أصدرت وكالات الغذاء التابعة للأمم المتحدة في العام الماضي منشورا بعنوان: «حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم خلال عام 2021».
وشملت البلدان الأكثر ضعفا؛ إثيوبيا ونيجيريا وجنوب السودان واليمن وأفغانستان وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وهايتي وهندوراس والسودان وسوريا. وعلى الصعيد العالمي، ينام أكثر من 800 مليون شخص جائعين أو حوالي 10 في المئة من إجمالي سكان العالم. وهناك العديد من الأسباب وراء ارتفاع هذه الأرقام.
وهي تشمل فترات الجفاف الممتدة التي تفاقمت بسبب الاحتباس الحراري، وسوء الإدارة، والصراعات الداخلية والخارجية، وجائحة «كوفيد-19» ابتداء من عام 2020. لقد عطل الوباء سلاسل التوريد والأسواق الدولية، مما أدى إلى زيادة الضغوط التضخمية.
وقد تسبب هذا في ارتفاع أسعار الإمدادات الغذائية الأساسية. وفي الرابع والعشرين من شهر فبراير (شباط) 2022، عرّضت الحربُ في أوكرانيا الصادراتِ الغذائية الحيوية من روسيا وأوكرانيا فجأة لخطر التوقف والانقطاع، وهما اثنتان من أهم منتجي القمح والشعير والذرة وزيت دوّار الشمس في العالم. وإلى الآن لم تُبْدِ الحربُ أيَّ علامة على الانتهاء قريبا، ولم تتم زراعة محاصيل جديدة.
وبغض النظر عما يحدث في ساحة المعركة، فسيستمر نقص الإمدادات لفترة طويلة، وستحتاج كل من أوكرانيا وروسيا إلى تخزين العديد من المنتجات والمحاصيل لاستهلاكها داخليا؛ لأن كلا البلدين -ولأسباب مختلفة- أصبحَا أكثر عزلة عن الأسواق الدولية. وصرح رئيس برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، ديفيد بيزلي، بأن هذه الحرب سيكون لها تأثيرٌ عالمي يتجاوز أي شيء رأيناه منذ الحرب العالمية الثانية.
ومن بين الإحصائيات المخيفة التي تحدَّثَ عنها «بيزلي»، حقيقةَ أن مصر ولبنان تحصلان على 85 في المئة و81 في المئة على التوالي من محاصيلهما من أوكرانيا. وفي عام 1977، أدت أعمال شغب بسبب أسعار الخبز في مصر إلى مقتل أكثر من 70 شخصا وإصابة المئات، وكانت إشارة قوية بالنسبة للقيادة إلى أن الجهود المبذولة لخفض الدعم الحكومي للخبز كانت بمنزلة خط أحمر لا ينبغي تجاوزه. وعلى مر التاريخ كان نقص الغذاء يؤدي إلى اضطرابات سياسية وإطاحة الحكومات.
وأشهر حالة كانت الثورة الفرنسية عام 1789. وقبل 15 عاما من ذلك الوقت، وتحديدا في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) 1775، أدى نقص الحبوب وما تبعه من ارتفاع في أسعار الخبز إلى نحو 300 عمل من أعمال الشغب في المناطق المحيطة بباريس، وازداد الوضع سوءا في السنوات التالية بسبب ارتفاع عدد السكان والفشل في زراعة محاصيل جديدة، حيث بلغت ذروة الفشل في زراعة المحاصيل في عامي 1788 و1789، وارتفعت تكلفة الخبز إلى ما يقارب نسبة 90 في المئة من أجر العامل، وكانت هذه العوامل من ضمن الأسباب الرئيسية لانتفاضة 14 يوليو (تموز)1789، واقتحام قلعة وسجن الباستيل في باريس، الذي كان رمزا للملكية. إن أزمة الغذاء الحالية عالميةٌ في نطاقها، وستكون لها تداعياتٌ سياسيةٌ في كل بلد تقريبا.
ويعد ارتفاع التضخم وتأثيره على أسعار المواد الغذائية من أخطر التحديات التي تواجه قادة العديد من البلدان في عالم الجنوب، وكذلك حكومات بلدان الاتحاد الأوروبي وإدارة الرئيس جو بايدن وحزبه «الديمقراطي» الذي يواجه انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. وإذا استمرت حرب أوكرانيا، فإن القيود المفروضة على الصادرات الغذائية ستضمن المزيد من التضخم والتداعيات السياسية.
وقد تؤدي الأحداث الأخرى، بما في ذلك الإغلاق الاقتصادي الهائل في الصين لاحتواء موجة تفشي فيروس كورونا الأخيرة، إلى ركود عالمي. وربما تكون إحدى النتائج انخفاض أسعار الوقود الأحفوري مع تباطؤ الطلب، وقد يشكل هذا مزيدا من المشاكل لروسيا التي تخضع بالفعل لعقوبات، لكنها قد توفر الراحةَ لكبار مستهلكي الوقود الأحفوري، خاصة في أوروبا حيث تتعرض الحكومات لضغوط كبيرة لتنويع مصادر استيراد الطاقة. وما لم يتم اتخاذ تدابير أكثر جدية وتصميما لإنهاء الحرب والسماح باستئناف الإنتاج الاقتصادي، فقد تؤدي العواقبُ إلى تفكك النظام المستند إلى قواعد فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا سيعني العودةَ إلى سياسة القوة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أو في أسوأ الأحوال، إلى الفوضى الدولية.