الترويج لـ”الغش الإلكتروني” يهدد مصداقية “البكالوريا” في المغرب
Share
في الوقت الذي يجتهد فيه التلاميذ المجتهدون ويكد المكدون لاجتياز امتحانات البكالوريا خلال الشهر المقبل في المغرب، يسعى آخرون إلى الحصول على آخر ما جادت به التكنولوجيا الحديثة من أدوات ومعدات لمساعدتهم على الغش في الامتحانات، كأقصر طريق لنيل معدلات تؤهلهم إلى النجاح ودخول المعاهد والجامعات.
وتروج صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي أجهزة إلكترونية للبيع من أجل استعمالها للغش في الامتحانات المقبلة، خصوصاً امتحانات البكالوريا (الثانوية العامة) المقررة في المغرب من يوم 20 إلى 24 يونيو (حزيران) المقبل.
وينتقد متخصصون تربويون ظاهرة ترويج المعدات الإلكترونية المستعملة في الغش بالامتحانات، باعتبار أنها تسهم في تردي مستوى الطلاب، وتدمر ملكة الإبداع لديهم، حيث يعولون على الغش لتحقيق النجاح الدراسي، الشيء الذي يشكك في قيمة شهاداتهم العلمية بالمستقبل.
وأوقفت الشرطة المغربية قبل أيام طالباً في العشرينيات من عمره بمدينة وجدة شرق البلاد، لتورطه في “حيازة أجهزة إلكترونية تستعمل لأغراض الغش في الامتحانات المدرسية، وترويجها”. وعثرت الشرطة مع الطالب الموقوف على أجهزة لاسلكية مهربة، وتحديداً 33 سماعة لاسلكية دقيقة، و17 بطاقة للاتصالات المحمولة، و455 بطارية وهاتف محمول و30 وصلة للشحن.
وسبق للمصالح الأمنية المكلفة مكافحة الجرائم المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة أن تعرفت على هويات 31 شخصاً أنشأوا حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بغرض تسهيل الغش في امتحانات البكالوريا للسنة الماضية.
وتشكل ظاهرة الغش أرقاً حقيقياً لدى السلطات التربوية والتعليمية في المغرب، في نهاية كل موسم دراسي، على الرغم من ترسانة الزجر والعقوبات التي تشهرها في وجه الغشاشين.
والغش في الامتحانات، يراد به، وفق قانون حكومي يعود إلى 2016، ممارسة الطالب أي شكل من أشكال التحايل والخداع في الامتحانات المدرسية المتوجة بالحصول على إحدى الشهادات والدبلومات الوطنية، ومنها “حيازة أو استعمال آلات أو وسائل إلكترونية كيفما كان شكلها أو نوعها أو وثائق أو مخطوطات غير مرخص بها داخل فضاء الامتحان”.
ومن أشكال الغش المعاقب عليها، بحسب القانون، “تسريب مواضيع الامتحان من طرف كل مسؤول أو متدخل أو مشارك في تحرير أو نقل أو حماية أوراق ومواضيع الامتحانات المدرسية، والاتجار بها من خلال استعمال وسائل تقليدية أو إلكترونية وتسهيل تداولها بصفة فردية أو في إطار شبكات”.
ويورد القانون أن اللجنة التأديبية تقرر منح نقطة صفر في المادة التي حصل فيها الغش، وإلغاء نقاط جميع مواد الدورة المعنية، كما أن العقوبة قد تصل إلى الإقصاء النهائي من اجتياز الامتحان خلال السنة الجارية، أو لمدة سنتين دراسيتين متواليتين.
ووفق القانون عينه، يمكن أن يعاقب كل من ارتكب الغش في الامتحانات المدرسية، بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات، وغرامة تصل إلى 100 ألف درهم (10 آلاف دولار).
ووصل موضوع الترويج للغش الإلكتروني في الامتحانات إلى قبة البرلمان المغربي، حيث طرحت النائبة ربيعة بوجة سؤالاً على وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى، جاء فيه أن “هناك مقطع فيديو، عبارة عن إشهار تجاري يتم تداوله عبر موقع التواصل الاجتماعي تيك توك، يدعو التلاميذ المقبلين على اجتياز امتحانات البكالوريا إلى اعتماد تقنية حديثة تيسر عملية الغش بشكل آمن”.
