يهدمون بيوتنا ويلقون بنا في السجون.. أنا هنديٌّ مسلم

 تشهد الهند منذ سنواتٍ عدة نشاط الاستهداف المتعمد والمخطط لمواطنيها المسلمين لمجرد كونهم مسلمين، وخطب الكراهية لشخصيات دينية هندوسية تحث الهندوس على إبادتهم وتدمير الشركات والمساكن المملوكة للمسلمين من قبل الجماعات الهندوسية للحراسة، ورئيس الوزراء في صمت عميق والسلطات الهندية تبرع في استهداف المسلمين على أسس مزعومة تتعلق بالعنف الاستفزازي أو الانتقامي.

وبعد إراقة الدماء التي شهدتها البلاد في عام 1984 بعد مذبحة السيخ، وأعمال الشغب 1992-1993 التي أعقبت هدم مسجد بابري في أيوديا، ومذبحة غوجارات عام 2002، من المحتمل أن تشهد الهند المزيد والمزيد من العنف الموجَّه الذي يهدف إلى معاقبة وترهيب وحرمان المسلمين من حقوقهم. وقد شهدنا فشل المجتمع الدولي في منع أعمال العنف والإبادة الجماعية أكثر من مرة منذ بداية القرن العشرين. فهذه فرصة له ألا يفشل هذه المرة.

ويقول النقاد السياسيون في مجال السياسة الهندية، إن الاستقطاب الديني قد ازداد في الهند منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة. بالنسبة لأعداد كبيرة من المسلمين، فإن العيش في الهند يكون تحت رحمة دولة إرهابية هندوسية.

وكانت الأيام الماضية متوترة بشكل خاص، بعد أن توجهت بعض الجماعات الهندوسية إلى محكمة محلية في فاراناسي للحصول على ملكية مسجد جيانوابي، وهو أحد مساجد المسلمين عمره قرون، بدعوى أنه بُني على أنقاض معبد مهدم لهم. ومن المحتمل أن يتكرر بشأن مسجد جيانوابي، ما حدث في شأن مسجد بابري.

قديماً، وجد تمثال اللورد راما “سوايانبو” (الظهور الذاتي) في مسجد بابري. والآن تمثال شيوالنكا (ذكر اللورد شيوا- يعبده الهندوس) كما يدعون وُجد كسوايانبو في المسجد جيلنوابي! يعرف الجميع، حتى المحكمة أن هذه الظهورات الذاتية لتماثيل الآلهة الهندوسية هي فقط وضعها أصحابها في ظروف غامضة أو أنها شيء موجود مشابه لهذه التماثيل المقدسة عندهم. ولكن الغصون تميل بأثمارها السياسية إلى الجانب السياسي اليميني، فثمرها الكراهية والاستقطاب.

ولعب الإعلام دوراً مهماً، حيث أجرت القنوات التلفزيونية نقاشات استفزازية وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي كراهية متفشية بشأن هذه القضية. وغالباً ما يدلي العديد من الأشخاص المرتبطين بالمنظمات اليمينية بتصريحات مثيرة للجدل في البرامج التلفزيونية، ويقول النقاد إن نوبور شارما التي علقت تعليقاً اعتراضياً ضد الرسول لم تكن “عنصراً هامشياً” كما يدعي حزب بهاراتيا جاناتا. وهي كانت المتحدثة الرسمية باسم الحزب، أي مكلفة بتمثيل آراء حزب بهاراتيا جاناتا.

يرى الناقدون والعلماء في العلوم الاجتماعية أن المسلمين الهنود قد باتوا على وشك الإبادة الجماعية. إن الإبادة الجماعية ليست مجرد استئصال أمة بلا أثر، فهذا لن يحدث في الهند لأن عدد المسلمين في الهند 200 مليون تقريباً، لكن للإبادة أشكال عديدة، منها بث الخوف في نفوس عدد قليل من أفراد المجتمع الذين يريدون إبادتهم.

الفاشية الهندية تحاول أن تجعل المسلمين مواطنين من الدرجة الثانية بإنكار الحريات المدنية، وسحب السلطات، وفرض المسؤوليات الإضافية، ومنها الفصل بين “أنتم” و”نحن”، والفاشية قد نجحت في هذا منذ سنوات.

وأقيمت في الهند معسكرات الاعتقال للمسلمين لبث الخوف في نفوسهم، وبُذلت كل الجهود لتحقيق الهدف الأساسي المتمثل في الإبادة بدفعهم إلى عالم الظلام وتحويلهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية. والفاشية تنفذ برامج مختلفة لتقسيم الناس عرقياً ودفعهم إلى كارثة اجتماعية في الهند، فهذه عملية محراثية لزراعة الكراهية بين الأمم، وتطلق عليهم اتهامات مثل أنهم أجانب وخونة ومتمردون وجهاديون ومناهضون للوطن وإرهابيون ومتوحشون، ويرمونهم بالتمييز المباشر ضدهم في الحكومة والقضاء ووسائل الإعلام والدولة العميقة، وبهذا تكون التربة قد أعدت لهم، ومن هذه النقطة ستبدأ الجهود المنظمة لتنفيذ هذه الإبادة الجماعية.

