أميركا تطوي صفحة كورونا والصين تواصل التشديد وكوريا الشمالية تعلن أول إصابة
Share
بينما تشدد شنغهاي الصينية من إجراءات الإغلاق للقضاء على فيروس كورونا، تبدو الولايات المتحدة الأميركية عازمة على طي صفحة الوباء، إذ ألغت حالياً فرض وضع الكمامة، ولا تعطي الجرعة الرابعة من اللقاح سوى لأولئك الذين تتجاوز أعمارهم الخمسين سنة، على الرغم من تسجيل البلاد إصابات جديدة منذ شهر.
وفقاً لجامعة جونز هوبكينز، وبمعدل مئات الوفيات يومياً، تخطت الولايات المتحدة عتبة المليون وفاة الخميس، بينما قال الرئيس الأميركي جو بايدن في بيان “علينا أن نظل يقظين في مواجهة هذا الوباء، وأن نفعل كل ما في وسعنا لإنقاذ أكبر عدد من الأرواح، كما فعلنا مع تكثيف الفحوص واللقاحات والعلاجات أكثر من أي وقت مضى”.
بعد تراجع جائحة فيروس كورونا لأشهر في الدولة التي سجلت رسمياً أكبر عدد وفيات في العالم (قبل البرازيل والهند وروسيا) شهدت الولايات المتحدة زيادة يومية في عدد الحالات منذ شهر. ويعود ذلك إلى متحورات أوميكرون الجديدة الأشد عدوى من السلالات السابقة. لكن آثارها تبدو أقل خطورة في مجتمع تلقى 66 في المئة من سكانه اللقاح وأكثر من 90 في المئة لمن تزيد أعمارهم على 65 سنة.
نيويورك تعود
ويبدو أن نيويورك التي تعد ولاية اقتصادية وثقافية بامتياز، تعيش فيها مجتمعات وطبقات اجتماعية متنوعة، استعادت نشاطها الأسطوري. وعاد السياح الأميركيون والأجانب إلى مسارح برودواي، والتقاط الصور تحت الإعلانات الرقمية العملاقة في ساحة “تايمز سكوير”، وتسلق تمثال الحرية، والتنزه في عربة تجرها خيول في “سنترال بارك” أو سيراً على الأقدام أو بدراجة هوائية على جسر بروكلين، وباتوا يتدفقون إلى أجمل المتاحف شمال مانهاتن، ويتأملون من أعلى ناطحات السحاب هذه المدينة الواقعة على شواطئ الأطلسي.
كل هذه النشاطات الترفيهية عادت تدريجاً منذ 2021 وأسهمت في شهرة هذه المدينة، وخلال فترة الظهر والمساء يكون الازدحام على الطرقات في أوجه بوسط مانهاتن، المركز المالي والتجاري لنيويورك.
وباتت طوابير الانتظار طويلة أمام آلاف المطاعم والأكشاك وشاحنات الوجبات السريعة. وعادت شرفات مانهاتن وبروكلين الأكثر شهرة لتشهد اكتظاظاً.
يقول ألفريد شيرولو، الذي يشرف على مركز “غراند سنترال بارتنرشيب” إنه “طال انتظارنا لعودة نيويورك إلى هذا الزخم”. ويضيف لـ”وكالة الصحافة الفرنسية”: “من دون شك نشعر بطاقة الأشخاص في الشوارع”.
المفارقة واضحة مع الكابوس
وكانت “المدينة الشهيرة التي لا تنام” بؤرة الوباء وشوارعها مقفرة لأسابيع ومهجورة كما في أفلام الخيال العلمي.
ووحدها صافرات سيارات الإسعاف كانت تخرق صمت شوارع منهاتن وبروكلين الرئيسة، حيث تولت نقل أعداد كبيرة من المصابين إلى المستشفيات، بينما وضعت جثث المتوفين في شاحنات مبردة بعد أن عجزت مشارح المدينة عن استقبال المزيد.
تستذكر جانيس مالوف-تومازو، وهي ممرضة كانت تعمل قرب بوسطن في حينها، أن العديد من مقدمي الرعاية لم يتحملوا “مشاهد الموت”. وتضيف “أصيب البعض بصدمة نفسية وغادر كثيرون”.
وخسر 40 ألفاً من سكان نيويورك حياتهم بسبب كوفيد منذ ربيع 2020 والعدد نفسه في جزيرة مانهاتن، ولا تزال أحياء بروكلين وكوينز الشعبية تحمل آثار الوباء.