ووفق المصدر، فإن المنتج المعروض عبارة عن شريحة إلكترونية بحسب ما يوضح الفيديو، توضع في الأذن، وتربط بالهاتف الذكي، ومن خلالها سيتمكن التلميذ من الحصول على أجوبة الامتحان بالتواصل مع شخص متواطئ من خارج قاعة الامتحان”.
وزادت البرلمانية، “نحن أمام تغول خطير للإمبريالية المتوحشة التي لم ترقب إلاً ولا ذمة في فلذات أكبادنا، وأدى بها الجشع والطمع إلى أن تنشر قيم الغش والفساد وتشجع على التزوير وخرق القانون وتضرب عرض الحائط سمعة بلدنا، وتضعف من مصداقية الشواهد المغربية”.
وتابعت، “الإعلان المذكور يحاول أن يقنع التلاميذ بأن هذه التقنية لا غبار عليها، وهي جد دقيقة وحديثة ومؤمنة، ولا يمكن أبداً للأستاذ المراقب في الامتحان أن يكتشفها”، موردة أن “هذا الوضع يخلق حالة إحباط في صفوف التلاميذ النجباء والمستقيمين لأنهم يشعرون بعدم تكافؤ الفرص”.
وطالبت البرلمانية ذاتها من الوزير الوصي على القطاع بأن يكشف عن “الإجراءات والتدابير التي سيتخذها للدفاع عن المدرسة المغربية، وقيم الشفافية والمنافسة الشريفة ضد هذا الفعل المشين الذي يضرب في العمق مصداقية شهادة البكالوريا بالمغرب”.
وانتشرت ظاهرة الغش في الامتحانات المدرسية بمعدات إلكترونية فائقة الجودة خلال السنوات القليلة الأخيرة، بعد أن كان الغش خلال أعوام خلت “تقليدياً” لا يتضمن الأجهزة الحديثة المعروفة اليوم.
ويقول المفتش التربوي المتقاعد محمد البصيري، في تصريحات لـ”اندبندنت عربية” في هذا الصدد، إن أقصى حالات الغش في امتحانات البكالوريا كانت تتم عبر تبادل التلاميذ للأجوبة شفوياً، في جو من الاحتراس والخشية من الوقوع بين يدي الأستاذ المراقب.
واستطرد المتحدث ذاته بأن الغش التقليدي كان عبارة أيضاً عن أوراق يكتب فيها التلميذ الغشاش الدروس بخط صغير جداً لا يكاد يقرأ، فيضع الورقة في جيبه، ويطل عليها بين الفينة والأخرى خلسة من المراقب، أو يكتب بعض المعلومات في راحة يده، وغيرها من وسائل الغش التقليدية.
وطرح البرلماني عبد العزيز لعايض سؤالاً على وزير التعليم في هذا السياق، جاء فيه أن التقنيات والوسائل المستعملة بالغش أضحت أقرب ما تكون إلى الإنجاز التكنولوجي، من قبيل سماعات صغيرة الحجم وأجهزة الغش بعيدة سنوات ضوئية عن الوسائط التقليدية التي كانت تخبأ في مقلمة التلميذ”.
ووفق البرلماني، يتطلب الأمر تطور الوسائل المعتمدة لمراقبة ومحاربة الغش، لأن التقنيات والوسائل التي تعتمدها الوزارة أصبحت عاجزة عن كشف المتلاعبين والغشاشين”.
ويعلق الخبير التربوي محمد صدوقي على موضوع الغش الإلكتروني في الامتحانات بالقول لـ”اندبندنت عربية” إن الغش يضرب ويدمر وظيفة الامتحانات الانتقائية، مما تنتج عنه كوارث تعليمية، مثل عدم أهلية الغشاشين الناجحين لمسايرة المستويات الدراسية بنجاح”.
ويتابع صدوقي أن هذا الغش يفضي أيضاً إلى تدمير المسار الدراسي الشخصي للمتعلم الغشاش، وللمنظومة التعليمية والتربوية كلها، فضلاً عن إمكانية وصول أشخاص غير مؤهلين معرفياً ولا قيمياً إلى مناصب المسؤولية.