تعنت صرف المرتبات يقرب مسارات الحرب
بحلول مساء الأحد الماضي، الثاني من أكتوبر الجاري، وبعد تمام الأشهر الستة من زمنها الكلي، انقضت الفترة الثالثة من الهدنة الأممية المعلنة في اليمن، بدون أن تلُوح أي بوادر باتجاه السلام الاقتصادي والمعيشي لكل اليمنيين، بل ظل التقسيم والاجتزاء والتعنت هو من يتسيد موقف الحكومة المعترف بها دولياً، ومن ورائها التحالف، ليس لهدف واضح بل لاختلاق ذرائع تفوت السلام الحقيقي على اليمن والمنطقة بأسرها.
وفيما تصر صنعاء على صرف مرتبات كل موظفي الدولة، بدون تجزئة مناطقية أو فئوية، وبما يشمل مرتبات 1,25 مليون موظف في القطاعين المدني والعسكري في كل المحافظات، وفق آلية شفافة ومن مصادر تمويل مأمونة حتى لا تتوقف عملية الصرف بعد أشهر من الاتفاق؛ رفضت الحكومة المعترف بها دولياً، هذا المطلب المنصف لكافة اليمنيين بلا استثناء ووفق كشوفات 2014م.
كشوفات 2014م رغم ما يكتنفها من اجتزاء لإجمالي الموظفين الحاليين، كانت شرطاً رئيساً طالما رددته الحكومة منذ تعهدت بدفع رواتب كافة الموظفين اليمنيين، مقابل موافقة مجلس الأمن والأمم المتحدة على نقل عمليات البنك المركزي اليمني إلى عدن، وتحويل مسار الإيرادات إليه.
وبدلاً من التزامها بالوفاء بهذا التعهد المقطوع أمام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، تمضي الحكومة وبدعم من التحالف متنصلة من تلك الالتزامات، في لحظات مفصلية في تحقيق السلام الاقتصادي والمعيشي بالنسبة لكافة اليمنيين، عبر اختلاق ذرائع أقبح من الرفض، فاستثناء 653 ألف موظف عسكري وأمني من المرتبات بذريعة صفاتهم العسكرية والأمنية، و125 ألف موظف بذريعة انتمائهم للوحدات الاقتصادية، انتهاك صارخ يمس بكينونتهم وانتمائهم كيمنيين طالتهم ألسنة الحرب الاقتصادية وتداعياتها القاسية على أسرهم.
الحكومة المعترف بها دولياً- التي كانت وما تزال تنفق أكثر من 7 ملايين دولار شهرياً كمرتبات ثابتة لموظفيها خارج البلاد وفق وثائق بنكية- لم تكتفِ بهذه النظرة العنصرية، بل استثنت موظفي الجهات المركزية كمكتب رئاسة الجمهورية والمرافق التابعة للحكومة بشكل مباشر، ودواوين الوزارات أي 12,4% من إجمالي الموظفين المدنيين، كما عمدت لتقسيم 472 ألف مدني على المحافظات لتقليص العدد الإجمالي المستحق للمرتبات، إلى 200 ألف موظف يعملون في مجالات خدمية.
هذا التعنت الواضح لا يعني التهرب من أي التزامات مالية، فحسب، بل يعني عقد النية على حرب اقتصادية طويلة الأمد، لا تنقطع مكاسبها في حسابات التحالف الحريص على استمرار الحرب ليستمر في نهب ثروات اليمن النفطية والغازية، فعلى سبيل المثال لا الحصر نهب التحالف خلال فترة الهدنة (2 إبريل -2 أكتوبر) قرابة 10 ملايين برميل من النفط الخام اليمني عبر ميناءي النشيمة والضبة، بقيمة 1.1مليار دولار، ما يعادل 661.8 مليار ريال، وهو ما يعادل مرتبات ستة أشهر لموظفي القطاع العام اليمني، بواقع 77 مليار ريال شهرياً، وهذه الإيرادات خارج إيرادات مبيعات الغاز المنزلي وعوائد الجمارك في الموانئ والمطارات الواقعة تحت سيطرة التحالف.
وتعددت الخيارات المطروحة والمقبولة من قبل حكومة صنعاء بشأن الراتب عبر جمع عوائد السفن القادمة إلى ميناء الحديدة، على أن تلتزم الحكومة المعترف بها دولياً بتمويل عجز حساب المرتبات من عائدات النفط والغاز، وهو الخيار الذي رفضته الحكومة ومن ورائها التحالف، فيما تمسكت حكومة صنعاء بربط المرتبات بمبيعات النفط والغاز كونها أكثر ضماناً لاستمرار صرف المرتبات بدون انقطاع، مع استمرار التزامها بآلية اتفاق استكهولم حتى الآن.
الأهم في ملف المرتبات، هو أن رفض الرواتب التي تمثل مطلباً لكل اليمنيين، لا يعني سوى هروب الحكومة المعترف بها دولياً من الاستحقاق المشروع لكل يمني، لكنه هروب لا ولن يضمن للتحالف استمرار نهب الثروات النفطية والغازية اليمنية، بل سيفتح الحرب واسعة على حقوله النفطية في عمق أراضيه، حيث أكد ناطق قوات صنعاء أن الحرب ستلتهم أصول المستثمرين والشركات النفطية في الإمارات والسعودية.
اللجنة الاقتصادية العليا في حكومة صنعاء، وفي بيان لها صدر اليوم الثلاثاء، وجهت مخاطبات ورسائل إلى جميع الشركات النفطية المحلية والأجنبية، وشركات الخدمات النفطية، بالإضافة لشركات الملاحة، محذرة جميع الشركات من مغبة عدم الالتزام بالقرارات التي تضمنتها المخاطبات، حفاظاً على مصالحها، مؤكدة أنها مستمرة برصد ومتابعة مدى امتثال الشركات لتلك القرارات، وسيتم الرفع بأي مخالفة إلى الجهات المخولة بالدفاع عن ثروات الشعب اليمني.
وأكد البيان أن تلك المخاطبات جاءت كإجراء قانوني يستند للدستور والقوانين اليمنية النافذة، التي تلزم بحماية وصيانة الثروات الوطنية، وبالاستناد إلى اتفاقيات المشاركة التي أقرها مجلس النواب، وكذلك قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ذات الصلة.
المسيرة