مرحلة انتقالية.. عزوف مبكر لفلسطينيي 48 عن “تجربة الكنيست” ومراقبون يطرحون “بدائل”
Share
لأول مرة منذ خوض القوائم العربية تجربة انتخابات الكنيست الإسرائيلي، بدا مبكرًا عزوف الفلسطينيين في أراضي الـ48 المحتلة، عن أي تفاعل مع هذه القوائم، وسط انتقادات وتهكم من أي مشاركة بالانتخابات المقبلة.
وبقدر ما كانت الجماهير الفلسطينية بالداخل ملتئمة حول تركيبة القائمة العربية المشتركة، حينما قدمت نفسها موّحدة وأم جامعة لكل الكتل عام 2015 بالكنيست الإسرائيلي، فهي اليوم غير آبهة بماهية بتركيبتها أو حتى القائمة الموحدة، التي ستذهب بها إلى انتخابات الكنيست المقبلة المقررة بنوفمبر المقبل 2022.
وقد تكون هذه المرة الأكثر عزوفًا عن الاهتمام بأي انتخابات كنيست، وسط فلسطينيي الداخل، بعد تجربة مريرة، ضاعت فيها حقوقهم “المدنية والقومية”، حسب مختصون ومراقبون.
ومن المقرر أن تنطلق انتخابات الكنيست المقبلة في نوفمبر المقبل، وهي الانتخابات الثالثة المبكرة خلال أقل من عامين.
وتوجد في الكنيست 4 أحزاب عربية أخرى هي “الجبهة”، و”التجمع”، و”العربية للتغيير” وهي تخوض الانتخابات منذ عام 2015 ضمن “القائمة المشتركة”، بالإضافة للقائمة الموحدة المنشقة، والتي تمثل الحركة الإسلامية الجنوبية.
استياء غير مسبوق
ويقول المختص بالشأن السياسي والإسرائيلي انطوان شلحت لوكالة “صفا”: “إنه وعلى الرغم بأنه من السابق لأوانه الحديث عن نسب المشاركة بانتخابات الكنيست المقبلة، إلا أن الجماهير استبقت كل شيء بالاستياء الكبير المتواجد بينها تجاهها”.
ويضيف “هناك استياء كبير وسط الفلسطينيين بالداخل من كل مشاركة القائمة المشتركة التي تضم معظم الكتل العربية التي تمثلهم، أو القائمة العربية الموحدة المنشقة عنها”.
ويؤكد أن هذه المرة الأولى التي يبدو فيها أن هناك مقاطعة غير مسبوقة لتجربة انتخابات الكنيست بين الفلسطينيين، وهو ما يتطلب البحث عن بدائل.
ومن وجهة نظره، فإن الفلسطينيين بالداخل حينما خاضوا تجربة الانتخاب بعد دخول القوائم العربية، كانت القاعدة الرئيسية لديهم هي أن تعود بالنفع عليهم فيما يتعلق بحقوقهم القومية والمدنية.
ويستدرك “لكن هناك خيبة أمل لكل فلسطينيي الداخل من هذه التجربة، ومن التطرف تجاههم، ومن عدم قدرة القوائم العربية على حماية أو إحقاق حقوقهم، أو وقف العنصرية المقيتة التي مارستها الحكومات الإسرائيلية تباعًا تجاههم”.
وعشية انتخابات أبريل/نيسان 2019، انقسمت القائمة المشتركة إلى قائمتين، واحدة كانت بتحالف الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير وحصلت على ستة مقاعد، والثانية بتحالف التجمع الوطني والقائمة الموحدة وحصلت على أربعة مقاعد.
وفي جولتي الانتخابات التاليتين في سبتمبر/أيلول 2019 ومارس/آذار 2020، عادت القائمة المشتركة بمركباتها الأربعة وخاضت الدورتين المذكورتين وحققت في انتخابات 2020 إنجازًا كبيرًا بحصولها على 15 مقعدًا، ما أهلها لتكون القوة الثالثة في الكنيست الإسرائيلي السابق.
مرحلة انتقالية وجدل
ويصف المرحلة الحالية، بأنها مرحلة انتقالية وحساسة للفلسطينيين بالداخل، في ظل تصاعد التطرف تجاههم، وتجاه القضية الفلسطينية.
وكما يقول: “نبض الشارع في الداخل سيء التقويم، فأي مشاركة في الانتخابات المقبلة بنوفمبر، ستكون منخفضة جدًا عما قبل، بالرغم من أنه ما تزال توجد مدة أكثر من شهرين للانتخابات”.
