“أروقة الأقصى”.. تحفة معمارية تحتضن أهم أبوابه وتتمسك بهويته
Share
ذات منظر معماري جمالي مميز ملاصقًا لأسوار المسجد الأقصى المبارك من جهاته الغربية والشمالية والشرقية، يضم في جنباته ثلاثة أروقة تاريخية، حاول الاحتلال الإسرائيلي وما زال إحكام سيطرته على رواقين منهما، ومنع المصلين والحراس من الصعود إليهما، ويخطط لإقامة كنيس فوق الرواق الغربي.
والرواق عبارة عن ممر طويل مسقوف بطريقة مميزة جدًا، يتكون من أعمدة حجرية موصولة بأقواس تاريخية تستخدم إما للدراسة أو التلاقي أو التشاور، وقد استخدمت ممرات لدخول المصلين وانتقالهم من البوابات إلى داخل المسجد الأقصى.
ومازال الرواق الغربي، الذي سُمي أيضًا بـ “اللواوين”، الوحيد الموجود بنفس الشكل والأسلوب القديم وإن كان قد جُدد وأُعيد بناؤه عدة مرات وعلى أكثر من مرحلة في الفترتين المملوكية والعثمانية، بهدف تسهيل المرور بين المعالم الموجودة في المنطقة الغربية للمسجد.
ويمتد من الزاوية الشمالية الغربية من باب الغوانمة حتى باب المغاربة في الزاوية الجنوبية الغربية، ويضم العديد من المعالم المهمة والمعروفة، كالأبواب والمدارس والمآذن.
وأما الرواق الشمالي، يمتد على جزء كبير من الجدار الشمالي للأقصى، ويبدأ من باب الأسباط في الزاوية الشمالية الشرقية من المسجد حتى بداية المدرسة العمرية في الجهة المقابلة غربًا.
ويتكون من دعامات حجرية ضخمة، تعلوها سقوف من العقود والأقبية المتقاطعة، وقد فرشت أرضيته ببلاطات حجرية، تعلو قليلًا عن ساحة المسجد الأقصى، وجُدد على ثلاث فترات زمنية بين الفترتين الأيوبية والمملوكية.
لكن هذا الرواق تغير اليوم، وأصبح يضم عمومًا مجموعة من المدارس المنتشرة في الجهة الشمالية، فيما جرى إغلاق الجزء الوحيد الذي بقي منه على شكل رواق، وتقطيعه إلى صفوف دراسية، وتحول إلى مدرسة ثانوية الأقصى الشرعية للبنين، وفيه جزء صغير أصبح مدرسة رياض الأقصى.
وأما الرواق الشرقي يقع على طول السور الشرقي للأقصى، بُني في الفترة الإسلامية المبكرة، ويُرجّح أنه بُني في الفترة الأموية، ويحتوي على عدة أبواب مغلقة، وصفه الكثير من الفلاسفة والرحّالة بأنه ذو حجارة مصقولة مميزة، وزخارف كثيرة من حديد ونحاس وذو طابع معماري مميز.
وبسبب تعرضه للكثير من الزلازل، لم يتبق من الرواق الشرقي سوى بقايا اُكتشفت قرب بوابات المصلى المرواني العملاقة.
وما يزال الاحتلال يواصل استهدافه لمعالم المسجد الأقصى بالتهويد وبناء الكنس والحفريات، ونصب كاميرات المراقبة، ومحاولاته المستمرة لاقتطاع أجزاء منه، وإحكام سيطرته عليها.
استهداف متواصل
الباحث في شؤون القدس والأقصى رضوان عمرو يقول لوكالة “صفا” إن سلطات الاحتلال تواصل استهدافها ومحاولات بسط سيطرتها على معالم المسجد الأقصى، فقبل سنوات عملت على تركيب سياجًا إلكترونيًا فوق الرواقين الشمالي والغربي للمسجد، بحجة منع تسلل أي متطرف إليه.
ويشير إلى أنه وفي سنوات ماضية سُبق وأن حدثت عدة محاولات من المستوطنين للتسلل ليلًا فوق الرواقين، عبر استخدام الحبال، لكن الحراس كانوا يُحبطون هذه المحاولات.
