مواسم الترفيه في السعودية.. تغطية لانتهاكات حقوق الإنسان وقمع الناشطين

على وقع إصدار ومصادقة أحكام الإعدام بحق العشرات بينهم قاصرين، وفي ظل الأحكام التعسفية غير المسبوقة التي وصلت إلى 9 عقود بحق ناشطين وناشطات، افتحت الرياض مواسم الترفيه الثالثة.

المواسم، التي تأتي ضمن التوجهات الجديدة بعد إطلاق رؤية 2030، هي نوع من الاستثمار الاقتصادي في المجالات غير النفطية، كما أنها محاولة من الحكومة السعودية، لجعل البلاد وجهة سياحية للعالم.

وعلى الرغم من محاولة الحكومة السعودية اخفاء وجوه التدهور، من خلال فرض الصمت على المجتمع المدني ومنع أي دور للمنظمات وترهيب العائلات، إلا أن الحقائق حول الانتهاكات لا زالت تظهر إلى العلن.

 

تدهور غير مسبوق في حقوق الانسان

المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، قالت “إن محاولات السعودية تسليط الضوء على مواسم الترفيه، والفعاليات المختلفة التي تستقبلها وتنظمها منذ العام 2017، يأتي في ظل تدهور غير مسبوق في حالة حقوق الإنسان في الداخل”.

وأشارت المنظمة إلى أنه خلال شهر أكتوبر 2022، الذي تنطلق فيه فعاليات الرياض، عمدت الحكومة السعودية إلى إصدار أحكام بالقتل بحق 12 شخصا على الأقل، ليصبح عدد المعتقلين المهددين بالإعدام، والذين تمكنت المنظمة من تتبع قضاياهم 40 شخصا.

من بين هؤلاء 8 قاصرين على الأقل، هم عبد الله الدرازي، جلال اللباد، يوسف المناسف، حسن زكي الفرج، عبد الله الحويطي، جواد قريريص، مهدي المحسن، علي السبيتي.

وأكد توثيق المنظمة أن معظم المعتقلين المهددين بالإعدام، حرموا من شروط المحاكمات العادلة وتعرضوا لانتهاكات شديدة، بما في ذلك مختلف أنواع التعذيب وسوء المعاملة، والحرمان من الحق في الدفاع عن النفس، كما أن معظمهم لم يواجهوا تهما جسيمة.

وفيما تقول هيئة الترفيه، أن المواسم التي تحمل شعار: “فوق الخيال” هي للجميع، فإن الحكومة السعودية تحرم مئات الأفراد من حقهم في الحرية وممارسة الحياة الطبيعية، بتهم تتعلق بممارستهم حقوق مشروعة مثل التعبير عن الرأي أو الخروج في مظاهرات. إضافة إلى ذلك، يصدر القضاء في السعودية أحكاما بالقتل والسجن لعقود على قاصرين.

وشددت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان على أن مواسم الترفيه وحملات التبييض الرياضي، التي أنفقت عليها السعودية مليارات الدولارات خلال الأعوام الماضية، تأتي ضمن محاولاتها رسم صورة جديدة لها أمام العالم تخفي تحتها الانتهاكات والقمع الذي يتعرض له الناس في الداخل.

واعتبرت المنظمة أن الترويج لهذه المواسم، واستضافة المشاهير من دول العالم، وفتح أبواب السعودية للسواح والأجانب، فيما لا زالت حياة قاصرين ومتظاهرين ومعتقلي رأي مهددة بالإعدام هو تناقض صارخ.

 

 أحكام جائرة

فيما ذكرت منظمة  سند لحقوق الإنسان، أن المحكمة الجزائية المتخصصة أصدرت حكما بالسجن مدة 16 سنة ضد سعد إبراهيم الماضي الذي يحمل الجنسية الأمريكية أيضا؛ على خلفية تغريدات عبَّر فيها عن رأيه.

وفي السياق نفسه، أصدرت محكمة الاستئناف حكماً بالسجن لمدة 15 سنة ضد الطبيبة التونسية المقيمة في المملكة د. مهدية المرزوقي؛ على خلفية تفاعلها مع تغريدة على حسابها في “تويتر”.

وكانت النيابة العامة قد وجهت ضد المرزوقي عدة تهم أبرزها الإساءة إلى نظام الحكم والتعدي على نظام الدولة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وأصدر القضاء ضدها حكماً بالسجن مدة سنتين و 8 أشهر، مع وقف تنفيذ سنة منها، قبل أن تقوم محكمة الاستئناف بتغليظ الحكم إلى 15 سنة.

