جوع مستتر.. تقرير دولي: تفاقم انعدام الأمن الغذائي في فلسطين

حذر البنك الدولي من الجوع المستتر لتفاقم انعدام الأمن الغذائي في الضفة وغزة، حيث يبعث سوء الحالة التغذوية للفلسطينيين على القلق في ظل تفشي حالات نقص المغذيات الدقيقة بصورة كبيرة ضمن فئات تكتسب التغذية الجيدة بالنسبة لها أهمية خاصة، مثل الأطفال دون سن الخامسة والحوامل والنساء في مرحلة ما بعد الولادة.

واشار البنك الدولي في تقرير له الى ان هناك أسباب كثيرة وراء ذلك ومنها: تفاقم انعدام الأمن الغذائي في الضفة الغربية وقطاع غزة يساهم في نقص كمية المغذيات الدقيقة المتناولة ومحدودية فرص حصول الأسر المعيشية الفقيرة خاصة على الأطعمة الغنية بالمغذيات الدقيقة كاللحوم الحمراء والخضراوات الطازجة والحليب.

واضاف البنك الدولي “ثمة عوامل أخرى كالحواجز المادية التي تحد من سبل الحصول على الخدمات الصحية وكذلك انعدام الأمن لفترات طويلة، تحول دون أن يكون هناك تأثير كبير لما يتم اتخاذه من مبادرات عديدة للتصدي لنقص المغذيات الدقيقة. ومن المرجح أن تنتج عن استمرار تفشي حالات نقص المغذيات الدقيقة بشكل كبير عواقب وخيمة على صحة الإنسان والتنمية الاقتصادية إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة”.

واضاف “ينتج نقص المغذيات الدقيقة عن ضعف المدخول الغذائي وسوء امتصاص المغذيات الدقيقة أو عن كليهما، وتزايد الحاجة إلى تلك المغذيات (نتيجة النمو في مرحلة الطفولة أو الإصابة بمرض مزمن)، ووجود عدوى تسبّبها الطفيليات أو الجراثيم أو الفيروسات وعوامل المخاطر البيئية الأخرى. ويرتبط نقص المغذيات الدقيقة لدى النساء والأطفال بزيادة معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات. ولا يؤدي ذلك إلى عواقب صحية خطيرة فحسب، بل يخفض أيضاً من النواتج التعليمية وإنتاجية العمل”.

نقص المغذيات الدقيقة يهدد الصحة العامة

واكد البنك الدولي في تقريره ان فقر الدم هو افتقار الجسم إلى العدد الكافي من خلايا الدم الحمراء السليمة المسؤولة عن حمل الأكسجين إلى الأنسجة، وقد ينتج عن نقص الحديد والمغذيات الدقيقة الأخرى. وفي غزة، يعتبر فقر الدم من مشكلات الصحة العامة شديدة الخطورة. ووفقاً لوزارة الصحة واستقصاءات التغذية التي أُجريت على الصعيد الوطني خلال عامي 2018 و2020، يعاني من فقر الدم أكثرُ من نصف النساء الحوامل والنسبة نفسها من الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و23 شهراً. أما في الضفة الغربية، فيعتبر فقر الدم من مشكلات الصحة العامة متوسطة الخطورة، إذ يعاني منه أكثر من ربع النساء الحوامل، وتنسحب تلك النسبة على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و23 شهراً.

وتعاني نسبة عالية من الفلسطينيين أيضاً من نقص في فيتامينات “أ” و”د” و”هـ”، والتي تلعب دوراً رئيسياً في المحافظة على النظر وصحة العظام والجهاز المناعي.

وأظهرت البيانات المستخلصة من آخر دراسة استقصائية أجرتها وزارة الصحة على الصعيد الوطني في عام 2013- والتي تعد المصدر الأكثر موثوقية وشمولاً للبيانات الخاصة بالحالة التغذوية فيما يتعلق بالمغذيات الدقيقة – أن نحو 72% من الأطفال (في الشريحة العمرية 6 أشهر – 59 شهراً) وكذلك نسبة النساء الحوامل التي تتراوح بين 47% و58% (حسب مراحل الحمل الثلاث) يعانون من انخفاض مستويات فيتامين “أ” في الدم. كما أن نسبة الأطفال التي تتراوح بين 54% و68% (في الشريحة العمرية 6 أشهر- 59 شهراً) و99% من النساء الحوامل (ممن تتراوح أعمارهن بين 18 و43 عاماً) في الثلث الثاني والثالث من الحمل، يعانون من انخفاض مستويات فيتامين “د”. ويعاني نحو 65% من الأطفال (في الشريحة العمرية 6 أشهر – 59 شهراً) ونسبة النساء الحوامل التي تتراوح بين 16% و42% (حسب كل مرحلة من مراحل الحمل الثلاث)، من انخفاض مستويات فيتامين “هـ”.