ويضيف أن شرطة الاحتلال بدأت تدريجيًا بمنع دائرة الأوقاف الإسلامية والسكان المجاورين للأقصى من الصعود إلى سطح الرواق، وأصبحت تستخدمه لاحقًا للمراقبة ولإطلاق النار على المصلين، واعتلاء القناصة، وتركيب المزيد من كاميرات المراقبة المتطورة، وأبراج لاسلكية لمراقبة المسجد على مدار الساعة.
وبعد هبة “باب الأسباط” عام 2017، لم يستطيع الاحتلال تركيب كاميرات مراقبة داخل الأقصى وعلى أبوابه، لكنه تمكن من تركيبها فوق الرواق الغربي وفوق باب الأسباط، وباب الغوانمة، وبجوار باب المجلس، والزاوية الوفائية وعند باب القطانين، والمدرسة التنكزية.
ويوضح أن هذه الكاميرات تستخدمها شرطة الاحتلال لمراقبة المصلين وتصوير كل ساحات الأقصى، ومنع الأوقاف والسكان من استخدام الرواقين الغربي والشمالي والصعود إليهما.
وبحسب عمرو، فإن الأوقاف حاولت في رمضان عام 2021، منع شرطة الاحتلال من الصعود إلى مئذنة باب الأسباط وفوق الرواق الشمالي، لقطع سماعات الأقصى عن المصلين، لكنها صعدت عنوةً للسطح.
ويتابع أن شرطة الاحتلال ومنذ ذلك الوقت وهي تقوم بأعمال صيانة وتركيب كاميرات دون إبلاغ دائرة الأوقاف بذلك، وهذا يعتبر اقتطاعًا لسطح هذين الرواقين، لاستخدامات أمنية.
مخطط خطير
والأخطر، بحسب عمرو، مخطط قديم للاحتلال لإقامة كنيس يهودي فوق الرواق الغربي من باب السلسلة حتى باب المغاربة، وتحديدُا فوق المدرسة التنكزية، بحيث يُقام مبنى زجاجي فوق الرواق يُخصص لصلاة الرجال اليهود.
ويصف الباحث المقدسي المخطط بالخطير للغاية، لأنه في حال تغول الاحتلال أكثر تجاه أروقة الأقصى، فإنه قد يعيد تفعيل مشروع بناء الكنيس في الرواق الغربي.
ويضيف “هناك خطورة من أن تصبح هناك شراكة دينية وطقوس يهودية في الأقصى، كما وصل الاحتلال لفرض وجوده بالقوة أمنيًا داخل المسجد، نتيجة التنسيق الأمني مع الأوقاف والأردن، ومن ثم يتدرج في صلاحياته ونزعها من الأوقاف بحيث يصبح شريكًا إداريًا فيه”.
وبحسب عمرو، فإن الاحتلال أقام خلال سنوات ماضية، كنيسًا في المدرسة التنكزية داخل حدود الأقصى تُقام به صلوات تلمودية، ويحاول اليوم إيجاد موطئ قدم داخل الأقصى.
ويشير إلى أن إقامة كنيس دائم داخل الأقصى مطلب أساسي لدى “جماعات الهيكل”، ووزراء في حكومة الاحتلال وأعضاء في الكنيست، وهي مسألة في صميم الاهتمام الإسرائيلي اليوم.
هوية الأقصى
وأما الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب فيقول لوكالة “صفا” إن الاحتلال يستهدف الأروقة بالحفريات والأنفاق، كونها تحتضن أهم أبواب الأقصى، وتشكل درعًا واقيًا له، ومدخلًا رئيسًا إليه.
ويوضح أن الحفريات التي تُجريها سلطات الاحتلال أسفل المسجد الأقصى تبدأ من بداية الأروقة حتى نهايتها، فهي تريد تحطيم هذا الطراز المعماري واللوحة الفنية، لأجل الانتقال داخل المسجد.
ويضيف أن الأروقة تُدلل على هوية الأقصى الحقيقية، وتشرح تاريخ إعماره خلال الفترات المملوكية والأيوبية والعثمانية والإسلامية، لذلك يستهدفها الاحتلال، واستولى على جزء منها، خاصة المدرسة التنكزية في باب السلسلة، والتي حولها إلى “موقع عسكري لحرس الحدود”، بغية السيطرة عليها.
ويؤكد أن الاحتلال ما زال يحاول الاستيلاء على الممتلكات في الرواق الغربي قرب باب الحديد، وإقامة كنيس يهودي لخنق ومحاصرة الأقصى والاستيلاء عليه.