إلى ذلك وضمن سياسة القضاء السعودي المجحفة بحق معتقلي الرأي، لجأت محكمة الاستئناف بنقض حكم البراءة الصادر من المحكمة الجزائية المتخصصة في يناير عام 2021 بحق الصحفي اليمني المعتقل في المملكة مروان المريسي، وإصدار حكم بالسجن ضده مدة 5 سنوات.

وفي سياق متصل، إعادة المحكمة الجزائية المتخصصة محاكمة الحقوقي المعتقل محمد الربيعة، بعد انتهاء محكوميته البالغة 6 سنوات مع وقف تنفيذ سنتين منها.

وتدين منظمة سند إصرار القضاء السعودي في التحايل على القانون وإعادة إصدار الأحكام التعسفية بحق معتقلي الرأي الأبرياء، بدوافع قمعية تنتهك العدالة والقانون.

فيما يواصل المعتقل عيسى النخيفي منذ 15 اكتوبر الجاري، إضرابه عن الطعام؛ احتجاجا على التنكيل المتعمد الذي يطال معتقلي الرأي، والمماطلة المتعمدة في حسم قضيته والإفراج عنه.

ومضى على اعتقال النخيفي 2130 يوما، حيث جاء اعتقاله في 18 ديسمبر 2016م، خلال استدعاءه للمباحث الجنائية بمكة للتحقيق ولم يخرج بعدها وتم نقله بعد 3 أشهر للسجن العام بمكة المكرمة.

وتفيد تقارير بتعرضه للتعذيب في معتقله وحبسه انفراديا لفترة طويلة ولم يسمح له بتوكيل محامي، كما تقدم بمطالبات كثيرة لنقله من سجن مكة المكرمة إلى سجن جازان حتى تتمكن والدته المسنة ( 82 عاما) من زيارته حيث أنها لا تقيم في جازان ولا تستطيع السفر لمكة، إلا أن النظام تجاهل كل مطالباته.

وطالبت أوساط حقوقية الجهات الحكومية المعنية في السعودية بإنهاء التنكيل المتعمد بحق معتقلي الرأي والمماطلة في الإفراج عن الأبرياء بلا ذنب أو جريرة.

وأكدت تقارير موثوقة أنه منذ أكثر من أربعة أشهر، قررت محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة إضافة خمس سنوات أخرى من السجن إلى الحكم الأصلي بالسجن ثماني سنوات، الصادر في العام الماضي، ضد المدافعة عن حقوق الإنسان إسراء الغمغام .

وكانت قوات الأمن قد داهمت منزل الغمغام، في 06 ديسمبر 2015، وألقت القبض عليها مع زوجها الناشط موسى الهاشم بسبب مشاركة الاثنان بمظاهرات سلمية في القطيف، والتي اندلعت بالشرق الأوسط خلال ما يسمى بالربيع العربي في عام 2011.

وفي تاريخ 10 فبراير 2021، حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة على الغمغام، بالسجن ثماني سنوات، تليها ثماني سنوات أخرى من المنع من السفر بعد قضاء عقوبة السجن. كانت تبلغ من العمر 32 عامًا وقت إصدار الحكم.

بعد احتجاجات دولية، أسقطت النيابة مطلبها الحكم على الغمغام بقطع الرأس، لكن زوجها وأربعة متهمين آخرين ما زالوا عرضة لعقوبة الإعدام.

ولاتزال الغمغام، في سجن المخابرات العامة بالدمام، حيث احتجزت فيه منذ اعتقالها. تلقى مركز الخليج لحقوق الإنسان معلومات تفيد بأن صحتها قد تدهورت ولم تحصل على الرعاية الطبية المناسبة.

في قضية منفصلة، بتاريخ 11 أكتوبر 2022، نشرت المدافعة عن حقوق الإنسان مها القحطاني تغريدة على حسابها في تويتر قالت فيها إن زوجها المحتجز، المدافع عن حقوق الإنسان الدكتور محمد القحطاني ، قد مُنع من الاتصال بها.

وكانت محكمة الجنايات بالرياض في 09 مارس 2013 ، قد أصدرت حكماً على الدكتور القحطاني بالسجن 10 سنوات في 12 تهمة من بينها إنشاء منظمة غير مرخصة (وهي حسم).

يذكر أن الدكتور القحطاني هو عضو مؤسس لجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم) وأستاذ في معهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية السعودية.

من جانب اخر قالت شبكة “دوتشه فيله” الألمانية إن أحكام السجن القاسية التي صدرت مؤخرا في السجون تعكس رؤية ولي العهد محمد بن سلمان القمعية.

