في ذكرى “كذبة القرن” ..من يحاسب واشنطن على جرائم الحرب في العراق
يصادف اليوم ذكرى الجلسة الشهيرة التي عقدها مجلس الأمن الدولي في 5 فبراير 2003 حين قدمت واشنطن أمام المجلس ملفاً تشير فيه إلى وجود أسلحة دمار شامل في العراق، لتمهد بذلك لخطوتها بغزو العراق.
تلك الكذبة الأمريكية التي كلفت العراق ثمنًا باهظًا، لا يزال يدفعه حتى اليوم، وكانت نقطة الانطلاق إلى غزو العراق، وسلب عشرات الآلاف من الأبرياء أرواحهم، وهدم منازلهم وحرق حاضرهم ومستقبلهم، تمثل بحسب المراقبين وصمة عار وجريمة ضد الإنسانية لا يمكن أن تسقط بالتقادم.
المقداد يتذكر الجلسة
وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، يستذكر جلسة مجلس الأمن قبل 20 عاما حينما قام كولن بأول وزير الخارجية الأمريكي بدور تمثيلي اسماها بـ”مسرحية خداع معدة مسبقا لتبرير الغزو الأمريكي للعراق”.
وقال وزير الخارجية السورية عبر تغريدة في “تويتر”، “قبل 20 عاما وفي مثل هذا اليوم، وعلى مقربة من مقعد سوريا الذي كنت أجلس عليه في مجلس الأمن، جلس كولن باول وزير الخارجية الأمريكي حينها، أمام المجلس ليقوم بدور تمثيلي في مسرحية خداع معدّة مسبقا لتبرير الغزو الأمريكي للعراق بحجة امتلاكه لأسلحة دمار شامل”.
وأستذكر الوزير جميع الوثائق الكاذبة والمزعومة التي قدمها بول حينها ومنها أنبوبة اختبار بمسحوق أبيض زعم أنها تحتوي على مادة بيولوجية ينتجها العراق ويمكنها قتل عشرات الآلاف من البشر.
ولفت المقداد إلى أن الولايات المتحدة اليوم تمارس “نفس المسرحية ونفس الأكاذيب ونفس المدبّر، ولكن هذه المرّة المستهدف هو سوريا تحت ذريعة مماثلة وهي امتلاكها واستخدامها لأسلحة كيماوية”.
سياسة الإجراءات الاحادية
ويستذكر وزير الخارجية الباكستاني السابق خورشيد محمود قاصوري، ، تجربته كممثل باكستان في تلك الجلسة لمناقشة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، مشددا على أن واشنطن تبنت سياسة الإجراءات الأحادية لغزو العراق وهو الأمر الذي عاد عليها بالضرر.
وحول مواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن، أفاد “قاصوري” أنه كان من الواضح للإدارة الأمريكية آنذاك أنها لم تتمكن من نيل دعم المجلس في الملف العراقي، قائلاً “أعتقد أنهم توصلوا إلى استنتاج مفاده أنهم لن يواجهوا فقط عضوين دائمين، روسيا وفرنسا، وإمكانية استخدام حق النقض، ولكن أيضًا أنهم قد لا يتمكنون حتى من الحصول على تسعة أصوات”، مضيفاً: “أعتقد أنهم كانوا يعلمون في جوهرهم أنهم لن يحصلوا على هذا الدعم”.
أما فيما يخص تداعيات سياسة الإجراءات الأحادية التي مارستها الولايات المتحدة مع تجاوز مجلس الأمن في الملف العراقي، أفاد “قاصوري” أنه “كان هناك رد فعل هائل، وأعتقد أن سمعة أميركا عانت بشدة من ذلك؛ في البداية كانت هناك أفغانستان، ثم كان هناك العراق، وقد أحدث ذلك في الواقع تأثيرًا سلبيًا للغاية على الولايات المتحدة”.
