إرادة حياة.. رسالة مأساوية لطفلة سورية من تحت الركام
إذا رأت عيناك ما يفوق الخيال، وما يصعب على العقل أن يتخيله ويتقبله، وأنت تشاهد على شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي مدن الركام ورائحة الجثث تفوح منها فلا تفزع أن زلزلة الساعة قامت ببساطة أنت تشاهد جزء يسير من مأساة سورية المنسية.
منذ عقود كانت بلاد الأناضول مسرحاً للعديد من الزلازل المدمرة لتصبح تلك الزلازل جزءا من تاريخ البلاد المأساوي، وعلى بعد كيلومترات معدودة من أرض الكوارث كانت بلاد الشام وعلى وجه الخصوص سوريا تنعم بهدوء كبير بعيدة كل البعد عن زلزلة الأرض المدمرة.
سوريا أكبر قصة إنسانية
بين لحظة وأخرى يموت اليأس ويحيا الأمل إلا في سوريا حيث لا تزال القصص الإنسانية المؤلمة على كثرتها تتكشف يوما تلو الأخر، لتكشف للعالم بشاعة العقوبات الأمريكية المسماة بـ”قانون قيصر” والنفاق العالمي الذي لا يقل عن فظاعة الزلزال القوي الذي هز مناطق شمال شرق سوريا فجر الإثنين الماضي.
استمر الزلزال لمدة قاربت 30 ثانية متسبباً في خراب ما يعادل 30 سنة من مباني مدن شمال شرق سوريا، وتزامناً مع بداية الكارثة الطبيعية احمرّت سماء المدن السورية، بسبب تساقط أعمدة الكهرباء وأحاط الغبار كل شيء بفعل تساقط المباني على ساكنيها وما زاد الطين بله أن عاصفة ثلجية ضربت المناطق المنكوبة في سوريا وتركيا.
وبفعل “قانون قيصر” الذي لا يزال يعيق حتى تقديم المساعدات الإغاثية لم تكن الحكومة السورية قادرة على مواجهة كارثة طبيعية بهذا الحجم الكارثي.
حينها اتشحت سوريا بالسواد ودهن أركانها باحمرار الدماء المتلاطمة على الجدران والأسقف، وكسى الحزن وجوه ساكنيها، وتعالت في جنباتها صرخات عميقة من تحت الأنقاض وصرخات حرقة وألم من فوق ركام الأنقاض تعالت من حناجر أباء وأمهات تندب حزناً فلذات أكبادهم المدفونون تحت خرسانات الأسمنت.
طفولة تأبى الموت
كأنما هو سباق بين الحبر والدمع وأنا أرصد واحدة من أقسى المحن الإنسانية التي شهدتها المناطق المنكوبة في سوريا لطفلة وشقيقتها وشقيقها.
“مريم مصطفى زهير السيد” طفلة سورية لم تتجاوز العشر سنوات نجت مع شقيقتها الصغرى “ألاء” التي لم يتجاوز الستة أعوام وشقيها الصغير “زهير” من الموت مرتين الأولى حين نجوا من قصف الطائرات الأمريكية والتركية والأجنبية ورصاص الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية طوال العقد الأسود، من مأساة سوريا، لتنجو مع أخوتها مرة أخرى وتكتب لهم الحياة في مأساة الزلزال المميت، تاركة خلفها حكاية أوجعت القلوب ووقفت شعوب العالم أمامها بحزن.
ككل الأيام ذهبت مريم وشقيقتها “ألاء” وشقيقها “زهير” لفراش النوم بعد أن لعبوا وتناولوا العشاء وقاموا بتوديع والدهم الذي يعمل حارس ليلي على أمل أن يأتي الصبح القريب إلا أن تلك الأحلام البسيطة تحولت إلى كابوس بعد أن أرتج بهم سقف وجدران منزلهم الذي فشل في الصمود أمام جبروت الطبيعة.
ثواني معدودة هي المدة التي استغرقتها زلزلة الأرض المدمرة في مدينة حارم بريف إدلب لتنهمر حينها الجدران والأسقف من كل حدب وصوب، فوق رؤوس وأجساد هزيلة.. وقتئذ لا صوت يعلو إلا صوت دوي الدمار، وصرخات الأطفال تحت الأنقاض، وقبل أن يسأل أيٌّ من الأطفال الثلاثة حتى نفسه عن سر ما يحدث؟!، كان كل شيء في المدينة المنكوبة، قد انتهى.
مريم وأخوتها الذين لم يرغدوا بالعيش الهني منذ أن قدموا للحياة في وطن مزقته الحروب لم تستوعب عقولهم الصغيرة ما الذي تعنيه الكوارث الطبيعية.
أغلقت حينها كافة أبواب الأمل في وجه أطفال “مصطفى السيد”، بعد أن مر عليهم أكثر من 35 ساعة قضوها تحت خرسانة منزلهم المهدم وكانت الجراح تنهش أجسادهم بلا رحمة، وعلى الرغم من شدة الألم ظلت “مريم” تحمي رأس شقيقتها “ألاء” بذراعها ظناً منها أن الساق الهزيل سيكون درعاً واقعياً لرأس “ألاء” من كتلة خرسانية تحولت إلى حجم صخرة عاتية.
خلافاً لما اعتاد عليه أطفال، مصطفى زهير السيد الثلاثة، في منازلهم كان الظلام البهيم حالكاً والصقيع الناتج عن العاصفة الثلجية كان شديداً، وقبل أن يتساءل الأخوة الثلاثة هل نحن في ثلاجة الموتى، وبدون مقدمات يأتيهم صوت المنقذ كشعاع بارقة أمل وهو يتساءل هل هناك أحياء وبنبرة حزن ترد عليه الطفلة مريم “عمو أخرج أخي وأختي”.
“عمو طالعني وبصير عندك خدامة”.