وبحسب الشبكة شهدت السنوات الماضية بداية حقبة مظلمة جديدة لناشطات حقوق النساء في السعودية؛ فبعد الحكم على سلمى الشهاب بالسجن لـ34 عاما، قضت محكمة جزائية في الرياض بمعاقبة نورة القحطاني بالسجن لمدة 45 عاما.

فبعد أن قضت محكمة سعودية في 9 أغسطس ،  بسجن سلمى الشهاب  لمدة 34 عامًا، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض بعدها في نفس الشهر حكمها على نورة بنت سعيد القحطاني بالسجن لمدة 45 عامًا.

تتشابه القضيتان في العديد من النواحي – حيث تمت إدانة كلتا المرأتين بموجب قانون مكافحة الإرهاب وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، بسبب إبداء الإعجاب أو إعادة تغريد مقالات على وسائل التواصل الاجتماعي، من تلك التي تدعم حقوق الإنسان وحقوق المرأة، رغم أن أياً من السيدتين لم تكن معروفة للرأي العام.

وكشفت مصادر حقوقية عن تفاصيل حالة إخفاء قسري في السعودية منذ نحو عامين تعود للشابة لجين البوق المعتقلة منذ 20 مايو 2019.

وأفاد حساب “معتقلي الرأي” في تغريدة عبر “تويتر” بأن الشابة لجين البوق (ابنة مجالي محمد البوق) تقبع رهن الاعتقال التعسفي منذ 20 مايو 2019.

وأكد الحساب أن سلطات آل سعود حكمت عليها بالسجن مؤخراً 5 سنوات بعد أن ظلت طوال الفترة الماضية مختفية قسريا.

ووثقت المنظمة الأوربية السعودية لحقوق الإنسان اعتقال السلطات الأمنية 87 امرأة منذ ولاية سلمان وابنه حكم المملكة (2015-2020).

ولا تعد هذه الحملة الأولى من نوعها ضد ناشطي حقوق الإنسان، لكنها الأكثر قسوة من بينهم والأوسع نطاقا، حيث كانت هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها السلطات الناشطات استهدافا جماعيا في مايو 2018م.

 

اعتقالات واخفاء قسري

 

وذكرت المنظمة الأوربية السعودية أن هناك 50 معتقلة حاليا في سجن “ذهبان” بمدينة جدة، فيما أفرجت السلطات عن ٨ لكن محاكمتهن لا زالت قائمة، و8 نساء أفرج عنهن نهائيا.

وقالت إن مصير واحدة من المعتقلات ما زال مجهولا.
وتوفيت المعتقلة حنان الذبياني داخل سجن “ذهبان” في 10 أكتوبر 2016م، الأمر الذى قوبل بتنديد حقوقي دولي واسع ومطالبات بالإفراج عن معتقلات الرأي.

وفي وقت سابق أدانت 36 دولة عضو في مجلس حقوق الإنسان من أصل 47 دولة، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي بجميع أعضائه الثمانية والعشرين، الاعتقالات المستمرة في المملكة والتي وصفها بـ “التعسفية” للمدافعين عن حقوق الإنسان وتوظيفها قوانين مكافحة الإرهاب لإسكات معارضيها.

وتزايدت عمليات الاختفاء القسري في المملكة في العامين الأخيرين وخصوصا في عهد الملك سلمان وابنه لوافدين الى المملكة ومقيمين فيها.

وتقوم الرياض بإخفاء المعتقلين لديها اختفاء قسريا وتمنع عائلاتهم من أي معلومات تخصهم أو حول التهم الموجه إليهم أو معرفة مكان اعتقالهم أو زيارتهم.

واستهدفت حملات اعتقال واسعة المدافعين عن حقوق الانسان الذين يطالبون ويدافعون عن حقوق المرأة وعن اسقاط نظام الولاية .

ومن الواضح أن المملكة وصلت إلى أسوأ مراحلها رغم أنها لم تكن يوما من الأيام بلدا ديمقراطيا، إلا أن الانتهاكات الحاصلة بدأت تأخذ منحى متصاعداً كبيراً.

وطالت الانتهاكات جميع شرائح المجتمع وصدرت أحكام قاسية بالسجن على بعضهم فيما يتعرض آخرون للتعذيب الوحشي وهددت الناشطات بالاغتصاب والقتل والاختفاء القسري ايضاً.

وتستمر الرياض في حرمان الكثير من المعتقلين من حقوقهم القانونية بعضهم في حالة اختفاء قسري ما يثير القلق حول تعرضهم للتعذيب وللمعاملة القاسية والمهينة.

قد يعجبك ايضا