ومن هذه الجهود المنظمة ما حدث ولا يزال يحدث في عدة ولايات هندية من عنف وظلم على المسلمين مباشرة حتى يقتل الأولاد والبنات في نعومة أظفارهم. ومن هذه الجهود المنظمة أيضاً ما سمعناه من كلمات الكراهية من قبل متحدثة رسمية للحزب الفاشي في برنامج مباشر، وقد رأينا الأوضاع الحالية في ولاية أوتار براديش وهي تدلل على طرق الفاشية الهندية التي ستذهب إليها إذا استمرت في التمدد.

ومنها ما شاهدناه من الهدم الوحشي لمنزل جاويد أحمد، زعيم حزب الرفاه الهندي في براياجاج، أوتار براديش، بزعم مشاركاته في المظاهرات بالشوارع احتجاجاً على هذه البرامج الفاشية التي لم تشهدها البلاد سابقاً حتى يكون جهاز الدولة والغوغاء جزءاً من هذا الجهد المنظم. ومنها ما تعمل لأجله وسائل الإعلام الاجتماعية الجديدة ووسائل الإعلام الرئيسية معاً من عملية الاستقطاب.

هدم منازل ومباني المتظاهرين انتقام وعقاب جماعي يستهدف المسلمين. في وقت سابق، بعد أعمال عنف في كانبور، هدمت هيئة التنمية بالمدينة مبنى تجارياً يُزعم أنه يعود إلى أحد المتهمين في القضية. إنه نمط راسخ أن يتم فيه اختيار المباني التي تنتمي إلى أولئك الذين ترتبط أسماؤهم بأدلة أو بدون أدلة، لأعمال الشغب والاحتجاجات، لهدمها لأغراض سياسية، ويتم تقديمه على أنه إجراء صارم ضد العناصر المعادية للمجتمع لأعمال الشغب، وكذلك بدعوى أغراض قانونية، وعلى أنه إزالة الإنشاءات غير القانونية.

وفي هذه المرحلة ينتشر خطاب الكراهية على نطاق واسع وتذيع الإذاعات والتلفزيون برامج كراهية حتى ضد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) لاستفزاز الأمة المسلمة، فهذا أيضاً قد وقع.

ثم بعد هذه الشواهد كلها، تزداد شراسة الهندوس المتطرفون ضد المسلمين في أمور دينهم وحياتهم، لإبعادهم عن كل ما يحيط بهم بما فيها المحيط السياسي والحياة الاجتماعية والاقتصادية والمحيط الفني والسينمائي والمحيط الوظيفي والحكومي وغيرها؛ ما يعني كما أسلفنا أن الهند تقترب بسرعة من المرحلة الأخيرة للإبادة الجماعية التي تسارعت من خلال المذابح والهدم.

فما الحل؟

عسانا نسأل ما الحل؟ الحل في جبهات متعددة، أولاً: النشاطات الاستراتيجية من قبل المسلمين الهنود بما فيها الاحتجاجات الحاشدة المستمرة والمتتالية في مدن كبيرة مختلفة، لأن الشوارع هي الإعلام الوحيد لهم. لقد نزلوا مرة إلى الشوارع عندما اقتربوا من وشك طردهم من البلاد باسم قانون تعويض المواطن فنجحوا. ونزلوا مرة أخرى إلى الشوارع عندما حُرمت نساؤهم من حريتهن في الملابس والتعليم باسم الحجاب فنجحوا.

ثانياً: الضغوط الدولية خاصة من الدول العربية على الهند بشكل مستمر ومتابع لكل خطوة للعنف على المسلمين الهنود. والهاشتاغات لا بد أن تخرج من دائرة “إلا رسول الله” إلى “إلا الظلم” لأن الأمر المتعلق بالرسول شيء عاطفي. والمسلمون في الدول العربية بحاجة إلى إدراك شيء واقعي حقيقي يحدث. فقد كانوا في سبات عندما قُتل المسلمون باسم الأبقار في ولايات هندية منذ ثماني سنوات، ولم تكن الهاشتاغات تصدر منهم عندما تعرض مسلمو الهند للاضطهادات الفادحة منذ سنوات، ولكن بعد فترة وجيزة وجدت موجة غضب في دول عربية رافضة رداً على تغريدة مسيئة للنبي الكريم من سياسية بارزة مقربة من رئيس الوزراء الهندي.

*محمد صباح الوتودي – عربي بوست

قد يعجبك ايضا