الأخلاق الغائب الأكبر في العلاقات الدولية

هناك الكثير من النظريات والأفكار والتفاسير والافتراضات حول الأخلاق والسياسة، إذ ان التوتر والتناقض السائد في علاقة الأخلاق والسياسة لهو موضوع شامل لكن وراء هذه النظرة التي تفصل الأخلاق عن السياسة هناك فكرة تربط بينهما، إذ ظهرت منذ قديم الزمن واستمرت إلى يومنا هذا.

ان علاقة الأخلاق والسياسة في العلاقات الداخلية لم تتوقف كما ان كيفية العلاقات بينهما في العلاقات الدولية محل نقاش. إذ ان العلاقات الدولية تتعامل مع الأخلاق في مختلف الموضوعات والقضايا. هذا ويجب ان نعرف بان هناك نظريات مختلفة مستمدة من العلاقات الدولية ركزت على الأخلاق بشكل مباشر وغير مباشر.

لطالما كان الأخلاق محل نقاش في العلاقات الدولية، مع ان النظرة السائدة على الأخلاق ركزت على مواجهة الأخلاق مع النظرة الواقعية في العلاقات الدولية، لكن من دون شك فانه من الخطأ الكبير إذا ما أردنا اختزال شمولية قضية الأخلاق في العلاقات الدولية في القضايا التي تطرحها المقاربة الواقعية.

وتجدر الإشارة إلى أن التميز الأخلاقي في العلاقات الدولية كان أمرا بارزا، وفي التطورات الدولية التي شهدها العالم بعد الحرب الباردة، ازداد حدة وتعددت القضايا الأخلاقية في العلاقات العالمية. إضافة إلى هذا، هناك مساحة أخلاقية في جميع نظريات العلاقات الدولية، كما ان بعض النظريات الجديدة في العلاقات الدولية هي في الغالب متمحورة حول المعايير والأخلاقية. وان القضية المشتركة لجميع الموضوعات ذات الصلة بالأخلاق والعلاقات الدولية هي أهمية طبيعة المسؤولية وشرعية القرارات السياسية والأهداف والأدوات السياسية وكيفية العمل السياسي في العلاقات الدولية، والتي بدورها تتعارض مع البنيوية والحتمية. لا شك أن الشعوب والحكومات تتحمل مسئوليتها في العلاقات الدولية.

في يومنا هذا، تعمل الدول على أساس مصالحها القومية في مجال العلاقات الدولية. في هذا الصدد، يقول مكيافيلي إنه إذا كان الغرض من ممارسة السياسة هو الحفاظ على السلطة وتعزيزها، فلماذا إذن تقيدها قضية مثل الأخلاق. هذا الموقف يضرب بجذوره في النظرة التقليدية للسياسة والعلاقات الدولية.

هذا والمقاربة المثالية، تناقش الأخلاق في العلاقات الدولية، ولكن مع ذلك، إذا خيرت الدول بين الأخلاق ومصالحها القومية، فإنها ستفضل بلا شك المصالح القومية وتتحرك في هذا الاتجاه. على سبيل المثال، تعمل أمريكا على تعزيز حقوق الإنسان، ولكن لديها أيضا علاقات جيدة مع العديد من الدول التي تنتهك حقوق الإنسان.

يقول تشرتشل عند الحديث عن غاندي بأنه نصف إنسان ذلك انه يريد توجيه الضربة إلى مصالح بريطانيا، ويجب ان نعرف بان تشرشل كان يعرف نفسه إنسانا أخلاقيا في خضم التوترات التي شهدتها الحرب الكونية الثانية، ويصنف في النقيض من هتلر لكنه في مثل هذه الحالة قد تخلى عن الأخلاق وعندما كانت مصالح بريطانيا القومية مطروحة فانه وصف غاندي بنصف إنسان.

اليوم إننا نشاهد بان الدول وبغية ممارسة الضغط على الدول الأخرى تلجأ إلى آليات مثل فرض العقوبات، مع إنهم لا ينظرون إلى العقوبات كونها عقوبات ذهنية، لكن هذا الأمر يبين بان مكانة الأخلاق مزلزلة في العلاقات الدولية.

ان الأخلاق ليس بقضية وحيدة مطروحة في العلاقات الدولية، في يوم الناس هذا ان الأخلاق في الدبلوماسية والعلاقات الدولية تحول إلى أسطورة ذلك ان إيلاء الاهتمام بهذه القضية مستمر في التاريخ. ان الدول لو أرادت في أفضل حالاتها احترام الأخلاق فإنها تتبنى مقاربة عادلة في التعامل مع الدول الأخرى، أو تضع إلقاء الخطب العادلة على رأس أجندتها، لكن الأخلاق قد حذف في العلاقات الدولية اذ انه يطرح في المصالح القومية لا غير.

بعد الحروب التي استمرت 30 عاما بين البروتستانت والكاثوليك، أثيرت قضايا مثل الدولة القومية والسيادة والاعتراف بالحدود في العلاقات، وكانت القوة والسلطة حاسمة منذ البداية. بمرور الوقت، أصبح هذا المكون المؤثر أكثر اكتمالا مع قضايا مثل حقوق الإنسان والمساواة، والتي كانت تضرب بجذورها في فرنسا وأمريكا والعديد من البلدان الأخرى.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن وسائل الإكراه والضغط تزداد أيضا في نفس الوقت، وتضغط الدول على الحكومات الأخرى بأدوات اقتصادية ودعائية وثقافية وفرض العقوبات. من ناحية أخرى، تم إجراء العديد من الأبحاث والدعاية لإضفاء الطابع المؤسسي على الأخلاق في العلاقات الدولية، ولكن لم يدخل أي سياسي هذا المجال للعمل فعليا بشكل أخلاقي.

في العصر الراهن، لم يتحرك العالم نحو محورية الأخلاق، بل هناك قضية تسمى القوة، والتي تم تنظيمها بحيث يتبعها الجميع بطريقة ما. ومع ذلك، فإن العلاقات الدولية تدور حول رحى القوة، على الرغم من ذكر بعض الأفكار الأخلاقية. تم تكوين حق النقض والعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي على نفس الأساس. فاليوم، من الواضح أن روسيا وأمريكا تنتهكان نفس البنية المنهجية التي شكلاها بأنفسهما. كما رأينا كيف تجاهلت روسيا المبادئ الأساسية لهذا الهيكل وهاجمت أراضي أوكرانيا.

ملخص القول بأنه يمكن القول بانه في هذه الأيام المليئة بالأحداث في العالم فان الأخلاق هو الغائب الأكبر في العلاقات الدولية، وان غياب هذا الأمر يقود العام كلما تمر الأيام وأكثر من ذي قبل نحو التوتر.

المصدر: آرمان شرق

————————

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

قد يعجبك ايضا