500 يمني .. قتلوا بسلاح بيولوجي!
علي الشراعي |
الجريمة لا تسقط بالتقادم و مالم تكشفه الوثائق بالرغم من مرور الفترة الزمنية لرفع السرية عنها و التى قد تدين المحتل بارتكابه جريمة أبادة جماعية ضد اليمنيين .
فتاريخ المحتل صفحاته ملطخة بجرائمه المتعددة واساليبه القذرة وسياسته الاستعمارية الخبيثة والتى مازالت تعاني من أثرها شعوب ودول إلى وقتنا الراهن .
فالقرائن تشير انه لم يكتفي باحتلال الأرض ونهب الثروات لكنه استخدام كل انواع السلاح للفتك والقتل والتدمير والأبادة .
– جرائم قوى الاستكبار
وكأن شهر اغسطس يفتح شهية الدولة الاستعمارية باستخدام السلاح البيولوجي والكيماوي والنووي كما حدث في نهاية الحرب العالمية الثانية حينما ضربت مدينتي هيروشيما وناجازكي في 6 – 9 اغسطس 1945م بقنبلتين نوويتين من قبل امريكا .
وفي شهر اغسطس عام 1846م تعرض المحتل البريطاني في عدن لإحدى حركات المقاومة اليمنية العنيفة والتى كادت أن تحرر مدينة عدن من المستعمر الإنجليزي بعد سبع سنوات من احتلاله لولا استخدامه لسلاح بيولوجي .
فرغم انهيار كل حركات المقاومة التي قامت على اثر الاحتلال وفشلها ومن ثم عقد معاهدات مع سلاطين وشيوخ القبائل المحيطة بعدن فإن الهدوء لم يستمر طويلا لتهب عليه اقوى اعاصير المقاومة اليمنية .
–العمليات الهجومية
بدأت عمليات المقاومة اليمنية الهجومية على القوات الانجليزية في عدن – والتى احتشد لهذه المقاومة من كل مناطق اليمن وقراها وبالاخص القبائل المحيطة بمدينة بعدن كقبيلة العبدلي والفضلي والحواشب وغيرهما – ففي السابع من اغسطس 1846م تحركت قوة قوامها اربعمائة مقاتل بمحاولة لإستكشاف مواقع البريطانيين غير انهم ما كادورا يقتربون من حدود عدن حتى اشتبكوا مع القوات البريطانية التى اجبرتهم على الانسحاب تاركين خلفهم ستة شهداء وسبعة عشر جريحا وثلاثة اسرى وقد اعقب ذلك وقوع عدة مناوشات وفي 11 اغسطس زحف قائد المقاومة الشريف اسماعيل ابن الحسن الى منطقة الشيخ عثمان وعسكرت قواته هناك وامر ألفا ومائتين من رجاله بالتقدم نحو جسر خور مكسر الذي يفصل بين عدن والشيخ عثمان طه جاده .
وفي يوم 26 اغسطس زحف ألفان من رجال المقاومة نحو عدن ولكنهم قوبلوا بوابل من نيران القوات البريطانية .
ورغم ذلك اشتدت المقاومة وبدات بالزحف العام نحو عدن وتطويقها فتقدمت قواته التي انقسمت الى فرقتين إحداهما اتجهت نحو خندق السور بينما سارت الاخرى نحو باب عدن وعندما اقتربت قواته من عدن تعرضت لنيران كثيفة من الخطوط الدفاعية البريطانية كما تعرضت ايضا لضرب مؤثر من مدفعية السفينة الحربية سيزوستريس التي انتظر قائدها الكابتن هاملتن في ساحل أبين حتى جاءته الاوامر فتقدم نحو الشاطئ واطلق مدافع سفينته نحو مواقع قوات الشريف فحطم جسر خور مكسر والحق بجنود المقاومة اليمنية خسائر فادحة .
–سلاح بيولوجي
وامام فارق السلاح وتمركز المحتل بمواقع دفاعية وخلف مدافعه وبوارجه كل ذلك لم يستطع ان يكسر المقاومة اليمنية او يثنيها عن تحرير عدن .