نقطة فاصلة
يتذكر الدكتور عماد الدين الجبوري، السياسي والأكاديمي العراقي، هذا اليوم الذي يعد نقطة فاصلة في تاريخ العراق والمنطقة العربية، بالقول: “وقف وزير الخارجية الأمريكي في 5 فبراير عام 2003 قبيل الغزو الأمريكي للعراق أمام الأمم المتحدة، ورفع أنابيب قال إنها عينة تشير إلى امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، هذه الكذبة الأمريكية الذي عاد لنفيها باول قبيل وفاته وأكد أنه قالها بضغط من المخابرات الأمريكية.
وأضاف الجبوري قائلا: المسؤول العسكري والسياسي في العالم الغربي لا يتكلم عن الحقائق إلا بعد خروجه من السلطة، وباتت الحقيقة واضحة للجميع، إلا أن العراق دفع ثمنًا باهظًا من أرضه وشعبه وبيئته، لكنه أظهر الوجه الآخر من القباحة الأمريكية، والتي تتجلى في محاولاتها المستمرة لتفتيت الإرادة العربية بشكل عام.
فيما قال علي شندب، إعلامي لبناني شارك في تغطية وقائع الغزو الأمريكي على العراق، إن يوم 5 فبرايرعام 2003 كان يوما مشؤومًا في تاريخ الإنسانية والبشرية، وليس فقط في تاريخ العراق، حيث وقف وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول أمام الأمم المتحدة، مستعرضا الكذب الأمريكي عبر أدلة واهية ادعى رصدها.
وأضاف ، أن أمريكا كانت بصدد تنفيذ العدوان واحتلال العراق، وكانت تبحث عن أي ذريعة لذلك، وعندما فشلت في تأمين الأسباب التي تسمح لهم باستصدار قرار مجلس الأمن لتنفيذ الغزو، لجأت إلى الترويج للكذب، ثم دهست ما يسمى بـ “الشرعية الدولية”، تحت مجنزرات دباباتها، ونفذت غزو العراق، حيث لم تزل المنطقة برمتها تدفع ثمنه حتى اللحظة، من حروب وقتل وتهجير.
ويرى شندب ضرورة وضع العدوان الأمريكي على العراق، في سياقه الاستراتيجي، حيث وجد الغرب بقيادة الولايات المتحدة وذيله الأوروبي، لا سيما بريطانيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي الظرف مؤاتيًا من أجل ضرب وتفكيك امتداد الاتحاد السابق في البلدان العربية، نظرًا لاختلال توازن القوى، ومن هنا كان غزو العراق وبعده ليبيا وسوريا واليمن، حيث كانت تلك الدول حليفة تاريخيا للاتحاد السوفيتي، واليوم بدأ مباشرة إلى مواجهة روسيا الاتحادية عبر أوكرانيا، فالاستراتيجية الأمريكية والأوروبية عبر القرون تهدف إلى السيطرة على العالم.
وعن ذكرى الغزو، يقول الإعلامي اللبناني، علي شندب، إنه كان من أوائل الصحفيين الذين غطوا الحرب منذ بداية انطلاق صافرات الإنذار في بغداد، “لحظة وقوع الغزو كانت قاسية وعنيفة، المعركة لم تكن متوفقة، لكن المقاومة العراقية انطلقت بعد 3 أيام من سقوط بغداد، وعمت كافة العراق، وحولوا الدبابات الأمريكية إلى خردة، وسطروا ملاحم بطولية في العديد من المواجهات، أبرزها معركة المطار والناصرية والبصرة، حيث وصل معدل عمليات المقاومة العسكرية ضد الاحتلال الأمريكي أكثر من ألف عملية في اليوم الواحد منذ العام 2003 وحتى العام 2006”.
ومضى بالقول: “غزو العراق وذرائع باول، تأكيد على الكذب والبلطجة التي مارسته الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وسياسة افتعال الحروب وتغيير أنظمة الحكم بالقوة، كما جرى في ليبيا والعراق وغيرها من البلدان، وما يحدث اليوم من تطورات يؤكد أن المنطقة لن تشهد استقرارا إلا بعودة العراق إلى دولة قوية سيدة تحفظ توازنات المنطقة، وهو أمر ليس متاحًا الآن”.