كما توجد علامات استفهام حول طبيعة مشاركة القائمة المشتركة، التي من الممكن أن تتفكك، بالإضافة للقائمة الموحدة المنشقة عنها، والتي تمثل الحركة الإسلامية الجنوبية، بحسب شلحت.
ويقول “حسب معلوماتي الخاصة فإنه يوجد جدل حول ترتيب القائمة داخليًا، والأماكن التي ستأخذها كل قائمة، واضح أنه حتى اللحظة لا توجد حماسة للمشاركة أيضًا من الجمهور”.
إخفاق وبدائل
لذلك، فإن التوقعات أولًا بعدم المشاركة، بسبب أولًا: إخفاق القوائم العربية في انتخابات الكنيست، وثانيًا أداء الحكومات الإسرائيلية والروح المسيطرة على الشارع الإسرائيلي المنحاز بشكل كبير لليمين المتطرف تجاه الفلسطينيين.
ويشير شلحت إلى أن مشاركة فلسطينيي الداخل بالانتخابات، كانت طوال السنوات الماضية على أساسين، الأول كيف يتم التعامل مع حقوقهم المدنية، والثانية التعامل مع حقوقهم القوية.
ويتأسف بأن كلًا من الحقوق المذكورة، استُخدمت الكنيست من أجل نزعها وليس إثباتها، وفشلت القوائم العربية من الدفاع عنها.
ونتيجة ذلك، فإن الاعتقاد السائد وسط الفلسطينيين الآن هو أن الكنيست ليست الحلبة التي يمكن أن توصلهم لحل مشاكلهم القومية والمدنية وإثبات حقوقهم، حسب شلحت.
وأمام هذا الواقع، يشدد شلحت على وجوب البحث عن البديل عن المشاركة في الانتخابات المقبلة، مؤكداً أن هذا واجب كل الأحزاب العربية والقوائم والقوى والمثقفين وقوى المجتمع المني.
ومن وجهة نظره، فإن البديل للتمثيل في الكنيست، هو “التنظيم”، والذي يعني كيفية تنظيم صفوف المجتمع الفلسطيني بالداخل وقواه، بما يراعي خصوصيته في ظل حكومات إسرائيلية عنصرية.
كما يرى شلحت بأن “التنظيم” ليس بالضرورة أن يكون بديلًا، موضحًا أن فلسطينيي الداخل بحاجة ماسة لهذا التنظيم، بغض النظر عن المقاطع من عدمها.
وشكل دخول القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس، في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي السابق سابقة، لاقت رفضًا وسط الفلسطينيين في الداخل، فيما كانت هذه المشاركة نتاج لخلاف سابق في القائمة المشتركة، عشية الانتخابات الأخيرة التي جرت في آذار/مارس 2021، والتي قررت القائمة الموحدة الانشقاق، وخاضت الانتخابات بشكل منفصل وحصلت فيها على أربعة مقاعد، في حين ظلت القائمة المشتركة بمركباتها الثلاثة الأخرى وحصلت على ستة مقاعد.
“الدولة الواحدة والمتابعة”
ويطرح نشطاء ومحللون مقاطعون لانتخابات الكنيست، كبدائل يمكن العمل بها لقيادة فلسطينيي 48 بعيدًا عن الكنيست.
ومن أبرز البدائل، هي “إعادة ترميم لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية وإجراء انتخابات مباشرة داخلها وإعطاء مساحة للشبان الفلسطينيين لقيادة حملة المقاطعة عن طريق تشكيل حركة شعبية شبابية فاعلة”.
ويطرح الكاتب عوض عبد الفتاح مشروع “الدولة الواحدة” الذي يقوده، كبديل عملي يمكن أن يوحد الفلسطينيين في أماكن تواجدهم بعيدًا عن انتخابات الكنيست.
ويقول: “إننا نتحدث كفلسطينيين بالداخل، ولكننا نحمل هموم شعبنا في كل مكان وقد حُسم هذا الأمر، نحن جزء من شعب فلسطين، ولم يعد ممكنًا فصل أي جزء من الشعب الفلسطيني عن الآخر”.
ويضف “أن الأحزاب والقيادات السياسية التقليدية في أراضي الـ48 أو أراضي الـ67، لا تدرك عمق التحول إلى دولة فلسطينية واحدة، لذلك لا يوجد هناك استجابة إيجابية ومتفاعلة مع هذا التحول والتطور”.
ويشدد على وجوب أن يستعيد الشعب الفلسطيني الرهان على قواه، وأن وعيه بأن فلسطين واحدة يجب التصرف على هذا الأساس.
