ما دور المغتربين اليمنيين في تنشيط مساراتها ؟
مثلما مثَّل شهر رمضان المبارك فرصة ذهبية للمسلمين لزيادة أرصدتهم من الإحسان وأعمال الخير، فإنه يشكِّل ساحة زمنية موسمية لمارثون حافل بسباق الجاليات اليمنية والجمعيات والكيانات والأفراد في مختلف أنحاء العالم، للتبرع بسخاء كبير يضاعف حجم التمويلات الخيرية الرمضانية إلى ملايين الدولارات، لكن الأهم هنا هو كيف يمكن أن يخصص المغتربون أو الجمعيات الخيرية -التي تمثلهم في الخارج أو تتعامل معهم من الداخل- جزءاً من هذه التمويلات في مسار التنمية المستدامة للأسر الفقيرة عبر دعم المشاريع الصغيرة التي تلائم خبرات وقدرات بعض الأسر على الإنتاج والاعتماد على الذات ؟
في هذا المادة الصحفية سنتابع الرؤى والمبادرات الموصولة بتوجيه جزء من التمويلات نحو تمكين الأسر اليمنية الفقيرة اقتصاديا، إلى جانب الإشارات الخاطفة حول أدوار المغتربين اليمنيين تجاه دعم الأسر الفقيرة وتمكينها اقتصادياً.. إلى التفاصيل.
الثورة / استطلاع / محمد محمد ابراهيم
في مستهل هذا الاستطلاع يجب الإشارة إلى أن أولى بوادر توجيه التمويلات الخيرية نحو مشاريع مستدامة تفيد الأسر المعدمة في اليمن نتيجة تداعيات العدوان والحصار في عامهما الثامن في مارس الماضي، تحت شعار “نحو تعزيز التنمية المستدامة للأسر اليمنية المعدمة والفقيرة” أعلن مجموعة من المغتربين اليمنيين في ألمانيا، هذا العام استبدال المبالغ المالية التي يتم توزيعها على الأسر عبر المنظمات المحلية بهدايا عينية تؤسس لمشاريع إنتاجية سيكون لها أثرها في تكريس ثقافة العمل الإنتاجي والاعتماد على الذات.
وفي هذا السياق يقول الكابتن فايز العماري – مؤسس ورئيس الرابطة الرياضية اليمنية في ألمانيا: في شهر رمضان الذي انقضى –أعاده الله على أمتنا الإسلامية بالخير والأمان- لاحظنا ازدهار النشاط الخيري بشكل كبير، وكما هو الحال في كل عام تتدفق التمويلات من كل حدب وصوب وتشمل أحيانا كل أفراد الأسرة، كما لمسنا أنه في كل عام تحول مبالغ كبيرة عبر المنظمات والمؤسسات الخيرية كتبرعات يتم توزيعها عبر تلك الجهات في صنعاء والحديدة وعدن وتعز وغيرها.. مؤكدا أن كل أسرة مثلا كانت تحصل على 100 يورو، والأيتام من 50 يورو، لكل يتيم، وتشمل هذا التبرعات آلاف من الأسر الفقيرة والأيتام.
وأضاف العماري: ولأنه من الممكن توجيه جزء من التبرعات إلى مشاريع تنموية تفيد الأسر -التي تتميز بالخبرة والقدرة على الإنتاج- تدارسنا مع الإخوة: وائل الحميدي، وعلي الجبري، وعبد الكريم الخواص، وغيرهم من أعضاء الهيئة الإدارية للرابطة الرياضية اليمنية في مدينة هانو – ولاية هيسن الألمانية هذه المبادرة ودشنا هذا العام تخصيص جزء من حجم التبرعات التي جمعتها الرابطة من أهل الخير من جميع الجنسيات ومن النوادي الرياضية ومن بعض اليمنين والبالغة قرابة 40 ألف يورو – بما يعادل 23 مليون ريال يمني – لشراء نحو 300 ماكينة خياطة لكل أسرة تريد العمل، في صنعاء، وعدن، والحديدة، وتعز، وغيرها، كما قمنا بشراء أزياء ومستلزمات مدرسية لحوالي 1000 طالب من أبناء الأسر الفقيرة.
خيرية وإغاثية وتنموية
في مقام الحديث عن اسهامات المغتربين اليمنيين في مختلف دول العالم لا يمكن تجاهل التجربة الريادية الجامعة بين ثلاثية العمل الخير والإغاثي والتنموي والتي تتمثل في “منظمة الأيادي النقية pure hands ” التي أسسها في المهجر الأمريكي الأستاذ محمد محمد الحجاجي، ومعه نخبة مستنيرة من رجال الأعمال اليمنيين هناك، في 2012م لتعد المنظمة اليمنية الأمريكية اليوم الأكثر حضوراً في مضمار العمل الإنساني داخل اليمن وخارجه، فقد لعبت دورا كبيراً في الموسم الخيري الرمضاني في مختلف المحافظات اليمنية إلى جنب دورها التنموي الكبير في مضمار تمكين الأسر اليمنية اقتصاديا عبر دعم مشاريعها الإنتاجية الصغيرة، والأهم أنها صنفت من بين 100 منظمة تصدرت قائمة الشفافية والإنجاز من أصل 300 الف منظمة خيرية في أمريكا.
