هل تتألم النباتات كما هو الحال مع الإنسان والحيوان؟
Share
قائمة مفتوحة من الخسائر رغم مضي سبعة أيام على الزلزال المدمر في تركيا، فجر الاثنين الماضي، إذ تتوالى انهيارات المباني مع كلّ هزة لاحقة، ما أثار تساؤلات حول معايير البناء ، والأسباب التي خلفت جبالاً من الركام في الكثير من الولايات جنوبي البلاد.
باتت الخسائر تتجاوز فعلياً حدود تركيا، إذ تطاول عشرات آلاف الأجانب الذين أغراهم شراء العقارات في تركيا على مدار السنوات الماضية إما بحثاً عن الاستثمار أو الحصول على الجنسية، ما يجعل من جبال الركام المنتشرة في الكثير من المناطق شاهداً على مدى الضربة التي تعرض لها قطاع حيوي في الدولة.
وتخطط الدولة التركية بحسب الرئيس رجب طيب أردوغان، لإعادة بناء مئات الآلاف من المساكن مع بنيتها التحتية والفوقية وإعادة إنشاء المدن التي تعرضت لدمار كبير، مشيراً في كلمة ألقاها خلال زيارته مخيماً للمتضررين من الزلزال في منطقة قايا بنار صلاح الدين الأيوبي بولاية ديار بكر، السبت الماضي، إلى أنّ الزلزال تسبب في دمار على مساحة 500 كيلومتر وشُعر به على مسافة ألف كيلومتر.
رغم قوة الزلزال وما تبعه من هزات، إلّا أنّ خبراء يرون أنّ الكثير من المباني الحديثة كان يجب أن تظل قائمة، بخاصة أنّ الدولة عمدت منذ سنوات طويلة إلى سَنّ اشتراطات للبناء من شأنها الحد من خسائر الزلازل التي طالما تشهدها البلاد، بينما الكثير من المباني المنهارة حديثة وطالما روجت لها الشركات المطورة على أنّها “صروح وقلاع”.
ووفق البيانات الرسمية جرى احتجاز أو إصدار أوامر اعتقال بحق 131 شخصاً يُزعم أنهم متورطون في تشييد المباني غير المتينة. وجرى تشديد لوائح البناء في تركيا، في أعقاب الكوارث السابقة، بما في ذلك زلزال 1999 حول مدينة إزمير، في شمال غرب البلاد، والذي سقط فيه 17 ألف شخص.
وكما هو الحال في اليابان، حيث تكثر الزلازل، تقتضي هذه القوانين بصورة عامة متطلبات سلامة تختلف بحسب استخدام المبنى، ومدى قربه من المناطق الأكثر تعرضاً لخطر الزلازل، لكنها تشترط بشكل عام التعزيز البسيط ونشر مانعات الحركة في جميع أنحاء المبنى، إضافة إلى وضع هيكل المبنى بأكمله فوق ممتص صدمات عملاق لعزله عن حركة الأرض. لكن يبدو أنّ القوانين، بما في ذلك المعايير الحديثة التي وُضعت في عام 2018، طُبقت بشكل سيئ.
قائمة مفتوحة من الخسائر
وأصبحت عبارة “حتى الآن” تلازم كلّ تصريح رسمي حول الخسائر البشرية وكذلك الأضرار المادية التي تقدر بنحو 30 مليار دولار، بخاصة في ظل استمرار الهزات التي وصلت حتى أمس الأحد إلى أكثر من 2000 هزة.
ووفق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فإنّ عدد المتضررين في المناطق المنكوبة ومحيطها قد يصل إلى 20 مليون مواطن، بعد تعرض آلاف البنايات، بما في ذلك منازل ومستشفيات، فضلاً عن طرق وخطوط أنابيب وبنية تحتية أخرى، لأضرار جسيمة.
وقدر وزير البيئة والتطوير العمراني التركي، مراد قوروم، حتى أمس، عدد المباني المنهارة أو المتضررة، في الولايات العشر المنكوبة، بنحو 12.141 مبنى.
لكنّ المتخصص في شركة “رويال لاند” العقارية، هادي عوض، رجح تجاوز العدد بكثير هذه التقديرات، مشيراً في تصريح لـ”العربي الجديد” إلى تأثر الكثير من المباني بالهزات الارتدادية التي “لم تتوقف حتى الآن” ما يزيد من خسائر قطاع العقارات.
وقال عوض إنّ الزلزال “أعاد دق ناقوس الخطر في تركيا” إذ بدأت فرق تفتيش الأبنية في البحث في إسطنبول التي يتخوف من تعرض الكثير من مبانيها للانهيار، إذ إنّ هناك نحو 600 بناء غير مطابق للمواصفات تم تحديدها حتى الآن، وسيتم هدمها ليعاد البناء وفق مواصفات ما بعد عام 1999.
وقال حسن محمد، مدير شركة “يارا غروب” العقارية إن المكاسب الكبيرة التي سجلها قطاع العقارات خلال السنوات الأخيرة، شجع الكثير من غير المتخصصين لدخول مجال الاستثمار في البناء وبيع العقارات، فالأرباح التي تعدت 150% خلال عامين، أحدثت فورة عقارات في تركيا، بخاصة في ولايات إسطنبول وأنقرة وإزمير وأنطاليا.
