فلامينجو.. قصة طبيب تهامي حول “محنة” النزوح إلى منحة “نجاح”
كان الشاب أحمد قادري يُـحضر أخر مراحله في دراسته للطب في الجامعة وكان شقيقه محمد يتهيأ أن يدخل
الفصل قبل الأخير في دراسة اللغة الانجليزية ،لكن الحرب التي اندلعت في محافظة الحديدة العام 2018 .
أعاقت طموحهما في مواصلة تعليمهما،وأسوة بآلاف الأسر التهامية التي فرت من جحيم الحرب المشتعلة آنذاك
قررت عائلتهما النزوح إلى محافظة أخرى أكثر استقراراً،وكانت وجهتهم مدينة”إب”المنطقة التي مكثوا فيها طيلة
الستة أشهر من عمر الحرب.
وحينما استقرت الأوضاع في مدينة الحديدة عاد أحمد ومحمد قادري إلى مسقط رأسيهما والمنطقة التي ترعرعا
فيهما،وبالفعل أكملا تعليمهما،لكن الأوضاع الاقتصادية في الحديدة كانت مؤلمة الأمر الذي دفع أحمد وشقيقة
مغادرتها مرة أخرى والبحث عن مدينة أخرى يستطيعا أن يجدا فيها فرصة لتأمين لقمة عيشهما ومواصلة طموحهما
في العمل والتعلم،فكانت”صنعاء” هي المكان الأنسب لتحقيق جزء مايصبوا اليه من نجاح،فكيف استطاع أحمد
قادري اجتياز محنة النزوح وتحويلها إلى منحة للنجاح؟
الطبخ في المنزل :
حينما نزحت عائلة قادري إلى محافظة إب مكثت في منزل أحد أقاربها في المدينة الخضراء،وحينما ضاق الحال بها
اضطرت إلى استئجار منزل بمائة ألف ريال وهو مبلغ كبير بالكاد يستطيع أي نازح دفعه،وهو الدافع الذي جعل أحمد
وأحد أصدقائه الذين نزحوا من الحديدة أن يفكرا بتأسيس مشروع من خلاله يستطيعوا مساعدة عائلتهما،لكنها
وجدا فكرة افتتاح مطعم بعيدة لعدم توفر رأس مال ضخم،لكنهما لم ييئسا فقررا أن يفترشا إحدى المساحات
المجاورة لإحدى أسواق مدينة إب وسط اليمن وهي التي تُعج بآلاف النازحين والمغتربين والمارين للسفر بين
مختلف المناطق اليمنية.
بالفعل كان أحمد قادري،وصديقه يطبخان في منزليهما بمساعدة أهاليهما وجبة غداء لمأكولات تخص أهالي تهامة والحديدة،ويقوموا ببيعها في السوق،وحققا أرباحاً بسبب الإقبال الغير متوقع على شراء تلك الوجبات من قبل مرتادي ذلك السوق الشعبي.
كانت وجبات الدجاج بطريقة الحنيذ التهامي،والفتة هي من أكثر الوجبات طلباً لدى زبائن أحمد قادري وصديقه.
في حديثه لـ”الحديدة نيوز“،يقول أحمد قادري “كنا ننزل لبيع المأكولات وقت الظهيرة ونكمل البيع في ظرف ساعة واحدة وذلك من شدة تزايد أعداد الزبائن الذين كانوا مواظبين على الشراء من وجباتنا”.
عقب عودتهما الى الحديدة والحصول على الشهادة الجامعية وقراراهما العودة إلى رحلة نزوح جديدة،هذه المرة إلى العاصمة صنعاء، قرر أحمد قادري العمل في إحدى عيادات علاج مرضى الأسنان،وبالفعل كان له ماقرره،بينما عمل شقيقه أحمد في مجال تدريس اللغة الانجليزية في إحدى معاهد تعليم اللغة في العاصمة صنعاء.
كطبيب مبتدىء في ممارسة مهامه لم يستطيع أحمد أن يوفق بين متطلباته الشخصية ومتطلبات عائلته في العيش،وكانت فكرة فتح مشروعاً تجارياً بجانب ممارسة مهنته يراود ذهنه،فقرر أن لا يصرف المبلغ الذي كان قد جمعه حينما كان يعمل في مطعمه المتنقل في محافظة إب،إلا في مشروع تجاري شبيه في العاصمة صنعاء،لكنه وجد أن فكرة المطعم المتنقل ليست صالحة في صنعاء،فقرر فتح مطعم شعبي.
يقول أحمد قادري “كانت الفكرة أن يكون المطعم معبراً عن أصالة تهامة ومن خلاله أعمل على نقل ثقافة أهالي
الحديدة لقاطني العاصمة صنعاء الذين هم من صنعاء ومختلف المحافظات اليمنية”
يضيف قادري القول”كنت ومازلت أحرص على نقل كل مايخص الحديدة وتهامة في هذا المطعم من خلال الديكور
الذي عملت على تجهيزه ومن خلال شكل المطعم وحتى طاولات الجلوس”.
