كشف حساب الهدنة
شارفت الهدنة الأممية في اليمن على نهايتها، هدنة كان مؤملا منها أن تكون “إنسانية” وأن تخفف من معاناة اليمنيين من خلال استئناف حركة الطيران والسفن عبر مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة دون أي عوائق أو موانع، بالإضافة إلى فتح الطرقات في مختلف المحافظات، وصرف المرتبات وإيقاف الأعمال العسكرية العدائية، فماذا تحقق منها ومن المسؤول عن استمرار معاناة الشعب اليمني.
كان من أهم أهداف الهدنة من خلال فتح مطار صنعاء الدولي هو السماح لآلاف المرضى ذوو الحاجة الملحة بالسفر العاجل للخارج، “فاليمن بحاجة إلى رحلة جوية يوميا لمدة عام على الأقل لإنقاذ حياة آلاف المرضى ولتجاوز الكارثة التي صنعها الحصار على مدى 7 سنوات وتخفيف الضغط على القطاع الطبي”، وفقا لما أكد رئيس اللجنة الطبية العليا الدكتور مطهر الدرويش.
وخلال 4 أشهر من عمر الهدنة لم يتمكن من السفر إلا 1200 مريض مع مرافقيهم وهم يشكلون فقط 2% من إجمالي المرضى المحتاجين للعلاج في الخارج 35 % منهم أطفال و40% نساء.
وبدلا من استئنافِ حركة الطيران والسفن عبر مطار صنعاء الدوليِ وميناء الحديدة بسهولة ويسر ودون عوائق، وفقا لما نصت عليه الهدنة فرضت دول تحالف العدوان شروطا وتلاعبا على المسافرين فجعلت “ناقلا جويا وحيدا ووجهة وحيدة وترانزيت بعمان أوجدت تكاليف فوق طاقة المرضى وجعلت قيمة الهدنة بالنسبة إلى آلاف المرضى منعدمة” كما مارست دول تحالف العدوان ضغوطا على مصر لتعطيل الرحلات بين صنعاء والقاهرة” وفقا لوزير النقل اليمني.
رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبد السلام من جهته أوضح أنه “كان المفترض أن تكون هناك 32 رحلة عبر مطار صنعاء ولكن ما تم إلى الآن هو 18 رحلة.. مشيرا إلى “أن الرحلات إلى مصر لم تتم، وتمت رحلة يتيمة من أجل التلميع والحديث أمام الأمم المتحدة” مؤكدا أن الطرف الآخر يرفض جدولة الرحلات وهو ما سيُحدِث إرباكاً لدى المسافرين، وبالتالي لا يتمكن الكثيرون من إدراكها، كما يرفض إدخال الوقود الخاص بالطائرات إلى مطار صنعاء.
وفي شأن فتح موانئ الحديدة، ظل التحالف طوال الهدنة يماطل ويتبع سياسة التقطير في إدخال سفن المشتقات النفطية، فلم يدخل البلاد إلا 60 من عدد سفن الوقود المتفق على إدخالها إلى الميناء، فيما تجاوزت غرامات السفن التي احتجزها التحالف خلال فترة الهدنة 5 ملايين دولار سفينة بعد خضوعها للتفتيش وحصولها على تصاريح أممية، وهو ما يجعل شبح الأزمة يخيم على سوق المشتقات النفطية في البلاد.
وفيما يخص ملف فتح الطرق البرية، عطلت قوى التحالف مرتزقتها “ملف فتح الطرق البرية بالكامل فيما تستمر المعاناة مع صعوبة وصول السلع للمناطق الحرة” وأبقت قوى العدوان الطرق الترابية الطويلة جدا والمتعرجة والمليئة بنيران ونقاط المليشيات المتعددة بديلا عن ما قدمه الجيش اليمني ما تسبب في مفاقمة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية مضيفا أعباء إضافية على المواطنين والتجار، ومتسببا بإتلاف الكثير من البضائع والأغذية والمركبات وكذلك الحوادث وإزهاق الأرواح.
وخلال فترة الهدنة بقي التحالف يعرقل ويماطل في فتح الطرقات في مختلف المحافظات، ولم يلتزم بما نص عليه اتفاق الهدنة من تشكيل لجنة تناقش فتح طرق ممكنة في تعز وفي المحافظات الأخرى؛ ويحضر طرف العدوان الاجتماعات في الأردن كما رفض مطالب حكومة الإنقاذ الوطنية بفتح جميع طرقات المحافظات المقفلة بسبب الحرب، وأصر على طرقات محددة في محافظة تعز، حتى أن الطرف الآخر رفض مبادرة صنعاء بفتح طريق الخمسين بتعز من طرف واحد ومنع المسافرين من عبور الطريق وأطلق النار عليهم.