وفي سياق الحديث عن ما قدمته المنظمة في الموسم الرمضاني أكد الدكتور حافظ الخولاني – مدير فرع المنظمة في ولاية نيويورك – أن أنشطة المنظمة الخيرية والإغاثية والتنموية لم ترتبط بموسم -رغم ما تضاعفه المنظمة كل موسم رمضاني-بل تعمل على مدار العام على مسارات عملية ثلاثة: الإغاثي والخيري والتنموي (التمكين الاقتصادي). لافتاً إلى أن المنظمة قدمت في الموسم الرمضاني مشاريع خيرية متعددة بملايين الدولارات، وأن دخل المنظمة تضاعف في الربع الأول من العام 2022م مقارنة بالعام الماضي بأرباعه الأربعة.
وأضاف الخولاني “بفضل من الله وتوفيقه تحظى منظمة “الأيادي النقية”، بثقة كبيرة من التجار ورجال الأعمال سواءً اليمنين أو الجهات المانحة أو غيرهم، حيث تضاعف دخل المنظمة هذا العام إلى أربعة أضعاف مقارنة بالأعوام السابقة”.. مؤكدا “ثقة الجهات المانحة تزايدت هذا العام تبعا لمسار العمل المؤسسي المقرون بالشفافية والإنجاز، حيث حصلت المنظمة على منحة طبية كبيرة من جهة مانحة واحدة هذا العام شملت مستلزمات أدوات طبية وأدوية بقيمة 100 مليون دولار”.
وأوضح الخولاني “عدد المستفيدين من المنظمة منذ تأسيسها في 2012 وحتى الآن، بلغ 5 ملايين شخص في اليمن، وفق مشاريع تنوعت بين الإغاثي والخيري والتنموي وبلغت نحو 300 مليون دولار”.. مشيرا إلى المنظمة تسعى لفتح عشرة فروع جديدة في دول أخرى خلال العام القادم، وأن العمل الإجرائي على ذلك قد بدأ في الوقت الراهن.
الدعم المباشر
من جانبه قال رجل الأعمال محمد سعيد عبدالله – المدير التنفيذي للجمعية اليمنية الأمريكية في ولاية ميشجن “للسنة الرابعة على التوالي يلعب أعضاء الجمعية اليمنية الأمريكية دورا إنسانيا كبيرا في تبني الدعم المباشر الذي يحمل عددا من الصفات الإنسانية – الخيري والإغاثي والتمكين الاقتصادي – ومن ضمن ذلك الدعم، تمويلات مالية لبعض الجمعيات المعترف بها في الداخل”.
وبيَّن عبدالله أن أعضاء الجمعية والمغتربين بصفة عامة في الولاية أسهموا بشكل كبير في دعم المؤسسات التي تعمل في المشاريع الغذائية، سواء على المستوى الإنتاجي كدعم الأفران الخيرية التي توزع رغيف الخبز مجانا في بعض المناطق اليمنية، أو على مستوى توزيع السلال الغذائية، بالإضافة إلى تبني الرعاية المالية للأيتام، وبعض الحالات المرضية التي نرى أنه من الضروري دعمها ومساعدتها للعلاج في الخارج.. مؤكدا أن قيادة الجمعية تدفع دائما باتجاه تكريس مضاعفة الدعم بشكل عام مع كل المنظمات والكيانات والجمعيات التي تدعم المشاريع الاقتصادية المعنية بتمكين الأسر اقتصاديا.
وأضاف عبدالله: لدينا قائمة بالأسر التي نجمع لها المساعدات في صنعاء وتعز والحديدة، وغيرها، وبما يصل إلى نحو 2000 أسرة تنال دعماً سنوياً عبر جهات نثق بها في عملية التوزيع، وبحكم اقتصار عملنا على خدمة المغتربين في ولاية ميتشجن التي نحن فيها، فإننا ندفع باتجاه دعم المنظمات الواسعة الاهتمامات الموصولة بالتمكين الاقتصادي والمشاريع التنموية كمنظمة “الأيادي النقية” التي تسهم بجزء كبير في إعداد برامج متنوعة داخل الجمهورية اليمنية تشمل تمكين الأسر من البناء الذاتي لنفسها ولها برامج كثيرة خصوصا وقد عملت في هذه السنة على توسيع برامجها وأنشطتها وفروعها.. مؤكدا أن دور اليمنيين الأمريكيين بارز في كل الاتجاهات سواء على صعيد الدعم العام والخاص، حيث أشارت تقارير الأمم المتحدة إلى أن إجمالي ما يرسله المهاجرون اليمنيون في عموم أمريكا بصل إلى حدود 4 مليارات دولار سنويا وهذه فقط المبالغ المسجلة رسميا، فما بالك ما يقومون به كأفراد في اطار دعمهم الدائم ومشاريعهم المستمرة في الوطن الأم، وما تمثله قيمها المضافة في السوق من حجر الزاوية في الحفاظ على العملة اليمنية بإدخال العملة الصعبة إلى مناطق اليمن بدون استثناء، ويلعب التجار بشكل أساسي دوراً مهماً في دعم وتنمية المجتمع خصوصا والجالية اليمنية بدأت تتجه بمشاريع عملاقة وهذا يلعب دورا أساسياً على صعيد دعم الجمعيات أو على صعيد دعم الأسر الفقيرة في اليمن بشكل عام.
