يشن جهاز المخابرات الإسرائيلية منذ أقل من شهر حملة اقتحامات لمنازل شبان في معظم بلدات الداخل الفلسطيني المحتل، على خلفية الرباط في المسجد الأقصى، وتسليمهم رسائل بالتهديد حال استمروا في ذلك.
وتفاجأ عشرات الشبان باقتحام عناصر المخابرات لمنازلهم خلال الأيام الماضية، خاصة تلك التي بدأت مع الأعياد اليهودية قبل نحو أسبوعين، وترهبيهم وتهديدهم بالاعتقال بحال عاد للرباط بمسجد الأقصى.
فتحويل الرباط في الأقصى إلى تهمة تستوجب الاعتقال والمحاكمة، من قبل أكبر جهاز في الكيان الإسرائيلي، مؤشر خطير ومتقدم في سلخ فلسطيني الداخل عن قضية القدس والأقصى، ولتفريغهم منه، كما يؤكد نشطاء ملاحقون وحقوقيون.
وشهدت كل من كفر قاسم وأم الفحم وكفر مندا واللد والرملة ومدن أخرى بأراضي الـ48 اقتحامات لجهاز المخابرات “الشاباك” لمنازل شبان، وتم تهديدهم وترهيبهم وتسليمهم رسائل تحذيرية بالرباط في الأقصى، و”ممارسات أخرى”.
ورقة تحذير أو اعتقال
ويقول أحد الشبان من كفر مندا لوكالة “صفا”: “إن عناصر المخابرات الإسرائيلية اقتحمت البيت يوم الأربعاء، واستدعوني مع شقيقي وأبلغوني بأن لديهم ورقة باعتقالنا أو تحذيرنا”.
ويضيف: “حينما سألناهم عن سبب الاقتحام، قالوا لنا: أنتما متهمان بالذهاب للرباط في المسجد الأقصى، ولدينا ورقة إما باعتقالكما أو تحذيركما بالالتزام”.
ويؤكد الشاب بأن عناصر المخابرات أرهبوا أهل المنزل من النساء أيضًا، قبل أن يغادروا تاركين التهديد بالاعتقال.
ومن الذين تم تهديدهم، الناشط الشبابي محمد الطاهر جبارين وهو أبرز الشبان الملاحقين في أم الفحم على خلفية الرباط في الأقصى، كما هدد ضابط المخابرات كل أفراد أسرته.
تهمة التضامن مع الضفة
ويقول لوكالة “صفا”: “قبل أيام اعتقلوني أنا ووالدتي، على خلفية الرباط في الأقصى، وتحديدًا مع بدء الأعياد اليهودية، وخلال التحقيق قال لي الضابط، ما شأنك بالأحداث في المسجد الأقصى حتى تذهب هناك، فأجبته بأننا شعب واحد، وهذا مسجدنا ومن حقنا الصلاة فيه”.
ويكمل ساردًا ما جرى في جلسة التحقيق: “كما حققوا معي على خلفية الدعوة للتضامن مع بلدة برقا، وقال لي الضابط: ما شأنك ببلدة برقا، وأنت متهم بالتضامن مع الضفة”.
جبارين أجاب على سؤال ضابط الاحتلال بسؤال آخر قائلًا: “وما شأنك أنت في اليهودي الذي يقيم في القدس”، وهو ما ردّ عليه الضابط بتهديده، مطالبًا إياه بالالتزام بـ”محاربة الجريمة والعنف في بلداتكم”، وهو ما ردّ عليه جبارين بالقول: أنتم السبب الرئيسي في هذه الجريمة، اذهبوا وحاربوها”.
وأفرج جهاز مخابرات الاحتلال عن جبارين ووالدته، بشرط الإبعاد 8 أيام عن الأقصى والقدس، وطالبوه خلال تلك المدة بالحضور لاستلام الإبعاد الأطول وهو ما بين شهرين إلى ستة أشهر، كشرط للإفراج عنه.
ويقول: “لن أذهب لتسلّم قرار الإبعاد، لأنني على أي حال مبعد، ولن يستطيعوا منعي عن الرباط، أو يحاولوا اعتبارها تهمة تستوجب الاعتقال”.
ويؤكد جبارين أن ما فعله الاحتلال يستوجب وقفة وهبة وحدوية في الداخل والضفة والقدس، لمنع تمرير مخطط الإبعاد الجغرافي عن المسجد.
وفي مقابل الاقتحامات التي يواجهها شبان الداخل لمنازلهم، يتلقى المئات في بلدات الـ48 أوامر إبعاد بالجملة، عن المسجد الأقصى ومدينة القدس.
تخوف من سيناريو
ويقول مدير مؤسسة “ميزان” لحقوق الإنسان عمر خمايسي لوكالة “صفا”: “إن الاحتلال أصدر أوامر إبعاد بالجملة خلال الفترة الماضية، وعددها بالمئات، ضد شبان وشابات بالداخل لمنعهم من الوصول إلى الأقصى”.
ويؤكد أن الاحتلال يريد من ملاحقة الشبان ومحاولة صنع “تهمة من الرباط بالأقصى”، لسلخهم تمامًا عنه جغرافيًا وعقائديًا، واصفًا ما يجري من ملاحقات، وتهديد بالاعتقال، بأنهم مخالف تمامًا للقانون ولا يوجد أي مبررات شرعية له.
ويضيف: “ما يجري هي ملاحقة سياسية بحتة، وهي تنفيذ لمخطط لإبعاد شباب الداخل عن الأقصى، حتى يُقال بأن المسجد فارغ، وأنهم هم الذين لم يأتوا إليه”.
وبالإضافة لإبعادهم عن الأقصى، فإن ملاحقات واقتحامات الشاباك لمنازل الشبان وقرارات الإبعاد، تعكس تخوف المؤسسة الإسرائيلية من هبة شعبية بالداخل على غرار هبة الكرامة التي اندلعت بمايو من العام المنصرم، على خلفية العدوان على الأقصى في رمضان.
واستطاعت سلطات الاحتلال خلال فترة الأعياد تفريغ المسجد الأقصى من المرابطين من الداخل، بالتزامن مع تضييق الخناق على الضفة وتشديد القبضة على القدس ومنع أهلها من الوصول إلى المسجد، في وقت تحاصر فيه غزة، وهو ما تريده للاستفراد بالمسجد.
ويرى خمايسي بأن الاحتلال يضع سيناريو هبة على غرار هبة الكرامة، أمام عينيه، ويستبقها بملاحقة الشبان بالاقتحامات والترهيب والتهديد، معتبراً أن الإرهاصات الحالية والأحداث والاعتداءات المتطورة ضد المسجد الأقصى المتواصلة، تؤشر إلى إمكانية اندلاع هذه الهبة، إلا أنها ستكون أقوى من هبة الكرامة.
يُذكر أن هبة الكرامة بالداخل، شكّلت ضربة قوية وصدمة للمنظومة الإسرائيلية، التي راهنت على أن مشاريع الأسرلة نجحت بسلخ أهل الداخل وخاصة جيل الشباب عن قضيتهم وهويتهم الفلسطينية، وعلى خلفية هذه الهبة اعتقلت ما يزيد عن 2800 شاب، لا يزال العشرات منهم رهن الاعتقال والمحاكمة حتى اليوم.