حُزنٌ وقهر يرتسم على وجه الحداد سامي حبوش (33 عامًا) وهو يجلس أمام محددته المدمّرة غربيّ مدينة غزة يقلّب ذكرياته، على أمل أن ما حدث معه كابوسُ سيستيقظ منه.
ويقول سامي لمراسل صفا “انحرق قلبي والله..؛ لم أتوقع أن تذهب ذكريات عمري وتعلمي مهنة الحدادة عن والدي هكذا أدراج الرياح، 22 عامًا قضيتها في جنبات المحل تمر كأن شيئًا لم يكن”.
واستهدفت طائرات الاحتلال خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة السبت الماضي عمارة آل خليفة التي تحتوي على 4 شقق سكنية مما تسبب بدمار العمارة بالكامل واختفاء 3 محال تجارية كانت أسفلها بينها ورشة حدادة تتبع للشاب حبوش.
ويؤكد أنه لم يتوقع يومًا أن يفقد عمله كون أن المحل بمنشأة مدنية، ولا يوجد أي مبرر لاستهداف البناية وتشريد سكانها، مضيفا “ما حدث معنا جريمة بحق الإنسانية”.
ويقول حبوش بحرقة شديدة “فقدت كل شيء بتدمير ورشتي، حسبنا الله؛ الآن لا مصدر رزق لنا بعد أن كانت تعيل 17 فردًا بعائلتي، أي ظلم تعرّضنا له”.
وما يزيد من معاناة الشاب حبوش أن والده توفي قبل بدأ العدوان بأسبوع، فأغلقت الورشة وانشغل بتأدية واجب العزاء، ليعود مجددًا مثقلاً بالهموم والديون.
ويوضح أنه خلال ذلك اليوم “المشؤوم” على حد وصفه، توجه إلى أحد الزبائن للعمل على طلبية تركيب شبابيك “حماية”، حتى جاءه اتصال يقول له إن عمارة آل خليفة سيتم قصفها.
ويضيف “ما إن وصلت المكان حتى دمرت مقاتلات الاحتلال العمارة بالكامل، وذهبت ورشتي أدراج الرياح، حاولت أن أخرج منها أي شيء، لكن سقط علي جدار وأغمى علي وأصبت بجروح مختلفة”.
ويقول والدموع تذرف على وجنتيه “فقدت رزقي في هذه الحياة، ووالدتي مريضة وتحتاج لعلاج، وأصبحنا الآن متسولين.. حسبنا الله ونعم الوكيل”.
ويشير إلى أن العديد من الزبائن تواصلوا معه للعمل، لكنه اعتذر بسبب دمار المحل وفقدان عدته بالكامل من أدوات وماكينات حدادة-، قائلاً “ما حدث معي قصف وخربان ديار الحمد لله”.
ويناشد الشاب حبوش المسؤولين وأهل الخير للنظر إليه بعين الرحمة والعمل على فتح باب رزقه مجددًا وإعادة ورشته كما كانت عليه؛ ليتمكن من إعالة أسرته.
بتنا مشرّدين
ولم يختلف حال حبوش عن حال جاره العامل ياسر عوض الله -صاحب ورشة ألومنيوم، الذي يقع محله بجانب ورشة حبوش للحدادة، مؤكدًا أن ما حدث معهم جريمة ضد الإنسانية وحرمان من أبسط حقوق الحياة.
ويقول عوض الله (38 عامًا) في حديثه لمراسل صفا “أعمل في هذه الورشة منذ عقدين إضافة إلى عمّال آخرين؛ لكن هذا الدمار والقصف تسبب بتشريدنا جمعياً بعد أن فقدنا ما يعيننا على هذه الحياة”.
ويعيل عوض الله أسرة مكونة من 7 أفراد، ويسكن بالإيجار، حيث يَعتبر فقدان مصدر رزقه الوحيد “حكمًا بالإعدام”، على حد وصفه.
ويتساءل: “ما الخطر الذي تشكّله عمارة سكنية على الاحتلال؟! أي ظلم وعدوان نتعرض له؟! تختفي أحلامنا ومستقبلنا وقوت أطفالنا بلمح البصر.. حسبنا الله ونعم الوكيل”.
ويشير عوض الله إلى أن ورشته اختفت بالكامل تحت أنقاض المنزل، ولم يظهر منها أي معالم، لافتًا إلى أن تكلفة الماكينات والبضاعة بداخلها قرابة 20 ألف دولار.
ويتوقف عوض الله عن وصف معاناته بعد أن غلبته الدموع، ويقول “جهّزت شبابيك بتكلفة 1500 شيكل لأحد الزبائن، وكان من المقرر أن يتم تركيبها يوم السبت ثاني أيام العدوان-، لكن لا أعرف ماذا سأقول للزبون الذي دفع تكلفتها بالكامل؟”.
ويناشد المسؤولين بالعمل على إغاثة المتضررين بأسرع وقت، مضيفًا “لا أريد طعامًا أو أي مساعدات غذائية؛ أريد على الأقل توفير محل بديل يغيثني وعائلتي من العوز والتشرد”.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، فإن العدوان الإسرائيلي على غزة والذي بدأ الجمعة الماضية خلّف أضرارًا لحقت بـما يقارب بـ 1500 وحدة سكنية منها 18 وحدة دمرت كليًا، و71 وحدة باتت غير صالحة للسكن، و1400 وحدة تضررت جزئيًا ما بين بليغ ومتوسط”.