ونظراً لعدم وجود زبائن لأشهر، أغلقت آلاف المتاجر الصغيرة أبوابها ولا تزال واجهاتها مغطاة بألواح خشبية أو ملصقات لوكلاء عقارات.
من أصحاب هذه المتاجر الصغيرة، يدير فرانك تيديسكو متجر مجوهرات في منطقة ويستشيستر الراقية شمال حي برونكس. يقول لـ”وكالة الصحافة الفرنسية” إنه أنقذ متجره في عام 2020 بفضل المساعدات العامة وأمواله الخاصة، لكنه يشعر “بالقلق” لأنه “لا يعرف ماذا سيحدث” وكيف يمكنه تحمل “صدمة” اقتصادية أخرى في حال عادت الجائحة.
وأصبح العمل عن بعد عادة، فوفقاً للمقياس الأسبوعي لشركة الأمن “كاسل”، لا يزال معدل إشغال المكاتب في نيويورك يبلغ ذروته عند 38 في المئة فقط، بينما أقر رئيس بنك غولدمان ساكس للأعمال، ديفيد سولومون، في الثاني من مايو (أيار) بأن معدل الموظفين العائدين إلى المكتب بالكاد وصل إلى 50 غي المئة أو 60 مقابل 80 في المئة قبل تفشي “كوفيد”.
تاريخ الفيروس في أميركا
وسجلت الولايات المتحدة حتى الآن أكثر من مليون حالة وفاة ناجمة من “كوفيد-19″، بحسب إحصاء لـ”رويترز”، متجاوزة مستوى كان يوماً ما ضرباً من ضروب الخيال، وذلك بعد حوالى عامين من ظهور أولى الحالات في الجائحة التي قلبت الحياة اليومية رأساً على عقب.
وبحلول الوقت الذي أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية “كوفيد-19” جائحة عالمية في 11 مارس (آذار) 2020، كان الفيروس قد أودى بحياة 36 شخصاً في الولايات المتحدة. وفي الأشهر التالية انتشر الفيروس القاتل كالنار في الهشيم، ووجد أرضاً خصبة في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان مثل مدينة نيويورك، ثم وصل إلى كل ركن في البلاد.
وبحلول يونيو (حزيران) 2020، تجاوز عدد الوفيات في الولايات المتحدة إجمالي عدد العسكريين الأميركيين الذين قتلوا في الحرب العالمية الأولى، ثم اتجه لتجاوز الخسائر العسكرية الأميركية في الحرب العالمية الثانية بحلول يناير (كانون الثاني) 2021 عندما سجلت أكثر من 405 آلاف وفاة.
وحصد الفيروس حياة أكثر من 6.7 مليون على مستوى العالم. وقالت منظمة الصحة العالمية إن العدد الحقيقي، الذي يشمل من أودى المرض بحياتهم وكذلك الذين لقوا حتفهم كنتيجة غير مباشرة لتفشيه، يقترب على الأرجح من 15 مليوناً.
وأقبل الملايين من الأميركيين بلهفة على تلقي لقاحات كوفيد بعد أن بدأ توزيعها في أواخر عام 2020. وبحلول أوائل عام 2021، كان الفيروس قد أودى بالفعل بحياة 500 ألف شخص.
وقال كبير خبراء الأمراض المعدية، أنتوني فاوتشي في فعالية أخيراً “الأمر لم ينته بأي حال من الأحوال. ما زلنا نعاني من جائحة عالمية”.
ماذا يحدث في الصين؟
في البلد التي مثلت بؤرة الفيروس، مشطت السلطات بشنغهاي المدينة، يوم الخميس، بحثاً عن أحدث حالات الإصابة بمرض “كوفيد-19” على أمل تمهيد الطريق للخروج من إجراءات إغلاق صارمة مطبقة منذ ستة أسابيع، في حين قيدت بكين خدمة سيارات الأجرة لاحتواء انتشار أقل.
وشددت شنغهاي، المركز التجاري في الصين، والتي يقطنها 25 مليون نسمة، إجراءات الإغلاق في الأيام القليلة الماضية في إطار حملة أخيرة للقضاء على الفيروس بحلول نهاية هذا الشهر بعدما أحرزت بعض التقدم وفقاً لبيانات هذا الأسبوع.
وقال مسؤولون، اليوم الخميس، إن إجراءات الفحص الجماعي المتبعة في شنغهاي رصدت حالتي إصابة فقط خارج المناطق التي تشهد إجراءات إغلاق مشددة يوم 11 مايو، وهذا أعلى من عدم رصد أي حالات في اليوم السابق.