وهنا لجأ الى سلاح بيولوجي لكن كل من أرخ من المؤرخين لتلك الفترة فقد ذكر الى انتشار اوبئة وتفشي وباءي الكوليرا والطاعون بين جنود المقاومة اليمنية وفتكا بهم فتكا ذريعا حيث بلغ عدد ضحايا الوباء حوالي 500 شخص فيما تفرق الباقون وبذلك انهارت مقاومة الشريف اسماعيل واضطر الى اللجوء الى منطقة أبين لترتيب وضعه من جديد برفقه السلطان احمد بن عبدالله الفضلي ورغم ذكر بعض المؤرخين لاسباب الهزيمة ومنها التفوق العسكري للبريطانيين وانهم في مركز دفاعي افضل اضافه ان سفنهم الحربية كانت على مقربة من منطقة جبل حديد وخور مكسر فيما كان المهاجمون في ارض مكشوفة واصابتهم واسباب اخرى للهزيمة وفي 22 من اغسطس 1848م قتل الشريف اسماعيل بيد بدوي من اهالي ابين وبذلك انتهت اقوى حركة مقاومة يمنية جسدت وحدة ابناء اليمن من عسير حتى ابين في ذلك الوقت .
–وثائق لم تكشف
لكن ما يأسف له أن المؤرخين مروا على ذكر انتشار تلك الأوبئة مرور الكرام ولم يتطرق احد منهم لاسباب انتشارها فالمؤرخ سلطان ناجي في كتابه (التاريخ العسكري) يشير الى انتشار اوبئة و و (الهواء الأصفر) كما ذكره المؤرخ احمد فضل العبدلي في كتابه (هدية الزمن في ملوك لحج وعدن ) في حين ان القرائن من خلال تاريخ بريطانيا الاستعماري يدل انها قد استخدمت سلاح بيولوجي في مناطق مختلفة من العالم ومنها ضد الهنود الحمر ابان اكتشاف الامريكيتين .
في الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي قام فريق مشترك بريطانيا مع امريكا وكندا برش البكتريا المعروف بخطورتها في منطقة جزر البهاما بالبحر الكاريبي ونتج عنها نفوق آلاف الحيوانات في حين ان نتائج تلك التجارب محظورة فلم يكشف عن الضحايا البشرية جراء تلك التجارب البيولوجية .
ومما يؤكد استخدام المحتل البريطاني السلاح البيولوجي ذلك كما ذكر المورخين ان الاوبئة انتشرت بشكل سريع وفتكت بالمقاومين فتكا ذريعا فتوقيت المعركة والهجوم على عدن في شهر اغسطس وهو من الشهور الحارة والذي يساعد الهواء الحار على انتشار الاوبئة بالهواء وفتكها بالضحايا بوقت قصير عكس الاجواء الباردة.
كذلك فاحتلال بريطانيا لميناء عدن ذات الاهمية الاستراتيجية لا يمكن ان تتخلى عنه ولو كلفها ذلك استخدام مختلف الاسلحةومنها السلاح البيولوجي ضد المقاومة اليمنية .
انشغال بريطانيا وانتشار قواتها في مناطق متعددة وخاصة بعد خروجها المذل والمشين من افغانستان ( 1839- 1843م) جعلها تستخدم كل ما لديها من اسلحة ولا تخسر منطقة اخرى قد تهز مكانتها الدولية في خضم صراعها مع روسيا وفرنسا محاولة بريطانيا اخفاء لجريمتها وذلك عبر عزل ومحاكمة وسجن المندوب السامي البريطاني في عدن الضابط هينس واحد اعوانه بذريعه التلاعب بضرائب وموارد ميناء عدن ومتناسيين دوره في احتلال عدن حيث ظل في سجن بومباي بالهند ست سنوات ولم يفرج عنه الا بعد ان اصيب بالعمي والامراض ليموت على اثر ذلك بعد خروجه من السجن .
–حقيقة الغزاة
فكل القرائن والشواهد لا تستبعد استخدام المحتل لسلاح بيولوجي ضد تلك المقاومة والتى لم ترفع السرية عن الوثائق البريطانية التى تتحدث عن تلك الفترة بالرغم لتدوينهم وتوثيقهم وارشفتهم لكل شي كان يدور في عدن.
ومن ذلك ما اشار اليه المؤرخ احمد العبدلي في كتابه هدية الزمن فقد ذكر أن المستر اتشيسن بي السكرتير الثاني لحكومة الهند ذكر في كتابه ( مجموعة المعاهدات والارتباطات والسندات المختصة بالهند والبلدان المجاورة لها ) ان بريطانيا قطعت الراتب الذي كان للسلطان محسن العبدلي لاشتراكه في الهجوم على عدن في اغسطس 1846م .
ولعله سيأتي اليوم الذي يرفع السرية عن جريمة بريطانيا بحق اليمنيين باستخدامها سلاح بيولوجي والذي نراها اليوم تتباكي على اوكرانيا فهل يدرك من ارتهن لدول العدوان اليوم بجرائم المحتلين والغزاة ؟!