ويوّضح بأن “حملة الدولة الواحدة” التي يقودها في الداخل، هي حملة ترويجية لفكرة الدولة الواحدة في فلسطين التاريخية لتجميع أبناء الشعب الفلسطيني وطرح حل لمواجهة النظام الاستعماري الصهيوني”.
ويرى أن هذا يحتاج لمشروع مقاومة طويل الأمد، لإسقاطه، كما أن المشروع يطرح فكرة تحرير شاملة لكل الفلسطينيين بمن فيهم اللاجئين.
ويقر بأن الاحتلال لن يوافق على التنازل عن استيطانه طواعية، لذلك فهو “يُجبر على التنازل من خلال النضال”، داعيًا لأن يتم وضع أولًا استراتيجية طويلة الأمد حتى يسقط هذا النظام، بشرط تغيير موازين القوى وطرح رؤية نضالية جديدة مع شروط اتبعتها كل الشعوب التي وقعت تحت الظلم والقهر وأسقطت أنظمة الاستعمار.
ومن وجهة نظره، فإن الفلسطينيين لا تنقصهم القوة، ولكن تنقصهم الوحدة والقيادة الموحدة، قائلًا، “إذا لم تتوحد القيادات على الجماهير الشعبية أن تعمل على أساس خلق تكتل شعبي ضاغط ليكون بديل”.
الحراكات الشبابية والانتخابات
أما الناشطة الاجتماعية والسياسية بحيفا سهير بدارنة فتطرح فكرة “تأطير الحراكات الشبابية”، كونها بصدد العمل على حملة كبيرة لمقاطعة انتخابات الكنيست الإسرائيلي.
وتقول “بعد فشل القيادات وأعضاء الكنيست، الحراكات الشبابية اليوم بصدد العمل على حملة كبيرة للمقاطعة، نحن نرى أن القيادات وأعضاء الكنيست لا يفعلون شيء ولا ينزلون إلى الشارع، أنا أفكر أن الشارع هو الحل والشباب هم الحل”.
وتستحضر خروج الجماهير بالداخل خلال العدوان على غزة للشارع صيف 2021، فيما “لم نرَ أي عضو كنيست خرج مع جماهيره، حتى بعد حدث نابلس ليس لهم وجود”.
لذلك، فهي ترى بأن الأعضاء ليس عند مطالب وطموحات شعبهم وجمهورهم، وهو ما يستدعي عدم التصويت لأي عضو كنيست مرشح بالانتخابات القادمة.
وتؤكد أن الشبان الفلسطينيين وتواجدهم في الشارع هو البديل، لأنهم “أثبتوا أنفسهم بأكتوبر ومايو، ويجب أن يكون هناك خطة لتأطير عمل من يعمل بالحراكات”.
وتعتقد بدارنة بأن “الانتخابات القادمة ستكون نسبة المقاطعة عالية، لأننا أمام ببرلمان هو من يقتل ويقوم بمجازر في نابلس وغزة وفي الداخل”.
ويتوافق طرح بدارنة مع ما يراه الناشط توفيق محمد، بأن قيادات المتابعة يطرحون المقاومة الشعبية كبديل، ويعولون عليه في مقاومة السياسات الظالمة للمؤسسة الإسرائيلية بحق أبناء الشعب الفلسطيني.
ويقول: “أكبر دليل على نجاح هذا الحراك الشعبي الشبابي هي “هبة الروحة” عام 1998، عندما تصدى الفلسطينيون في وادي عارة بخيمة اعتصام وهبة شعبية للقرار الإسرائيلي مصادرة ما يقارب 30 ألف دونم من أراضي الروحة”.
لكنه يرى أنه “حتى الآن لا يوجد تمثيل للحراكات الشبابية في لجنة المتابعة لأن لها نظام دستوري وهي تتشكل فقط من الأحزاب”.
لذلك، فهو يطرح فكرة “انتخاب لجنة المتابعة، بشكل مباشر حتى يجد الجميع نفسه هناك، وهكذا تكون لجنة تحصل على شرعية الجميع”.
ويشير إلى أن لجنة المتابعة كانت متجهة لفكرة تأسيس لجنة متابعة شبابية كلجنة ظل من الأحزاب الموجودة، لكن أعضاء اللجنة اجتمعوا مرات قليلة ولم يخرج مشروعهم للنور ولم يجتمعوا مرة أخرى.
ويُجزم بأن مشاركة أهالي الـ48 في انتخابات الكنيست لم تحقق شيئًا على المستوى الوطني أو المطلبي المدني، لذا فإن هناك حاجة ماسة للذهاب إلى لجنة المتابعة وإجراء انتخابات مباشرة لها، وفق رأيه.