ورُصدت الحالتان في اثنين من 16 حياً في المدينة، قالت السلطات هذا الأسبوع إنهما من بين ثمانية أحياء حققت وضع “صفر كورونا”، إذ لم ترصد حالات بها على مدى ثلاثة أيام.
وتظهر الحالتان الجديدتان مدى صعوبة القضاء بالكامل على المتحورة “أوميكرون” شديد الانتشار من فيروس كورونا، على الرغم من التطبيق الصارم لأشد إجراءات تفرضها الصين منذ بدء الجائحة في مدينة ووهان في عام 2019.
وتخالف الصين الاتجاه العالمي وتتمسك بسياسة “صفر كورونا”، مقيدة حركة مئات الملايين من سكانها في عشرات المدن؛ مما يتسبب في أضرار اقتصادية بالغة، ويعطل التجارة العالمية وسلاسل الإمداد.
لكن الصين تقول إنها تحافظ على حياة الناس. وتشير إلى مليون وفاة بسبب “كوفيد-19” في الولايات المتحدة وملايين في مناطق أخرى، في حين بلغ إجمالي وفياتها منذ بدء الجائحة ما يزيد قليلاً على خمسة آلاف.
وسجلت العاصمة بكين 46 إصابة جديدة في 11 مايو بالمقارنة مع 37 إصابة في اليوم السابق.
إغلاق عام
في كوريا الشمالية، أمر الزعيم كيم جونغ-أون، الخميس، بفرض إجراءات إغلاق عام على المستوى الوطني، بعدما سجّلت بلاده أول إصابة بـ”كوفيد-19″ منذ ظهر الفيروس للمرة الأولى في جارتها الصين قبل عامين ونصف، بحسب ما أفاد الإعلام الرسمي.
وأفادت وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية بأن كيم “دعا كل مدن البلاد ومقاطعاتها إلى فرض إجراءات حجر صارمة على أراضيها، وإلى تنظيم العمل والإنتاج بعد عزل كل وحدة عمل، أو إنتاج، أو وحدة سكنية عن بعضها البعض”. وأعلن “حالة طوارئ وطنية خطيرة” وتعهّد بالتغلب عليها من خلال تطبيق نظام حجر صحّي طارئ إلى أقصى درجة.
وقال كيم خلال اجتماع طارئ للمكتب السياسي إنّ “الهدف هو القضاء على جذور (الجائحة) في أقصر فترة زمنية ممكنة”.
وأضافت الوكالة أنّ الزعيم “أكّد لنا أنّه بفضل درجة الوعي السياسي العالية التي يتمتّع بها الشعب… سنتغلّب بالتأكيد على حالة الطوارئ وسننجح في مشروع الحجر الصحي الطارئ”.
وأمر كيم بتشديد المراقبة على الحدود وفرض إجراءات لاحتواء الجائحة، داعياً مواطنيه إلى “منع انتشار الفيروس الخبيث عن طريق إغلاق أحيائهم بالكامل في كل المدن والمقاطعات في سائر أنحاء البلاد”، وفقاً للوكالة.
“كوفيد 19” يضرب حصاراً بالأسيجة حول سكان شنغهاي
وأغلقت كوريا الشمالية حدودها بالكامل منذ بداية انتشار الجائحة في 2020، وحتى الخميس لم تكن بيونغ يانغ أعلنت أي إصابة مؤكدة بكوفيد. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، أجرت كوريا الشمالية 13 ألف و259 اختباراً لرصد الإصابات في 2020، أتت نتائجها كلّها سلبية، بينما يعتقد المراقبون أنّ النظام الصحّي في كوريا الشمالية أضعف من أن يواجه جائحة واسعة النطاق.
من جهته، قال مسؤول كبير في منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، إن الزيادة الحالية في الإصابات بـ”كوفيد-19″ في منطقة الجنوب الأفريقي ترجع إلى المتحورات الفرعية من سلالة “أوميكرون” وتخفيف إجراءات الصحة العامة.
وأشار الدكتور عبد السلام جوي، مدير التأهب والاستجابة للطوارئ في مكتب منظمة الصحة العالمية الإقليمي لأفريقيا إلى أن “هذا الارتفاع في الحالات هو علامة تحذير مبكر نراقبها باهتمام. وحان الوقت الآن لكي تزيد الدول من استعدادها وتكفل التحرك الفعال في حالة حدوث موجة وبائية جديدة”.