وتظهر الأرقام الرسمية أنّ عدد الشركات العاملة في قطاع العقارات ارتفع بنسبة 43% خلال عشر سنوات، لتصل إلى 127 ألف شركة قبل أزمة كورونا في 2020، مع دخول شركات جديدة بالسوق، خلال العام الأخير، بعد زيادة الطلب على العقارات وارتفاع الأسعار بعد الجائحة.
ورغم أن الولايات المنكوبة، بحسب محمد، لم تأت يوماً ضمن الأكثر مبيعاً للعقارات، لكنها ربما الأكثر توسعاً خلال السنوات الأخيرة، نظراً للجوء نحو مليوني سوري لتلك الولايات القريبة من الحدود، ويجرى فيها البناء بالغالب، من دون تحقيق المواصفات، مستشهداً خلال تصريحه لـ”العربي الجديد” بانهيار أبينة حديثة في مدينة إصلاحية الواقعة في ولاية غازي عنتاب.
وبحسب هيئة الاحصاء التركية، بلغت المبيعات السنوية للشقق السكنية للأجانب، عام 2022 نحو 67 ألفا و490 شقة سكنية، بزيادة بلغت نسبتها 15.2% مقارنة بمبيعات عام 2021. وقد بلغت نسبة الشقق المباعة للأجانب خلال العام الماضي 4.5% من الشقق السكنية المباعة في عموم تركيا.
واحتلت إسطنبول المرتبة الأولى كأكثر الولايات التركية بيعاً للشقق السكنية للأجانب خلال 2022 بواقع 24 ألفاً و953 شقة سكنية، تلتها في المرتبة الثانية أنطاليا بواقع 21 ألف و860 شقة، وثالثاً جاءت ولاية مرسين بواقع 4 آلاف و316 شقة.
وفي ما يتعلق بالجنسيات الأكثر شراءً للشقق السكنية، احتل الروس المرتبة الأولى العام الماضي بواقع شراء 16 ألفاً و312 شقة سكنية، تلاهم الإيرانيون بشراء 8 آلاف و223 شقة، وثالثاً العراقيون عبر شراء 6 آلاف و241 شقة سكنية.
أخطاء بناء وجشع شركات
وفي الوقت الذي يزيد طلب المطورين العقاريين، بعموم تركيا وخاصة في إسطنبول، لإعادة تقييم الأبنية والأبراج السكنية، بدأت أصابع الاتهام من الشارع التركي، تشير إلى الشركات الإنشائية، بعد تردي مقاومة البنية التحتية وتهاوي المباني بشكل كامل في الولايات المنكوبة.
ورغم أن أسعار الإسمنت في تركيا، هي الأرخص عالمياً، بحسب مصادر متخصصة تحدثت مع “العربي الجديد”، إلا أن نوعية وأحجام الحديد المستخدم في الأبنية لم تنج من الاتهامات.
وفي حين لا ينكر مدير المبيعات في شركة هوميستا العقارية في إسطنبول، أحمد ناعس، جشع كثير من شركات البناء في تشييد عقارات كثيرة لتلبية الطلب المتزايد، يشير في تصريح لـ”العربي الجديد” إلى أن معايير البناء لا تزال دون مستوى منطقة جغرافية مهددة بالزلازل، رغم تعديل الاشتراطات بعد زلزال عام 1999، مستشهداً بمعايير اليابان المتطورة كثيراً بالقياس مع الشروط في تركيا. ويضيف: “القصة ليست في المهندسين وتعليمهم، كما قال بعضهم، بل بالقوانين وصرامة تطبيقها أولاً، وفي جشع بعض شركات البناء التي تتساهل في شروط التنفيذ ونسب مواد البناء”.
وأنشأت تركيا مكاتب للتحقيق في جرائم الزلزال، وبدأ المدعون في جمع عينات من المباني للحصول على أدلة على المواد المستخدمة في الإنشاءات. وقال نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، في وقت متأخر من مساء السبت، إنه جرى إصدار أوامر باحتجاز 131 شخصاً يشتبه في مسؤوليتهم عن المباني المنهارة.
لكنّ المحلل الاقتصادي التركي، باكير أتاكجان، قال إنّ “الحملة تأخرت كثيراً، فما الفائدة بعد هذا الخراب وموت عشرات الآلاف وتهدم آلاف المنازل، إذ من المفترض المتابعة خلال تشييد العقارات”.
وأضاف أتاكجان أن “العلة ليست في القانون، بل في رقابة بعض رؤساء البلديات الذين تساهلوا”. وتابع في تصريح لـ”العربي الجديد” أنّ مدينة أنطاكيا التي وصفت بالأكثر تضرراً وتهديماً للمباني، فيها حي إزريم لم يتهدم فيه أيّ بناء، ما يمكن الاستنتاج أنّ المشكلة في الرقابة والتنفيذ.
ويتخوف محللون وسياسيون من أنّ جبال الركام التي تملأ أركان الكثير من الولايات المتضررة من الزلزال قد تضرب قطاعاً حيوياً للاستثمار في تركيا وتؤثر على النمو في الدولة التي تحلم بدخول نادي العشرة الكبار.
وقال عضو حزب العدالة والتنمية كاتب أوغلو لـ”العربي الجديد”: “لا يمكننا إنكار أثر الدمار والخسائر في الأرواح أولاً، على نسبة النمو أو حتى سرعة وصول تركيا لمصاف الدول العشر الكبرى، لأنّ ناتج تلك الولايات نحو 9.3% من الناتج الإجمالي التركي، وفيها نحو 8.5% من إجمالي الصادرات التركية، بما يعادل نحو 21.6 مليار دولار سنوياً”.