وبشأن صرف المرتبات، تجاهلت قوى العدوان مسؤوليتها عن انقطاع المرتبات متنصلة من تعهداتها بصرف رواتب جميع الموظفين اليمنيين أمام الأمم المتحدة عقب الإعلان عن قرار نقل عمليات البنك المركزي اليمني إلى عدن في سبتمبر 2016م.
وعلى الرغم من حضور بند المرتبات في اتفاق الهدنة، واصلت قوى العدوان حديثها عن إيرادات ميناء الحديدة المحاصر، على الرغم من المجلس السياسي الأعلى كرر التأكيد أنه بادر بفتح حساب خاص في فرع البنك المركزي بالحديدة وتم توريد إيرادات الميناء إليه للإسهام في صرف المرتبات لكافة موظفي الدولة، ولم يلتزم الطرف الآخر والأمم المتحدة بسد الفجوة لصرف المرتبات، وهي التي تقوم بعمليات نهب للموارد النفطية والغازية اليمنية وتورد عائدات جزء منها إلى البنوك السعودية، في حين لا يُعلم أين تذهب بقية العائدات.
أمام مماطلة التحالف شدد محمد عبد السلام رئيس الوفد الوطني المفاوض على ضرورة تضمين صرف المرتبات في هذه الهدنة وأنها لا تمانع في صرف مرتبات الموظفين من الإيرادات التي تأتي من ميناء الحديدة والإيرادات الأخرى، بما فيها عائدات النفط.. مطالبة بتوجيه إيرادات البلاد إلى حساب خاص لصرف رواتب الموظفين، بما فيها رواتب المتقاعدين والمرتبات الموقوفة في السابق، في مقابل ذلك رفضت الحكومة المعترف بها دولياً.
وفي الجانب العسكري، ساد هدوء نسبي مختلف الجبهات على الرغم من آلاف الخروقات التي ارتكبها العدوان خلال فترة الهدنة، وبشأن الغارات الجوية حاول التحالف التملص من التزاماته بإيقافها من خلال استبدل الطائرات الحربية المقاتلة بطائرات الدرون سواء في القصف أو التجسس.
أضف إلى ذلك سقوط مئات الضحايا جراء انفجار ألغام والقنابل العنقودية والألغام التي مخلفات العدوان، والذي لا يزال يرفض إدخال أجهزة الكشف للمركز الوطني للتعامل مع الألغام، وكذلك سقط مئات المدنيين بنيرات قوات التحالف خصوصا في صعدة والحديدة وتعز، كما ظلف الأسرى ظل مجمدا وأحبط التحالف جميع محاولات صنعاء حلحلة الملف.
وفي المقابل التلكؤ والمماطلة في الإيفاء بالتزاماتها، حصلت أمريكا على تأمين كامل لمنابع النفط في الخليج في خضم حربها وعقوباتها الاقتصادية ضد روسيا، في وقت هي في أمس الحاجة لكل برميل نفط ووحدة غاز لتعويض ما ينقص النفط والغاز الروسي في السوق العالمية جراء العقوبات على روسيا، في حين يرى مراقبون أن ضربة واحدة كضربات بقيق وخريص وجدة الشهيرة كفيلة برفع أسعار الوقود إلى مستويات قياسية.
أربعة أشهر كشفت أن ” تحالف العدوان لم يكن صادقا ولا ملتزما ببنود الهدنة الأممية”، وفقا لما أكده رئيس وزراء اليمن عبدالعزيز بن حبتور، فلم ينفذ التحالف من بنودها إلا القليل فيما ضلت بنود أخرى غائبة، وفي خضم الاجتماعات الحلية لتجديها فمن غير العادل أن يتم التجديد للهدنة بشكلها الحالي، وعلى التحالف إثبات جديته “برفع الحصار وفتح مطار صنعاء الدولي وصرف المرتبات وفتح الطرقات” وهي شروط تطالب بها صنعاء لتخفيف معاناة اليمنيين.
واليمن الآن غير عاجز في كسر الحصار “الذي تسبب لأكثر من 90٪ عما كانت عليه قبل العدوان” بالقوة إن لم يتم رفعه بالتفاوض ولليمن أيضا “كلمة الفصل من بوابة مضيق باب المندب “للحفاظ على هوية البحر الأحمر العربية بوجه المؤامرة الأمريكية لتحويله بحيرة صهيونية” وفقا لتأكيد بن حبتور، و”القوات المسلحة اليمنية تمتلك اليوم أكثر من أي وقت مضى كل عوامل القوة التسليحية الاستراتيجية الرادعة، وتمضي في سباق مع الزمن لمواجهة كل التحديات والمخاطر” بحسب تأكيد وزير الدفاع اليمني، ولن يكون ما بعد الهدنة كما قبلها.