واضاف “ورغم الجهود التي بذلتها وزارة الصحة على مدى عقد من الزمن، لا زالت هذه المشكلة قائمة. لذا، طالبت وزارة الصحة البنك الدولي مساعدتها على تحديد العوامل التي تعرقل تحسين مستويات المغذيات الدقيقة وإيجاد حلول عملية ومبتكرة مصممة بما يتلاءم مع الظروف والبيئة المحلية. أجرى البنك الدولي تقييمين تفصيليين في الفترة الواقعة بين عامي 2019 و2021 من أجل (1) تحديد الاختلالات في برامج الوقاية من فقر الدم ومكافحته، و(2) دراسة جدوى برنامج الإغناء الغذائي لزيوت الطعام”.

وأُجري التقييمان متعددا القطاعات المشار إليهما بهدف الإجابة على أسئلة مهمة تتعلق على سبيل المثال باستهلاك الطعام ونظم سلاسل الإمداد وسلوك المستهلك والتوزيع في الأسواق وأنظمة تقديم الخدمات. وتبيّن النتائج المستخلصة من التقييمين معاناة أعداد كبيرة من الفلسطينيين نتيجة استمرار نقص المغذيات الدقيقة. ومن شأن الإجراءات التي اقترحها فريق البنك الدولي أن تحسن من تغطية التدخلات في الضفة الغربية وقطاع غزة ونوعيتها.

نحو تغذية أفضل

تستهدف الخدمات الحالية للوقاية من فقر الدم ومكافحته الوصول إلى فئات السكان الأكثر احتياجاً والأولى بالرعاية ومن بينها النساء الحوامل والمرضعات وكذلك الأطفال دون سن الخامسة. بيد أن التدخلات الحالية، مثل تقديم مكملات الحديد وحامض الفوليك للنساء الحوامل وبرنامج شامل للإغناء الغذائي للطحين، لا تؤثر فيما يبدو في رفع مستويات المغذيات الدقيقة في الدم.

وثمة فرص متاحة لإجراء تدخلات فعَّالة لكنها بحاجة لمزيد من الدعم الفني والمالي. ولتحسين النواتج، ثمة حاجة لإعادة النظر في إدارة مكملات الحديد وتعزيز جودة الرعاية على صعيد تقديم المشورة في مجال التغذية وإذكاء الوعي العام بأهمية تناول ما يكفي من المغذيات الدقيقة. وهناك أيضاً حاجة إلى استحداث أنظمة رصد وتقييم لأغراض تقديم الخدمات وتعزيز الإغناء الغذائي.

يمكن على سبيل المثال تنظيم جلسات توعية تفاعلية للنساء الحوامل ومقدمي الرعاية الآخرين للأطفال البالغين ثلاث سنوات أو أصغر، بغية تقديم النصح للمشاركين بشأن الوقاية من فقر الدم وأهمية الامتثال للممارسات الموصى بها للتمتع بصحة جيدة.

ويمكن أن يشكل زيت الطعام المضاف إليه فيتامينات “أ” و”د” و”هـ” قاعدة لزيادة تناول عموم السكان لهذه الفيتامينات. وينبغي تقديم الدعم الفني والمالي لتدعيم عمل المختبرات المحلية وإجراء معاينات عشوائية لعينات ووضع قواعد فنية أو تنقيحها. وثمة حاجة أيضاً لزيادة القدرات لأغراض فحص محتوى الفيتامينات عند منافذ إعداد وتداول الزيوت، مثل مصانع إعادة التعبئة ومتاجر البيع بالتجزئة في الأسواق وكذلك تزويد مصانع إعادة التعبئة بالخليط اللازم لإغناء زيوت الطعام بالفيتامينات.

قد يعجبك ايضا