تحويلات المغتربين
كما يشكل شهر رمضان المبارك موسما خيِّرا بالنسبة لتدفق تحويلات المغتربين اليمنيين في أنحاء العالم فمنها ما يوجه لأسر وأقارب ومعارف المغتربين، ومنها ما يوجه كتمويلات لأنشطة خيرة تقوم بها المنظمات اليمنية في الداخل كموائد الإفطار، والخيمات الرمضانية في المدن الكبرى كصنعاء وتعز وعدن والحديدة وغيرها، من المظاهر التي تقام بدعم ومبادرات المغتربين كتحويلات تتدفق إلى الوطن الأم بشكل منظم عبر منظمات وكيانات مؤسسية أنشأها يمنيون في الخارج، وعبر منظمات تتعامل معهم في الداخل. فحسب دراسات سابقة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في سنوات ما قبل العدوان يتجاوز عدد اليمنيين في الخارج – وفق إحصاءات رسمية حديثة صادرة عن وزارة المغتربين 7 ملايين شخص يمثلون ما نسبته أكثر من 28% من إجمالي السكان و40% من إجمالي القوى العاملة، وتقدر تحويلاتهم النقدية الرسمية وغير الرسمية بأكثر من عشرة مليارات دولار سنوياً.
ويؤكد أمين عام الاتحاد العالمي للجاليات اليمنية-رئيس الجالية اليمنية في قطر، رجل الأعمال زين محسن المرقب أن قضية تمكين الأسرة الفقيرة اقتصاديا عبر تخصيص مبالغ معينة من التمويلات الخيرية الرمضانية قضية محورية في أولويات الاتحاد، ويجب أن تكون من أهم الاهتمامات لدى المغتربين، لما من شأنه تكريس ثقافة العمل والإنتاج، لكن هذا لا يعني إغفال توجيه قدر كبير من التمويلات للمساعدات المالية والغذائية العاجلة خصوصا مع ما تمر به الأسر اليمنية في الداخل من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة نتيجة سنوات العدوان والحصار.
وقال المرقب: ركزنا في الاتحاد وفي قيادة الجالية بقطر خلال الموسم الرمضان المنقضي -أعاده الله علينا بالخير واليمن والبركة -على دعوة أبناء الجاليات في الخارج للقيام بعملهم ودعم أبناء وطنهم على الأقل أن تدعم أبناء قريتك، وبلا شكل لا توجد قرية أو عزلة أو منطقة يمنية إلا ومنها عشرات المغتربين في الخارج.. هناك تجاوب وتفاعل خلاق من قبل كل المغتربين حتى الذين لا يتم الوصول إليهم أو التنسيق معهم في مختلف بلدان العالم.. مضيفا: الدعم الذي نقدمه باسم الاتحاد والجالية اليمنية في قطر لـ 200-300 أسرة يمنية، سواء من الأقارب أو المعارف أو غيرهم من الأسر التي تتوزع في تعز والبيضاء وأخرى عبر أشخاص ثقات، أما عدن وصنعاء فيتم توزيعها عبر جمعيات أهلية، حيث يتم التأكد من وصول تلك المساعدات إلى أكثر من 250 أسرة.
وأضاف المرقب: نشاط الاتحاد الموصول بقضايا المغتربين في السعودية تركز في هذه الفترة على متابعة ومعالجة ما نقدر عليه من المشكلات والمعاناة التي يتعرض لها المغتربون في الخليج نتيجة الإجراءات التعسفية من قبل نظام آل سعود، ومع ذلك يواجه الاتحاد حملة شنيعة من قبل وزارة المغتربين في حكومة فنادق الرياض. مضيفا “الاتحاد مسؤول عن متابعة قضايا المغتربين اليمنيين جميعا وكل مغترب يمني من صنعاء أو صعدة أو حجة أو حضرموت أو المهرة أو سقطرى فنحن كاتحاد مسؤولون عن متابعة قضيته ومظلوميته”.