كذبة توني بليرالأسوأ
كذبة توني بلير رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت لا تقل سوء عن كذبة كولن باول، حيث قال إن العراق قادر خلال 40 دقيقة أن يجهز الصواريخ التي يمتلكها بأن تحمل رؤوس كيميائية وبيولوجية ويقوم بضرب لندن، وأننا لن نستطيع الدفاع عن أنفسنا إذا ما بقينا نتعامل مع العراق بهذه الطريقة، وهيأت تصريحات بلير الأجواء لجورج بوش الابن لاستكمال خطته باحتلال العراق وكان بلير عبارة عن تابع ذليل لواشنطن.
السياسي البريطاني المعروف جون بريسكوت، أعرب عن اعتقاده بأن بلاده خالفت القانون الدولي عندما شاركت في غزو العراق عام 2003.
وكتب بريسكوت، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة توني بلير وقت الحرب، في صحيفة “صنداي ميرور”، اليوم الأحد، يقول إنه الآن غير وجهة نظره في مشروعية الحرب وانتقد بلير لمنعه وزرائه من مناقشة قانونية الحرب بشكل كامل قبل المشاركة فيها.
وقال بريسكوت: “في عام 2004 قال الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان إنه بما أن الهدف الرئيسي لحرب العراق هو تغيير النظام فإنها غير قانونية. ببالغ الحزن والغضب أعتقد الآن أنه كان على حق.”
مسرحية رفع الأنبوب
فيما أكد أستاذ التاريخ، أحمد الصاوي، أن رفع كولن باول الأنبوبة التي ادّعى أنّ فيها فيروس “الجمرة الخبيثة” تصنّعه بغداد، كان أبرز أجزاء “المسرحية” في الحملة الأطلسية لتسويغ غزو العراق.
وأشار القيادي السابق بالحزب الناصري في تصريح لـ”RT”، إلى أنه في مثل هذا اليوم قبل 20 عاما، باغت وزير خارجية “القطب الأوحد” الأسبق “كولن بأول”، أعضاء مجلس الأمن الدولي، وأخرج من جيبه في حركة مسرحية أنبوبة وراح يرغي ويزبد محذرا بكل ما أوتي من بلاغة وكلمات التخويف ليمنح الهجوم البربري على العراق مبرّرات واهية، لافتا إلى أن كذبة باول لم تكن هي آخر ما في جعبة الوضاعة آنذاك .
دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية
وفي هذا السياق، قال الصاوي: “لا يمكن في هذا اليوم أن نتجاهل التقرير المبهم الذي أعلنه محمد البرادعي باسم الوكالة الدولية للطاقة النووية وهو لا يختلف كثيرا عن أنبوبة كولن باول من حيث الجوهر المخادع، إذ رغم عمل المفتشين بالعراق وعدم عثورهم على أية أدلة تثبت وجود أسلحة دمار شامل، خرج تقريره يحمل تشكيكا في أن العراق ربما يكون قد أخفى شيئا عن مفتشي الوكالة.”
واعتبر أن “أهل الكذبة”، التي قتلت الملايين من العراقيين وأدت لنهب ثرواته ومقدراته وآثاره، لازالوا يمرحون دون أدنى شعور بالذنب بل وبدون أن تزور وجناتهم حمرة الخجل.
هذا ولم يستبعد الصاوي مطلقا “أن نرى أنبوبة كولن باول بعد عدة سنوات في مزاد علني لبيع “أسخف كذبة” في التاريخ الحديث، بينما يكابد العراق فقرا مقيما في بلاد الرافدين والنفط والغاز وتمزقه الطائفية وتجثم فوق أنفاسة طغمة من الفاسدين قل أن تجد شبيها لهم في شرههم ووحشيتهم.”