“نظرة” أمريكا الى نفسها.. هي سبب أزمات ومشاكل العالم

خبران في غاية الاهمية، تناقلتهما وسائل الاعلام العالمية، خلال الايام القليلة الماضية، للوهلة الاولى، قد لا يكون بينهما اي ارتباط،  ولكن بقليل من الدقة، سنلحظ ارتباطا وثيقا بينهما، وهذا الارتباط يقودنا الى نتيجة مفادها، ان امريكا ترى في سياستها، بانها صنو الحق، وكل من يؤيد هذه السياسة في العالم،  يكون من وجهة نظر امريكا من الاخيار ، وكل ما يعارضها فهم من الاشرار.

الخبر الاول، هو ما كشف عنه مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” الامريكية في واشنطن مايكل شميدت، في كتابه الذي صدر تحت عنون””دونالد ترامب ضد الولايات المتحدة”، حيث نقل عن رئيس موظفي البيت الأبيض آنذاك جون كيلي، قوله ان : الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أصرّ خلال رئاسته، وتحديدا في عام 2017، على توجيه ضربة نووية لكوريا الشمالية واتهام دولة أخرى بالهجوم”!!.

اما الخبر الثاني، فجاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، الذي انتقد اللقاءات التي تجري بين المسؤولين السوريين والاتراك برعاية روسية، من اجل تطبيع العلاقات بين دمشق وانقرة، وحذر من “ان امريكا ستستمر في ثني شركائها حول العالم عن تطبيع العلاقات مع النظام السوري أو تحسينها”!!.

في الخبر الاول يتبين حجم النفاق الامريكي، ازاء موضوع السلاح النووي، وخطورته وضرورة نزعه من العالم، فامريكا في العلن تظهر بمظهر من يعمل ضد هذا السلاح، وتتهم الدول الاخرى بانها تسعى للحصول عليه، وتحارب وتحاصر الدول الاخرى، تحت ذريعة ان من المرفوض ان تقع مثل هذه الاسلحة بيد الانظمة الاستبدادية، بينما نرى ان امريكا نفسها، وباعتراف مسؤوليها، لا تتوانى عن استخدام مثل هذا السلاح، في الوقت الذي ليس هناك من اي مبرر على استخدامه اصلا.

الشيء المخيف، والذي يكشف عن حقيقة العقلية الامريكية في التعامل من الشعوب الاخرى، هو ما قاله شميت نقلا عن كيلي، بعد ان أحضر الاخير ،كبار قادة الجيش الامريكي للقاء ترامب وتحذيره من عواقب استخدم السلاح النووي: “ان الجدل حول عدد الأشخاص الذين يمكن أن يُقتلوا لم يكن له تأثير على ترامب”!!.

ان اصرار ترامب على استخدام السلاح النووي وقتل الملايين من البشر، كان ينطلق من فكرة ان امريكا تجسد الحق، وكل ماعداها فهم باطل، ولا يجب التعاطف معهم حتى لو بلغوا الملايين، وهي نفس العقلية التي كانت وراء قنبلتي هيروشيما وناكازاكي.

اما خبر رفض امريكا اي محاولة او مسعى تقوم به الدول الجارة لسوريا، لاعادة العلاقات معها،  لانهاء الحرب الكارثية على سوريا، والتي خلفت، منذ اكثر من 10 سنوات، ملايين الضحايا، بين قتلى وجرحى ومشردين ولاجئين، واهدرت الطاقات والثروات، التي كان بالامكان استثمارها من اجل خير الشعب السوري والشعب التركي وشعوب المنطقة. فذا الخبر يؤكد هو الاخر على ان امريكا لا ترى لاي بلد في المنطفة من حق ان يسعى وراء مصالحه ومصالح شعوبها، الا بعد ان ياخذ موافقتها، فامريكا تتعامل مع دول المنطقة على انها ليست على دراية بمصالحها، لذلك هي بحاجة الى امريكا لمعرفة مصالحها. الامر الذي يؤكد فكرة ان امريكا ترى في نفسها بانها “الولي” والاخرين “قُصّر”، لذلك تسمح لنفسها ان تضع خطوطا حمراء وصفراء وخضراء للشعوب، لتتحرك على ضوئها.

هذان الخبران يؤكدان على انه قد آن الاون لدول وشعوب المنطقة، ألا تضع جميع بيضها في السلة الامريكية، فامريكا، ليست جمعية خيرية، ولا دولة تعمل لصالح الاخرين، بل هي دولة تحاول ان تجند الجميع من اجل خدمة مصالحها، حتى وان تضاربت هذه المصالح مع مصالح قرب حلفائها، وعلى هذه الدول والشعوب ان تدخل في تحالفات اقليمية سياسية واقتصادية واجتماعية ، فمثل هذه التحالفات هي الكفيلة، في ان تحفظ حقوقها وثرواتها، فهذه الدول وبحكم تواجدها في منطقة جغرافية واحدة، هي محكومة بالامن الجماعي، فأمن اي بلد من هذه البلدان، مرتبط بامن جميع هذه البلدان، وهو ما سيجعلها في غنى عن الاعتماد على دول تبعد عن المنطقة عشرات الالاف من الكيلومترات، ولا تربطها بدول المنطقة، اي ربط، وفي مقدمة هذه الدول، امريكا.

  • ماجاء في المقال لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع

قد يعجبك ايضا