كانت التكلفة الإجمالية لافتتاح مطعم أحمد قادري الجديد ما لا يقل عن أربعة ملايين ريال يمني،وهو مالم يتوقعه
قادري،فأضطر إلى استدانة مبالغ مالية من أصدقائه،واستطاع افتتاح مطعمة في حي شعبي وسط صنعاء.
إختار قادري إسم “فلامينجو” كمسمى رسمي لمطعمة،إذ أن الفلامينجو وهو طائر دائماً ماتتم مشاهدة على مقربة من السواحل وخاصة في الحديدة وعدن،والفلامينجو بحسب متخصصين يرمز إلى الاتزان والاستقرار النفسي، ويدل على محاولة الشخص التخلص من مشاعره السلبية وأن يقتنع بما لديه ليحصل على شعور الامتنان،وهي الرسالة التي أردا أن يوصلها أحمد قادري لأهله وأصدقائه الذي يشعرون بمرارة ومعاناة النزوح من أوطانهم الأصلية إلى مناطق أخرى حتى في إطار وطنهم الكبير.
نجاحات غيرمتوقعة :
وعلى الرغم من مرور شهرين منذ افتتاح أحمد قادري مطعمه الفلامينجو،إلا أن المطعم حقق نجاحاً لم يكن
يتوقعه قادري،فالزبائن كانوا ومايزالوا في تزايد لتناول طعام الغداء،وهي الحقيقة التي يؤكدها محمد شقيق
أحمد،الذي يعمل على معاونة شقيقة داخل المطعم،حيث يأتي أحمد للمطعم بعد أن يُكمل محاضراته في الصباح
الباكر وينتهي دوامه في المطعم بعد فترة الظهيرة.
حاول قادري أن يكون المطعم معبراً عن أهالي الحديدة،إذ يُقدم المطعم أكلات تهامية كالصانونة والربيس
والجمبري والسمك المقلي،والفتة بالدخن ،والعديد من المأكولات البحرية.
كما أن طاقم المطعم جُلهم من ذات المحافظة الساحلية،فاللواتي يطبخن الوجبات هن نساء من الحديدة والنادلين
من الحديدة ،إضافة إلى أن المحاسبين هم من الحديدة،حتى أن الزائر للمطعم يُخيل له أنه في إحدى مطاعم
الحديدة وليس في صنعاء.
يقول قادري”حرصت على أن نُقدم وجبات ليست متداولة في مطاعم صنعاء،كما حرصت على توفير العسل
المراعي البلدي الاصلي في الفتة والعريكة المصنوعة من الدخن البلدي،والوجبات التي أقدمها، حتى اختياري
للسمك واللحوم ذات الجودة يكون دقيقاً فلا نشتري إلا بعد التأكد من جودة ماسنطبخه للناس”.
زبائن فلامينجو مشاهير
تزايد الإقبال على تناول وجبة الغداء في مطعم الفلامينجو من قبل أهالي الحديدة القاطنين في صنعاء وآخرين من
محافظات ومناطق يمنية متعددة،دفع الكثير من المشاهير منهم فنانين ومذيعين وصانعي محتوى على مواقع
التواصل الاجتماعي،دفعهم لزيارة المطعم.
عبداللطيف الزيلعي وهو شاب تهامي صاحب برنامج “خاطرك مجبور”وهو يُعد من أشهر صانعي المحتوي في
السوشيال ميديا،يقول “لقد تفاجأت من وجود شباب من تهامة استطاعوا منافسة كبار المطاعم في صنعاء
وبإمكانيات بسيطة من خلال مطعم تهامي يُقدم وجبات لذيذه”.
أما الفنان يحيى ابراهيم فكانت له رسالة وجهها لجمهوره،بضرورة دعم المشاريع الصغيرة الناشئة التي يديرها
شباب خاصة النازحين من محافظة الحديدة،وكانت للمخرج وليد العلفي والمذيع عبدالسلام الشريحي ذات الدعوة.
“طالما انك تعيش في اليمن يجب عليك أن لا تعتمد على مصدر دخل واحد فقط ، ظروف الحرب المعيشية تجبرك
على ذلك ،يقول الرسول الكريم “عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق“يوضح الدكتور أحمد قادري.
ويختتم حديثه لـ”الحديدة نيوز“،بالقول”لقد تعلمت التكيُف والمثابرة من خلال دراستي ومزاولتي لمهنتي في طب
الأسنان،وتعلمت التدبير من خلال دراستي إدارة الأعمال، وتعلمت الصبر من خلال الحرب التي مانزال نقاسي
ظروفها اليومية”.