم تحدث بعد الطفرة في حجم الاستثمار التجاري بالولاية -أحد مبررات الإجراءات المتخذة في عام 2019- ولا يزال حجم استثمار القطاع الخاص في كشمير الهندية أقل من نصف مستوى ما كان عليه في عام 2018. في الوقت نفسه، تواصل المشكلات الاقتصادية، من بينها ارتفاع معدلات البطالة، مفاقمة معاناة المنطقة.

قال غوبتا: “هناك سلام في كشمير. يتضح ذلك جلياً من حقيقة عدم خروج الناس للاحتجاج في الشارع، على عكس ما كان يحدث في الماضي”، وأضاف أنَّ “الحكومات السابقة أطلقت يد الأشخاص الذين كانوا يروجون لأجندة باكستان ويرفعون علمها. لذا، كانت الإجراءات المتخذة في كشمير كانت ضرورية، ونرى الآن نتائجها أمام أعيننا”.

*عربي بوست

قد يعجبك ايضا